الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

طنط صفية...


قالت لى صديقتى التى دخلت حياتى فجأة وبطريق المصادفة البحتة ولكنها اصبحت تحتل مكانة كبيرة عندى ، قالت لى ..هل تدركين ان حياتى كلها عشتها اعطى فقط ولم آخذ شيئا سوى تلك النظرة الجميلة منها وبعض الهمهمات غير المفهومة التى تصدرها واشارت اليها سيدة كبيرة فى السن ملامحها تؤكد انها بنت اصول وعز ..واستكملت صديقتى حوارها وصوتها مخنوق ونظراتها حائرة ..طيلة عمرى وانا أحب عمل الخير تطوعا او غصبا ومنذ صغرى اسعى سعيا لكل مافيه اسعاد الغير حتى ان امى رحمها الله كانت تسمينى مبروكة ،كبرت والتقيت به رجل اعمال وانا اتقدم باوراقى للعمل فى شركته الموروثة عن ابيه المستشار السابق ، ومنذ ان رأيته وجدت نفسى مشدودة اليه وهو ايضا وبالفعل تزوجته وانجبت منه ثلاثة ابناء ويبدو انه كان يبحث عن اسرة وسيدة ترعى هذه الاسرة وكنت انا فجعلنى مجردة المشاعر وحياتى معه اشبه بمحطات الاتوبيس فيها نفس نسق الملل و الاعتياد ، وحاولت جاهدة ان اكون كما يريد وانشغلت باولادى حتى لااصطدم بمواجهته ومطالبته بان يشعرنى باننى امرأة لها مشاعر وليست ربة منزل ..وبعد مضى عشر سنوات من الزواج فاجئنى بأن امه مصابة بالزهايمر وبأنها بحاجة لرعاية تامة وبأن ابيه عندما علم بالخبر حزن واصيب بأزمة قلبية ، وهو الان فى المستشفى وقبل ان استفسر عن اى شىء خيرنى بين البقاء مع امه فى بيت العائلة او اصطحابها الى بيتى او بمعنى اصح بيت ابنها،  وتركنى ومضى ،وفضلت بالطبع ان آخذها عندى مع تنصل بنتيها وابنها الاخر من تحمل هذه المسؤلية بحجة ان زوجى ابنها البكر وحق رعايتها واجب عليه.  فى بداية الامر كان بداخلى الف رفض ورفض لاننى كنت ارى ان تقسم المسؤلية علينا جميعا ولكنى عندما اجمع رصيدى معها اجدها كانت معى اما اخرى فبالرغم من كونها كانت مديرة لاحد البنوك وكانت فى زحام دائم الا انها كانت تحكى لى كل شىء وتشكو لى من اشياء لايعرفها احد سواى حتى ابناءها،  وكانت تشترى لى مصوغات فى اعياد ميلادى وتهتم بكل مايسعدنى وتدعمنى فى اى خلاف مع اى من افراد عائلاتها .. اصطحبتها  معى وحزنت انها لم تتذكرنى ولكن عينيها كانت تقول الكثير والكثير ،لم يتحمل زوجها صدمة انها لاتعرفه ولاتعرف ايا من ابناءه فتدهورت حالته وتوفاه الله وعندما مات دمعت عينيها مع انها لاتعرف شيئا وبالطبع لاتعى ايا مما يدور حولها ..كل عالمى معها كان بالنظرات وقلما تكلمت ،اصبحت حياتى كلها مرتبطة بها اخاف ان اخرج واتركها ، ارفض مغادرة الشقة لاى سبب ، صرت احيا لها واصبحت رعايتها هى كل اهدافى فى الحياة وصار تواصلى معها عبر لغة العيون هو داعمى ودافعى فى حياتى ..الكل نفض يده منها حتى ابنها زوجى لم يكن متواصلا معها ولا سائلا عن اى شىء يتعلق بها ..اصحو كل يوم متلهفة على رؤياها اذهب الى حجرتها والقى عليها تحية الصباح واقبلها واقول لها ..