الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

العقل الظاهر.. والعقل الباطن


يختلف البشر في كل شىء، في الأرزاق والأشكال والأخلاق والعقول، ولأهميتها حظيت العقول باهتمام خاص وصممت لها اختبارات متدرجة من صفر إلى مائتين متفق عليها عالميا، تعرف بـ اختبارات قياس معدل الذكاء (IQ). 

وفق هذه الاختبارات، من يقع ذكاؤهم بين 75-100 هم الغالبية الطبيعية، والأعلى من 100 هم الأذكياء والموهوبون، وعند 140 يظهر العباقرة الذين قد تصل قدراتهم إلى المائتين، وعند الطرف الآخر نجد الفئة الأقل من الطبيعي من 0-75، وهي مقسمة إلى شرائح أيضا أدناها من 0-20 وهي الأكثر تخلفا وتعتمد على غيرها في كل شىء ولا تفيد نفسها، ومن 20-50 شريحة قابلة للتدريب والعناية بنفسها في الأعمال الأساسية كتناول الطعام ودخول الحمام، ومن 50-75 فئة قابلة للتعليم ودخول المدارس لكن بصعوبة.. وأظهرت عدة دراسات أن 3% من البشر متخلفون عقليا، و1% عباقرة.

يتأثر الذكاء بالوراثة وظروف التنشئة، وتوصل باحثون إلى أن 70% من الذكاء وراثي، وأن جيناته موجودة على الكروموزوم الأنثوي (X)، بمعنى أن أكثر الذكاء مصدره الأم، وأن 30% من الذكاء يأتي من الظروف المحيطة كالتشجيع والغذاء المتوازن والاستخدام الأمثل للحواس الخمس خصوصا في السنوات الأولى من العمر، ولم يلحظ العلماء اختلافا في الذكاء بين الرجال والنساء بشكل عام، لكنهم لاحظوا التجانس في ذكاء النساء والتفاوت في ذكاء الرجال، بمعنى وجود نسبة أعلى من العباقرة والمتخلفين بين الذكور.

ويقول العلماء إن ما يظهر أمامنا من ذكاء ووعي لأي شخص ما هو إلا قمة هرم، أما جسم الهرم نفسه فهو العقل الباطن الذي لا تعرف حدوده، واكتشفوا منطقة في الفص الصدغي الأيسر من المخ تعمل على كبح جماحه، ولاحظوا أن غياب هذه المنطقة، إما لعدم نموها في حالات التوحد أو إصابتها في حادث، يطلق مواهب خارقة عند المصاب، ولم تعرف الحكمة من وجود منطقة في المخ تحد من انطلاقه، لكن يعتقد أن عدم وجودها كان سيؤدي إلى الفوضى والجنون على كوكب الأرض.

التوحد ظاهرة ملخصها خلل في نمو المخ يظهر على سلوك الطفل في شكل انطواء وصعوبة الاندماج ومقاومة التغيير، وإبداع بعض المصابين (وليس كلهم) في شىء واحد لا يعرف غيره. 
 
ما يحدث في حالات التوحد أو بعد إصابة الفص الصدغي من المخ، أن الغطاء ينكشف عن الإبداع فينطلق إلى آفاق غير محدودة كما ذكرنا. وتعرض وسائل الإعلام من حين لآخر نماذج من ظاهرة "الطفل المعجزة"، منهم الطبيعي ومنهم المصاب.. طفل يحفظ القرآن وعمره ثلاث سنوات، وآخر يحفظه بالصفحة ورقم الآية ومكان السطر في كل صفحة وبأكثر من لغة، وثالث يعطي حاصل ضرب عدد مكون من ثلاثة أو أربعة أرقام في مثله في الحال، ويعرف اسم اليوم بمجرد إعطائه تاريخ اليوم والشهر والسنة ولو قبل عشرات السنين..

وهناك أدوية تطلق العقل الباطن من مخابئه مثل الأمفيتامين والريتالين لكن عيبها الذي يمنع استخدامها لهذا الغرض أنها تسبب الإدمان.

ويذكر التاريخ أن أغلب العظماء كانوا أصحاب عاهة أو مشكلة.. يوليوس قيصر ونابليون ونوبل (مؤسس الجائزة) كانوا يعانون من نوبات صرع، والرسام الشهير فان جوخ كان مريضا نفسيا حتى أنه قطع أذنه ذات يوم، والعالم الكبير ستيف هوكنج صاحب الكشوفات العظيمة في الفيزياء كان مقعدا بالكامل.. والرسام والنحات الكبير دافنشي حرم من التعليم ورغم ذلك أظهر عبقرية منقطعة النظير، وحتى أينشتاين لم يكن متفوقا في المدرسة وكان يتهته في الكلام، وبعيدا عن هؤلاء، لا يعرف حتى الآن لماذا قصار النظر يتفوقون في الرياضيات. 

وما يؤكد وجود خلل أو مناطق متراجعة في عقول العباقرة، أنهم لا يهتمون بمظهرهم ومشغولون بما هو أهم، فنجدهم غرباء في ملبسهم ومأكلهم ومشيتهم، وفوضويين حتى في مسكنهم..

بعض العلماء قالوا إن الإنسان لا يستخدم إلا 10 % من قدرته العقلية وهذه حقيقة، لكن المشكلة أن لا أحد يصدق أن في عقله قدرات هائلة مختبئة فيحاول إخراجها، وصدرت مؤلفات كثيرة تشرح كيفية الوصول إليها، ومعلوم أن الهنود اشتهروا بتأملات اليوجا ويؤكدون أنها تخفف الألم وتجلب النشوة من خلال الوصول إلى العقل الباطن.

العقل الباطن ليس مجرد ذاكرة تراكمية فحسب، بل يضم عددا من العناصر الخفية كالطاقة والتجاذب والتخاطر والتنبؤ، ويعمل حتى أثناء النوم، والأدلة على ذلك كثيرة لا تقبل الشك، منها ظاهرة التخاطر أو التواصل عن بعد وهي مؤكدة عند بعض البشر، وظاهرة العلاج الوهمي (البلاسيبو) حيث يخدع المريض بإعطائه حبات سكر مغلفة في شكل دواء لا مفعول له طبيا لكنه يشفي 35% من المرضى بمجرد اعتقادهم في الشفاء، بمعنى أن في العقل الباطن قوة جبارة يمكنها إضافة إلى ما ذكرنا، علاج أمراض مستعصية وحتى الاتصال بالموتى عند بعض الناس.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط