فجر سيناء يُشرق بالبناء والرخاء

خلق الله تعالى الأرضَ لكي تُعَمَّر، بحيث تكون مصدر إسعاد للبشر.. كل البشر.. وخلق اللهُ الإنسانَ وحدد له ثلاث مهام، وهي: عبادة الرحمن، عمارة الأكوان (الأرض)، ورعاية الإنسان.. يقول الله تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: 62) أي طلب منكم عماراتها، يُقال: عَمَّرَ الأرضَ: أي بنى عليها وأهَّلها للعمران.
ومفهوم العمران أو العمارة أو الإعمار مفهوم شامل، يشمل شتى أنواع الإعمار سواء الإعمار النفسي أو الفكري أو الأمني أو الاجتماعي أو الإعمار المادي...
إذن فإن إعمار الكون يعني بذل الجهد الإنساني لإيجاد مجتمع مثالي تسوده قيم الرحمة والتسامح والتعاون والسلام والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.. كما يعد مظهرًا مهمًّا من مظاهر تحقق عبودية الإنسان لخالقه، ذلك لأن النظر والتأمل والتعرف على أسرار الكون توصل الإنسان إلى نصيب من معرفة حكمة الله في خلق الوجود، ومن ثم تتأدب نفسه ويتهذب وجدانه، ويستقيم سلوكه على الجادة فلا يمشي إلا في الخير والحق والعدل، ولا يسلك سلوكًا معوجًا، ولا يعتدي أبدًا على أي من مخلوقات الله..
لقد جاء بنا ربنا إلى أرضه الطيبة لكي نعمرها ونسخرها لخدمة الإنسان وإسعاده.. لم نأت إلى الأرض لكي نجعلها ساحة أو مسرحًا للظلم والإظلام.. أو الفساد والإفساد.. أو لنطلق العنان لسعار شهواتنا ومطامعنا تسيطر علينا وتحركنا إلى الشر والشرور. لم نأت إلى الأرض لكي نروع الناس أو نرهبهم أو نكفرهم أو نقتلهم.. فمن مقتضى الإيمان ألا يكون المؤمن مصدر إفزاع أو ترويع لغيره؛ بل جئنا إلى الأرض لكي ننثر الأمن والأمان وننشر المحبة والسلام والطمأنينة... لذلك جعل الإسلامُ النفسَ الإنسانيةَ أقدس من الكعبة المشرفة ومن الأشهر الحرم، يقول (صلى الله عليه وسلم): (... ألا إنَّ اللهَ حرمَ عليكمْ دماءَكم وأموالَكمْ، كحُرمةِ يومِكم هذا، في بلدِكم هذا، في شهرِكم هذا...) (أخرجه البخاري في صحيحه).
أمَّا أن تتحول الساحةُ إلى مسرح للخراب والتخريب، والدمار والتدمير، والكيد والخوف والتخويف والترويع والتكفير، والقتل وإرقامة الدماء... فإن الآية هنا تكون قد انقلبت، بفعل الفساد الفكري والمكون المعرفي الخبيث لدى ثلة من البشر الأشرار؛ لذلك فإن مواجهة الإرهاب تستدعي مواجهة حاسمة وشاملة، يقف من خلفها المجتمع بأسره للقضاء على هؤلاء المفسدين في الأرض، واقتلاع جذورهم الخبيثة من الأرض الطيبة...
إن أرض سيناء حبيبة إلى الله وحبيبة إلى رسله، وحبيبة إلينا جميعا، فقد ذكرها الله في القرآن الكريم عدة مرات؛ بل إنه سمى إحدى سور القرآن باسم مكان فيها، وهي سورة الطور. إنها أرض التسامح والبركة والسلام، فيها كلَّم الله موسى عليه السلام تكليمًا... إن تحول سيناء تلك الأرض الطيبة إلى منبع ومنبت للإرهاب والإرهابيين والكفرة والتكفيريين... فذلك إذا شيء عجاب..!!.
لقد أُهملت سيناء رِدحًا من الدهر، فاستغلها أصحاب الفكر الفاسد بدعم من الأعداء؛ لتكون بوتقة خبيثة للتكفيريين ومركزا للكيد للوطن وللمنطقة بل وللعالم!!، ولكن هيهات هيهات..
فها هو اليوم الذي يأتي لتعطي القيادة السياسية للبلاد إشارة البدء في تطهير سيناء الأرض الطيبة من الخبث والخبائث والإرهاب البغيض.. وتسخير كل ما يلزم لاقتلاع شجرة الإرهاب النجسة من جذورها، لتظل أرض الفيروز أرضًا طيبة مباركة، ورمزا للأمن والسلام.. فالأرضُ عِرضٌ ولن يفرط المصريون في شبر واحد من أرضهم.. ولن يتركوها أبدا أبدا مرتعا للخبثاء..
فهنيئا للأبطال البواسل من قواتنا المسلحة ومن رجال الشرطة الأبرار... هيئنا لمن شارك في حرب التطهير (سيناء 2018).. هنيئا لمن فكر وخطط ودبر وساعد ونفذ... هنيئا لمن استشهد في معركة العزة والفخار للقضاء على طرف خبيث رسم للعالم صور سوداء عن الإسلام وهو منها براء..
أيها الجنود والضباط: ثقوا أن هناك فئات أخرى تحارب معكم، وتقف بجانبكم.. تساعدكم وتساندكم.. وتشد من أزركم.. وتدعو الله لكم بالنصر والتوفيق في هذه المهمة التي لن ينساها التاريخ... إنهم أئمة الأوقاف الذين تسابقوا للعمل في سيناء ولم يخافوا من سقوط القذائف عليهم، فتحية لكم ولهم ولكل المدرسين والعاملين في سيناء الحبيبة وتحية لأبنائها المخلصين.
كلنا معكم، ومن ورائكم... والله يحرسكم ويرعاكم ويسدد خطاكم ويثبت أقدامكم ويسدد رميكم.. ليشرق فجر سيناء من جديد، ومن ثم تبدأ مرحلة البناء والإعمار والازدهار بإذن الله تعالى.. وبالله التوفيق.