عامله ايه ياطنط صفيه فأجد عينها تلمع بالحب وتلقى برأسها على صدرى فأقبلها ونمضى يومنا معا تتعب من السرير تتنقل ورائى فى الشقة وعيونها كلها فرح .ولن انسى يوما اتصلت بى ادارة مدرسة ابنى تبلغنى بان ابنى سقط واصطدمت رأسه وينزف بشدة فجريت اليهم وتركت الباب مفتوحا ولم اغلقه بالمفتاح كما اعتدت خوفا من ان تخرج اذا ماانشغلت عنها وبعد ان اطمأننت على ابنى عدت به ، وذهبت اليها ولم اجدها وبحثت عنها فى كل مكان ولم اجدها جن جنونى وصرخت وبكيت واتصل ابنى بابيه وجاء مسرعا ويحاول ان يهدىء من روعى وحضر ابناءها وكانت اعينهم تتهمنى بالتقصير وذهبنا الى قسم الشرطة وعندما رآنى الضابط ودونا عن كل الحاضرين وجه حديثه لى وقال هنرجعلك مامتك متخافيش ..وعدنا ولم تعد ، وتقوقعت فى حجرتى ابكى،  ومضى يوم ووجدت ان ابناءها بما فيهم زوجى يفتر اهتمامهم بالبحث عنها منتظرين نتائج البلاغ فى قسم الشرطة .وحينها قررت البحث عنها بنفسى وبالفعل ذهبت الى مواقف الباصات والميكروباسات اصف ملامحها للكل ، وفاجئنى احد السائقين بأنه يعرفها وقام بتوصيلها امس الاول الى محطة مصر وتنفست الصعداء وبلغت سعادتى عنان السماء واعطيته الكثير من المال لما بشرنى به واخذت سيارتى مسرعة الى حيث وصف لى السائق مكان نزولها ووصلت الى محطة مصر اسأل بلهفة كل من يقابلنى ووجدتها جالسة منزوية ومعها من الطعام والشراب الكثير وعندما راتنى استقبلتنى بابتسامة العين وبان القت راسها فى صدرى لاقبلها واعود بها مع كلمات ممزوجة باللوم والحزن عليها .بعودتها عادت سعادتى الا ان ابناءها اصروا ان يأخذها كل منهم فترة مقسمة بالتساوى بيننا جميعا واعترضت وترجيتهم بان يغفروا لى هذا الخطأ وتعهدت لهم بعدم تكراره الا انهم اصروا ..واخذتها ابنتها كما اتفقوا اسبوعا كنت فيه تائهة وحيدة وفى ثالث يوم وجدت ابنتها تعود بها بدعوى انها ستسافر مع زوجها ، نظرت الى طنط صفية وجدتها ذابلة ، ملابسها متسخة ، شعرها غير ممشط ، ووجدت عينيها حزينتين بعكس مااعتدت عليه عندما كانت معى ، ذهبت ابنتها واعادت لى حبى وكأن اولادها الباقين اكتفوا بتجربة اختهم معها ولم يتصلوا حتى بها واكتفوا بكونها تعيش فى بيت اخيهم كما قالوا وبمعاشها على حد قولهم ونسونى كلية ولم انزعج وواصلت معها خمسة عشر عاما ..طنط صفية كانت حياة داخل حياتى ان لم تكن حياتى كلها الى ان جاء يوم وجدتها تنادى باسمى وفرحت وجريت اليها ابارك لها عودة ذاكرتها ، واحتضنها ، فاذا بها تشد يدى لتقبلها وانا اسحب يدى منها ولكنها تمسك بها بقوة اقوى من وهن جسمها الذى اكله الزمن وانتهكه جفاء اولادها وتقول لى ..انا ماشية ياسمية متنسيش تدعيلى وانا هااقول عن كل الحاجات الحلوة اللى شفتها معاكى وقوليلهم انى زعلانه منهم بس مسمحاهم ،وترتمى فى حضنى وتنتهى بين ذراعى نبضاتها ..ماتت طنط صفية ..هل تصدقى اننى منذ ماتت ولم تعد لدى رغية فى الحياة كل مااريده هو طنط صفية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط