وفي أنفسكم أفلا تبصرون (1)

قال تعالى "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" (الذاريات 21)، وقال الإمام الشافعي "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم"، وعملا بذلك، سنختار بعض العادات الشائعة التي نقوم بها مثل التقلب أثناء النوم والمشي والضحك، سنبحث في أساسها العلمي وفوائدها العظيمة بقدر ما يسمح المقال.

العادة الأولى هي تقلب النائم، وكيف يختار وضعا أكثر راحة بينما هو فاقد الوعي؟ إنها إحدى طرق حفظ الله للإنسان، عند وصول إشارة إلى المخ بوجود ألم في مكان مضغوط من الجسم لا يصله الدم الكافي، يقوم المخ بدراسة الموقف ويختار الوضع الأفضل ويأمر بالتحول إليه فورا دون إذن صاحبه، لأنه إن لم يتقلب النائم سيتعرض لمخاطر كبيرة مثل تقرح الجلد وتكون حصى بالكلى وربما حدوث شلل مؤقت من عصب منضغط.

يتقلب الشخص ما بين 20 إلى 30 مرة في الليلة قد تزيد في حالات القلق عن الأربعين، وهي عملية ضرورية وتحدث حتى لو كان الشخص مستلقيا غير نائم، ولاحظ العلماء أن حصوات الكلى تتكون في الجانب الذي ينام عليه الشخص أكثر.

ومن عملية التقلب واختيار الوضع المريح في النوم، تولد المثل الشعبي "كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه" ولا يقصد به جانب النوم بالتأكيد، لكن يقصد به اتخاذ القرار الذي فيه مصلحته.

وماذا عن المشي؟ أمر القرآن الكريم في أكثر من آية بالمشي والسعي للرزق "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" (الملك 15)، "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" (الجمعة 10)، وبشكل عام، يبدأ الطفل في المشي ما بين 9-15 شهرا ولو امتد مشواره في الحياة إلى سبعين عاما، سيمشي مسافة تكفي للدوران حول الأرض خمس مرات!

تشكل الرجلان ثلث وزن الجسم، وفي القدمين ثلث عضلات الجسم وربع عظامه تقريبا، وللقدم أهمية وهندسة فريدة، فعظامه متراصة في شكل أقواس تسمح بالمرونة أثناء المشي (عدا حالات القدم المسطح النادرة).

من فوائد المشي المؤكدة أنه ينشط دورة المخ ويقوي الذاكرة، ويقلل أمراض القلب بنسبة 40%، ويمنع داء السكري وهشاشة العظام وأمراض البروستاتا، كما يفرز معه هرمون السعادة "الإندورفين" الذي يخفف التوتر والألم ويقوي المناعة ويجعل النوم أفضل، وهو نفس الهرمون الذي يصاحب الضحك، ورغم فوائده العظيمة، إلا أن ممارسته تراجعت مع انتشار السيارات الخاصة وتوفر وسائط النقل العام حتى تحول المشي مؤخرا إلى "نصيحة طبيب"!

وتشير الأبحاث إلى أن المشي نصف ساعة يوميا أيام الصحة والشباب، يوفر 300 دولار سنويا من علاج أمراض الشيخوخة، وثبت أن 6000 خطوة يوميا تكفي لصحة جيدة، و10000 لمن يرغب في إنقاص وزنه، وننبه هنا إلى مخاطر الكعب العالي الذي تميل إليه بعض النساء، إذ يؤدي إلى قصر دائم في عضلات الساق وانحناء في أصابع القدم وأورام في العظام والأعصاب.

ويؤكد الأطباء ضرورة العناية بتهوية ونظافة القدمين باستمرار لتحاشي انبعاث رائحة كريهة منها وهجوم الفطريات عليها، وحتى في بلد متقدم مثل أمريكا، صدر قانون في إحدى الولايات بالسجن لكل من يخلع حذاءه وسط الحاضرين في دور السينما!

أما الضحك فهو لغة عالمية بين كل شعوب الأرض على اختلاف لغاتها، والطفل يضحك قبل أن يتكلم، والأطفال عموما تضحك أكثر من الكبار، والضحك مثل التثاؤب ينتشر وبائيا بين المجموعات لأن الضحكة نفسها تضحك الآخرين، أثناء الضحك تنشط الدورة الدموية وتتوسع شرايين القلب التاجية ويزيد هرمون السعادة "إندورفين" الذي يفرز أيضا مع المشي كما ذكرنا، كما يمنع الضحك تدهور الذاكرة عند المسنين.

الضحك يجذب الرجل للمرأة والعكس، وأثبتت علماء أن الشخص الضحوك أكثر جاذبية للجنس الآخر بنسبة 62%، وتأثير ابتسامة المرأة على الرجل أقوى من أي مكياج تضعه على وجهها، والزوجان الضحوكان علاقتهما أقوى وارتباطهما يدوم أطول، والبائع المبتسم تزيد مبيعاته، والضحك ضروري في الاجتماعات لتحقيق مكاسب عند التفاوض، وأكد باحث أن كل ضحكة من القلب تضيف إلى العمر يومين.

ينشأ الضحك من تعاون مراكز عدة في المخ ويشارك فيه الجهاز التنفسي والحجاب الحاجز، وإخراجه النهائي من خلال العصب الدماغي السابع المحرك للوجه، ولم يسجل العلماء ضحكا "بدون سبب"، لكنهم وجدوا أن بعض العقاقير كالكحول والحشيش وغاز أكسيد النيتروز تسبب الضحك، ويحدث أيضا ضمن نوبات الصرع والهستيريا، وبالعكس، قد يتلاشى الضحك ويختفي في بعض الأمراض العصبية، ففي مرض الشيزوفرينيا لا يفهم المريض النكتة ولا يضحك عند انتهائها.

وهل يمكن أن يموت إنسان من كثرة الضحك؟ نعم بسبب توقف القلب أو انفجار شريان في المخ لكنه نادر جدا، وثبت أن بعض الحيوانات تضحك، وتم رصد بعضها وهي تضحك على الإنسان.