الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفي أنفسكم أفلا تبصرون (2)


قدرة الله لا تدركها العقول والأبصار.. والمتأمل في خلق الله يرى الجديد في كل لحظة، قال تعالى "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" (الكهف 109).

في هذا المقال نواصل التأمل في خلق الله ونبحث في أمور حياتية قد تبدو لنا بسيطة لكنها في الحقيقة تستند إلى أسس علمية متينة، وكلما زاد فهمنا لها تحققت الفائدة منها أكثر.

نبدأ بالحديث عن الأظافر وهي معجزة طبية وهندسية بديعة، أكثرنا لا ينتبه إلى قيمتها ودورها ويتصور أنها وجدت فقط لكحك الجلد وتقشير الفاكهة وفك العقد، لكن أهميتها أكبر من ذلك بكثير، فهي تحمي نهايات الأصابع عند الصدامات وحمل الأثقال وشد الحبال، ولولا وجودها في مكانها لانفجرت وتمزقت قمم الأصابع، كما أن دورها في الطب أعظم، فهي تكشف للأطباء بسهولة عن الحالة الغذائية للشخص وعشرات الأمراض الباطنة دون تحاليل، ودورها في الجمال والإغراء عند النساء لا يخفى على أحد، وهي الصديق والخل الوفي، فإلى جانب فوائدها الكثيرة، تتوقف عن النمو إذا مرض صاحبها!

بشكل عام، تنمو الأظافر بمعدل مليمتر واحد كل عشرة أيام، وتزحف لتتبدل بالكامل كل خمسة أو ستة أشهر، وتنمو في اليدين أسرع من القدمين، وعند الرجال أسرع من النساء، وعند الشباب أسرع من المسنين وفي الصيف أسرع من الشتاء.

ويكثر هجوم البكتريا والفطريات على الأظافر، لذا يجب الانتباه إلى سلامتها ونظافتها، لأنه لو هاجمها فطر سيشوه صورتها ونموها وعلاجه يطول، وعودتها إلى طبيعتها قد تحتاج إلى نزع الظفر بأكمله وإعطائه فرصة للنمو من جديد وهي عملية مرهقة أيضا.

أما عن المثل الشائع "ودن من طين وودن من عجين" فالمقصود به أن الأذن تسمع ما تحب، وتتجاهل ما لا تحب، وهي إحدى صور حفظ الله للإنسان، ولها أساس علمي في المخ، فمن يسكن بجوار شريط سكة حديد أو يعمل في طاحونة سيعتاد بعد وقت قصير على عدم سماع صوت القطار أو الطاحونة، وأحيانا يطلب منك شخص مبلغا من المال أو يعرض عليك رأيا لا يعجبك فلا ترد عليه وكأنك لم تسمعه، ما يعرف بالتطنيش، ويطلق عليه في الأوساط العلمية "ظاهرة الانتباه السمعي الاختياري".. في هذه الحالات يعمل المخ بطريقتين: إما وقف وصول الأصوات المزعجة في منتصف الطريق قبل وصولها إلى منطقة السمع في قشرة المخ، أو أن الصوت يصل إلى المخ فعلا لكن الذاكرة تقوم في جزء من الثانية بفحص السيرة الذاتية للمتكلم وتمنع الرد عليه..

المعلومة الثالثة عن التدخين.. معروف أن النفس تحارب العقل وتزين الشهوات لصاحبها وتدفعه إلى ما يضره أو حتى يتسبب في قتله، لذا قال القرآن الكريم عنها في سورة يوسف "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" (53)، والتدخين إحدى العادات السيئة التي تزينها النفس للإنسان.

يبدأ التدخين بتهريج ومزاح، ثم لا يلبث أن يتحول إلى إدمان ثم إلى مجموعة أمراض. 10 ملايين سيجارة تباع كل دقيقة حول العالم والمدخنون قرابة المليار ونصف، وفي السيجارة 250 مادة مسرطنة أبرزها القطران والبنزين والنيتروزامين، وغاز أول أكسيد الكربون الذي يتحد مع الهيموجلوبين في كريات الدم الحمر ويعرقل حمله للأوكسجين وتوصيله إلى مناطق الجسم، وهذا ما يفسر سرعة تعب المدخن وقصر نفسه.

الحديث عن مخاطر التدخين يكون مقنعا أكثر لمن لم يبدأ التدخين بعد، أما المدخن "المتمرس" فنادرا ما يقتنع ويقلع عنه لأنه "أدمن"، والإدمان علميا هو "اضطراب سلوكي يفرض على الفرد تكرار عمل معين باستمرار ولا يستطيع التوقف عنه بغض النظر عن إضراره بالصحة والحالة العقلية والاجتماعية". دراسة أشارت إلى أن 6% فقط من المدخنين يمكنهم الإقلاع عنه وبصعوبة.

يتسلل النيكوتين إلى المخ بحيلة ماكرة بحجة التشابه في التركيب بينه وبين مادة مهمة فيه تسمى "الأسيتيل كولين" لينافسها في عملها، ولكي يغطي على دوره المخرب يقوم بتشجيع إفراز هرمون الدوبامين المسبب للنشوة المؤقته ليوهم المتعاطي بأنه قدم خدمة له، وفي كل مرة يساومه ويطلب منه كمية نيكوتين أكبر مقابل نفس النشوة، ولو توقف عن تعاطيه سيشعر بالحاجة الملحة إليه مصحوبة بعصبية شديدة وقلق وكآبة وأرق..

ويتصرف النيكوتين داخل المخ وكأنه في حرب، فما أن يستقر فيه يسارع إلى تجنيد "عملاء" له من مستقبلات خلايا المخ لكي لا تقبل التعامل إلا معه، وتلفظ المواد التي كانت مفيدة لها في السابق!.

ومع أن أدخنة التبغ فيها ما يسرطن أعضاء الجسم، وما يعرقل دور كريات الدم الحمر في نقل الأوكسجين، وما يضلل خلايا المخ، إلا أن نسبة المدخنين في ازدياد، وزراعة التبغ في اتساع، وأرباح شركاته في تضاعف!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط