الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دعك من الصراخ وتحدث بلغتهم


ما الذي يدفع شخصا لتصديق شيء أنت ترى أنه لا يتفق مع المنطق ؟؟ وما الذي يحمله على قراءة هذا الشيء من الأساس ؟؟ في مصر تقريبًا لا يوجد شخص لا يحمل هاتفا ذكيا، الجميع يملكون، ولديهم حسابات عبر فيس بوك –تحديدًا- لكن كيف يستخدمونها ؟؟ ، غالبًا لا يكتبون ما يجول بخاطرهم بل ينقلون ويشاركون ما يكتبه آخرون ولا يعلمون هل ما نقلوه صحيح أم شائعات؟ ، لكنهم في النهاية صدقوا ما شاركوه، دائرة مفتوحة فهذا ينقل عن ذلك وصديق ينقل عن صديق وثالث يُضيف مسترجعًا أشياء سمعها في دائرته الخاصة وتظل الشائعة تدور حتى تتسربل في رداء العالم الافتراضي وتصبح حقيقة لا يقطعها قاطع.

وبعيدًا عن العالم الافتراضي بحساباته الوهمية ولجانه الإلكترونية ومشاهيره يقفز السؤال: لماذا تسري الشائعات وهناك فضائيات وبرامج وصحف ومواقع إخبارية قادرة على توضيح الحقائق للمشاهدين والقراء، على مدار الأيام الماضية كانت تلك -قضية الشائعات- "بطل" الشاشات والصفحات، لكن أحدًا لم يأت على ذكر حل حقيقي لها، الكل يكتب ويقول مسترسلًا مستعرضًا عضلات مصطلحاته ويلقي بالأمثلة في وجهك وينهي ما صاغه بأن "الشائعات حرام وعيب".

وأمام ذلك باتت وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة للمواطن أقصر وأسرع طريق لعرض مشكلة، لاتهام مؤسسات وأشخاص، لعرض فيديو مجهول "أصله" لكتابة رأي بعلم أو بجهل وما عليك إلا أن تكتب أو تذيع وهناك من سيتفق معك وآخرون سيقتنعون بكلامك وهؤلاء سيشاركون لأنهم يثقون فيك وتبدأ دائرة "الشائعة" في التشكل وتظل تتسع كلما كثرت "الأكونتات".

هنا تواجه الفضائيات ببرامجها والصحف بمواقعها الإخبارية أزمة كبيرة، تلك الوسائل التي يُعول عليها في تفنيد الشائعات وتوضيح الحقيقة لمن يقتطع من وقته لمشاهدتهم، والحقيقة أنها لا تفعل بالشكل الكافي، وإذا فعلت لا تصل رسالتها واضحة وباتت "الثقة" واقفة على قدم وحيدة، ناهيك عن أن السواد الأعظم من الشعب المصري يعيش في صعيده ودلتاه ومحافظات تلتهم شمس الصحراء صحفها ووسائل البث.

أنت تتحدث إلى عامل وفلاح و"أرزقي" وسائق يقتطعون أقواتهم من الحياة عنوة وأحيانًا تهزمهم فيعود الواحد منهم إلى بيته "صفر اليدين"، فما الذي يدفعه أو يحمله على أن يصدقك ؟؟ هل لأنك تصرخ ؟؟ أم لأنك تقسم بأغلظ الأيمان ؟؟ أم لأنه يجب أن يصدقك فأنت لا تنطق عن الهوى ؟؟ تلك الفئات إن لم تعطهم ما يريدون حتمًا سيغادرونك إلى العالم الافتراضي ويدخلون في نسق ترويج الشائعات وأكثرهم جاهلون بما يفعلون.

وعلى ذكر جملة "أن تعطي من يشاهدك ما يريد" هناك قصة لأحد الزملاء كان يعمل ببرنامج توك شو ووصله فيديو لسيدة وظيفتها مسئول فرع المجلس القومي للمرأة في إحدى المحافظات التي تعج بـ"اللحى" تلك السيدة جمعت نساء كُثر أغلبهن منتقبات والبقية محجبات بـ"طرح" وكانت تتحدث معهن عما يدور في مصر وتشرح لهن الوضع الاقتصادي بطريقة فهمهن، وجاءت المسئولة على ذكر مثال من داخل الأسرة وأن ما يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسي "اقتصاديًا" أشبه بأن زوجت الأسرة ابنها الأكبر وتراكمت الديون فكيف سيزوجون الآخر ؟؟ أولًا يجب أن يسددوا ديونهم ويجمعوا أموالًا لتزويج الآخر حتى لا تسير أمورهم من سيئ إلى أسوأ، والحقيقة أن النسوة كن يستجبن ويسألن في تفاعل ملحوظ لأنها تحدثت بلغتهن التي تمثل منطقهن في التعامل وبالتالي بماذا سيرددن؟؟ لا شيء.. المهم ذهب المعد إلى مذيع برنامج التوك شو وقال له لماذا لا نبرز هذا النموذج ونقول إنه يجب على كل مسئول أن يتحدث إلى مواطني محافظته ومنطقته بلغتهم بل يجب أن يتحدث كل مسئول إلى الفئة التي يتولى أمرها بلغتهم وهذا أولى بأن يقطع الطريق أمام أي شائعات يمكن إثارتها، وهنا كانت نظرات الاستنكار وانتهى الأمر بأن الفيديو "ملوش لازمة".

أزمتنا الحقيقية مع الشائعات أننا بتنا فاقدين للحديث مع كل فئة بلغتها، فالرسالة الإعلامية التي تخرج لمواطن يسكن في "كمبوند" هي نفسها التي تُبث على تلفاز رجل عائد من "غيطه" فيشاهدك وعلى يديه آثار ما كان يفعله طوال اليوم، وآخر جعل صوت الماكينات من رأسه مسرحًا لا يعرف أي من أفراده دوره، فما الذي يدفع هؤلاء لتحمل "صراخك" أو سب ضيوفك بعضهم البعض على الهواء ، ولن يبحثوا ليفهموا نظرياتك الاقتصادية البحتة، فقط سيغيرون المحطة أو يذهبون إلى العالم الافتراضي لتفترسهم شائعة وأنت لا زلت تصرخ.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط