الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وفي أنفسكم أفلا تبصرون (4)


التفكر في خلق الله علم وعبادة ومتعة واستفادة. سوف نوجز في هذا المقال بعض ما يحدث للجنين لحظة الولادة، ونعرض معلومات جديدة عن العين والأذن، وعن الطبيب ابن سينا صاحب الريادة. 

عند الولادة يتحول الجنين إلى طفل، عملية لا تخطر على بال ولا يكاد يصدقها عقل.. الجنين كان في الرحم يأكل ويشرب ليس من فمه، ويتنفس ليس من رئتيه، ولا يبول ولا يتبرز، ليخرج ويجد نفسه مضطرا ليقوم بكل هذا بنفسه، عليه أن يتنفس من رئتيه ويتغذى من فمه ويبول ويتبرز في الخلاء.. عندما كان داخل الرحم كان الحبل السري يقوم بدور الأجهزة الثلاثة: الهضمي والتنفسي والبولي، وبقطع الحبل السري عند الولادة، تنقطع عنه فجأة كل هذه الخدمات. 

عند الصرخة الأولى تبدأ رئتي الطفل في العمل وتنسد فتحات في القلب بين الجهتين اليمنى واليسرى مع أحداث أخرى معقدة لا مجال لشرحها هنا، لكن ما نود الإشارة إليه أن العلماء لا يعرفون حتى الآن من يبدأ الولادة الطبيعية الأم أم الجنين ولماذا في لحظة معينة بالذات ؟ والمفاجأة أن أبحاثا أكدت أن الجنين هو من يطلب الخروج ويحدد موعد الولادة وليس الأم !. وعلى كل حال فالدنيا تغيرت ولم تعد الولادة "طبيعية" كما كانت منذ آدم، وأصبح طبيب الولادة القيصرية هو من يحدد ساعتها هذه الأيام. 
 
وننتقل إلى ظاهرة عجيبة تحدث أثناء الرؤية. العين ترى كل الأشياء مقلوبة وترسل الصور إلى المخ مقلوبة أيضا، لكن في المخ برنامج يقلبها مرة أخرى لنراها معتدلة " ”flip vertical.. والطفل الوليد يرى الأشياء مقلوبة لعدة أيام إلى أن يقوم المخ بتطوير وتحميل البرنامج الذي يعدل له الصور!.
 
ونذكر معلومة طريفة عن تحريك الأذن عند البشر.. معروف أن لكثير من الحيوانات آذانا كبيرة تتحرك بحرية لإبعاد الحشرات وتحديد مصادر الصوت، لكن الغريب أن بعض البشر يستطيع تحريك أذنية مع أنه لا يستفيد من حركتها.. ولما كانت الأبحاث شحيحة في هذا الموضوع، قمنا بإجراء بحث ووجدنا أن نسبة القادرين من البشر على تحريك آذانهم هي ثمانية من كل ألف، وأنها أكثر في الذكور عن الإناث بنسبة 1:4، وتبين لنا أيضا أنها صفة وراثية.. وهناك تفسيران لهذه الظاهرة إما أنها مهارة إضافية في عقول القادرين على القيام بها، أو أنها امتداد لصفة تطورية بدائية كان المفروض لها أن تختفي لكنها استمرت عند البعض.
 
وإلى علم جديد تم استحداثه في أمريكا ضمن تخصص المخ والأعصاب يطلق عليه "علم الحب والأعصاب"، الأبحاث والمؤلفات فيه غزيرة، ومؤخرا صدر لهم كتاب عن قوة تأثير العيون على المخ عنوانه " The power of the eyes".. ليس هذا هو المهم، لكن المهم هو أنهم في القرن الحادي والعشرين يفتشون ويبحثون في علم كان لأطبائنا وشعرائنا القدامى السبق فيه. 

أول طبيب عربي فكر في تآثير العيون وأمراض الحب كان ابن سينا قبل ألف سنة، فقد استدعوه ذات يوم لفحص شاب منقطع عن الطعام طريح الفراش ومنهار.. فحصه مليا ولم يجد في أعضائه علة، وبينما هو واضع يده على نبض الفتى، طلب من أحد أقربائه أن يذكر له أسماء كل بنات الحي ويده على النبض، وعند ذكر اسم فتاة بعينها اختل نبضه، فطلب إعادة الأسماء مرة أخرى والنبض يرتبك عند نفس الاسم، فعرف أنه مريض بداء العشق ونصح أهله بحل مشكلته.. هذه القصة تلمح إلى فارق بيننا وبين الغرب، نحن حولنا إبداعات علمائنا وشعرائنا الكبار إلى مادة للتسلية، وهم حولوها إلى نواة للبحث العلمي. 

أشعار وأقوال العرب الأوائل في العيون قوية ومعبرة ومبنية على أسس علمية ومشاعر صادقة، لذلك اشتهرت وظلت تدرس في المدارس والجامعات عبر مئات السنين، منها على سبيل المثال: "إن العيون التي في طرفها حور قتلننا" ، "يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به" ، "كل السيوف قواطع إن جردت ** وحسام لحظك قاطع في غمده"، ولولا أن الأجانب لمسوا صدقها لما اهتموا بها وأنشأوا مراكز بحثية متخصصة لفهمها. 

ولم تقف فراسة العرب عند نوع واحد من العيون، بل كانوا سباقين في وصف أكثر من "مائة عين" لا يتسع المجال لحصرها هنا، منها الحوراء والكحلاء والنجلاء، إلخ، وقالوا أن العين مرآة النفس، فمنها الكاذبة، والفرحة، والحزينة، والحاقدة، والشاعرة بالذنب، والمهزومة، والشاردة، والمذهولة، والحاسدة، وفي الحديث الصحيح عن دور العين في الحسد "العين حق".. يضاف إليها بل وفي مقدمتها "خائنة الأعين" التي ذكرها القرآن الكريم في سورة غافر (19).
وفوق كل هذا، للعين أدوار أخرى مؤثرة ومفيدة في النقاشات والتحقيقات الجنائية والمفاوضات، وحتى في تحليل نفسية الزعماء والشخصيات العامة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط