الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حان وقت الانقلاب


من شدة الابتلاء يظن أحيانًا المرء أنه منسي لا أحد يراه لا يوجد من يسمع شكواه، وتتردد بداخله أسئلة متعددة لا يجد إجابة لها، من نحن، لماذا خُلقنا، لماذا كل هذا البلاء ، ماذا فعلت حتي يكون نصيبي الألم والضعف وقلة الحيلة أو المرض والفقر والوحدة... وغيرها من تساؤلات متعددة تغزو القلب فيسود، ويتناسي البلاء والصبر ويفكر فقط في أن يحاسب المولي عز وجل عن الآلام التي يشعر بها المرء المبتلي، يتمكن منه الشيطان فيقف أمام الله تعالي غاضبًا متحسبًا كيف أخرج من الكرب، لماذا الصبر، لماذا لا تستمع إلي ؟ هل أنا منبوذ ؟ هل وقعت علي اللعنة لأجد نفسي في كم تلك الإبتلاءات المتتالية التي لا حصر لها؟

حين تصل لتلك المرحلة النفسية السيئة انتبه، فقد إصطدمت بعدوك صدام مباشر وتقف حائرًا بين مولاك الحق وبين عدوه متحيرًا لمن تذهب ومن لديه إجابات تساؤلاتك التي تلتهم فؤادك إلتهامًا ، فينزف أنينًا وغضبًا، نعم قد تكون في شدة البلاء ، نعم قد تكون إبتلاءاتك متتالية وكأنها إتفقت عليك جميعها لتأتي متجمعة، لا تجد بينها فواصل من الفرح والأمل تُهدئ من روعك وتُطفئ نار قلبك.

تلك مرحلة القرار الصعب، إلي أي جهة تنتمي؟ هل تنتمي إلي إله خلقك فسواك ولَم يرد بخلقك العذاب إنما أرسل إليك رسائل متعددة تحكي لك جزء من الحكايات يختمها بقوله قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ، أم تنتمي إلي عدوه اللدود الذي ينازعه في الملك؟ نعم لدينا جميعًا أسئلة متعددة لا نعلم لها إجابات ، قد تقتل الفرح ، وقد تُدمِع العين وتُدمي الفؤاد .كل ما عليك هو الصبر والإنتظار ، سنعلم جميعًا الرد يومًا ما علي كل ما تردده أنفسنا من تساؤلات ولكن لم يأن الأوان بعد، تأكد تمامًا أنك لم تُخلْق سهوًا ولا لعبًا وفراغًا من ملك صَمَد ، إنما أنت هنا علي هذه الأرض لسببِ ما ، ولَم تنزل دون رضاك إنما عُرِضَت عليك الأمانة وتقبلتها ، ووافقت وكُتِبَت قصتك في اللوح المحفوظ، وكتاب الأرض يشهد علي أفعالك.

إنما البلاء هو موقف توضع فيه ، يأتي دائمًا فيما تحب ، إذا كنت تعشق المال فتأكد أن بلاءك المال إما بالزيادة أو بالنقصان فقد ترزق بمال لا حصر له وقد تلهث ورائه ولا تجده ، كذلك السلطة فهي بلاء لمن يحبها فنَزْع السلطة بلاء، والحصول عليها بلاء، ويظل بلاؤك يطاردك حتي تفهم معناه وتقع ساقطًا في بئر الشيطان أو تنجو وتتمسك بالحبل الممدود بينك وبين الله عز وجل.

الحب بلاء، البنون بلاء ، قد تُرزق بهما وقد يُنْتَزع منك الحب فتيأس وتتحطم، وقد تفقد ولدك فتموت حزنًا وأنت علي قد الحياة. إنما خُلِقنا جميعًا لنُبْتَلي ويشهد علينا أشهاد السماوات والأرض مع من نكون مع الملك العظيم أم مع الطاغوت الملعون عدو الله.

يستمتع الشيطان وهو يراك في قمة الحزن والإكتئاب، يفرح لتحطيم فؤادك، يتمتع بدموعك علي ولدك، يعشق صوت صراخك، إحذر حان وقت الانقلاب، عندما تصل إلي تلك المرحلة التي يسعد فيها قلب الشيطان ويشعر بالانتصار عليك، انقلب علي أحزانك، جدد ثقتك في الله، تفاءل وتحمل فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، لا تستعجب من بطء رحيل البلاء ، أنت القادر علي رفعه بقوة صمودك أمامه، إنتفض ضد شيطانك، حياة الأرض سوف تنتهي ، إنما هي لعبة فانية ونعود جميعًا إلي حياة الخلود حيث السكينة والأمان.

تأكد تمامًا أنك هنا باختيارك وبكامل إرادتك فإن الله كتب علي نفسه العدل فمن المستحيل أن يجبرك علي الحياة داخل كتاب لا تتقبله دون ذنب لك أو إرادة، العدل يُحَتِم عليه أن يعرض عليك القصة والتحدي وأنت من تقبل هل تتحدي الشيطان وتتحمل الشدائد وتُثبِت له أنك تثق في الله عز وجل ثقة عمياء بيقين كامل ، أم أنت ممن يُؤْمِن علي إستحياء ، قلبك يمتلئ بالإيمان طالما عطايا الله من حولك تسعد بها وقتما تشاء، فإذا نزع عنك العطايا إستنكرت وكفرت وتحديته واتجه قلبك إلي عدوه .

اليقين لا يتجزأ، والحب لا يتغير إذا كان صادقًا من القلب، تقبلت كتابك ووافقت علي الهبوط لتحارب الشيطان، فلا تُخذِل مولاك، فأنت هنا علي هذه الأرض خليفة له ، تحارب عدوه، تتصدي لأتباع الشيطان، بكل ما أوتيت من قوة وثبات حتي ينتهي وقتك وتعود من حيث أتيت، وتنتهي قصة الحرب اللعينة ويذهب الشيطان إلي ظلمات الجحيم.

الصبر مُر ، بل شديد المرارة، ولكن خيانة العهد أمَرّ وأصعب، تذكر أنك سوف تعود إلي مولاك، وحدك يشهد عليك الأشهاد هل قاتلت عدوه كما وعدته؟ أم إنقلبت علي خالقك وتعاونت مع الشيطان.هذه الفرصة الأخيرة لعدو الله فتأكد أنه سوف يستغلها بكل ما آوتي من قوة، لن تفلت من يده ، سوف يسعي بشتي الطرق إلي إفساد قلبك وعملك، يراقبك عن قرب يتمتع بإذلالك ودموعك، فلا تُشمِت عدوك فيك، أُصبر وأحتسب وجاهد وتأكد أن لا شئ يدوم، لا الفرح دائم ولا الحزن دائم كله إلي زوال.

كل ما عليك أن تكون علي قدر عهدك حتي تُشَرِف مولاك في الملأ الأعلي وتعود إلي عالمك الأبدي سعيدًا راضيًا، وتأكد أن كل ما يتردد داخل قلبك من أسئلة يومًا ما سوف تسمع الإجابة وتعلم الحقيقة كاملة، ولا تظن الله عاجزًا أن يحارب عدوه إنما هو العهد الذي بينك وبينه، والتحدي الذي بينه وبين الشيطان هو ما يحكم اللعبة، اطمئن، سوف تنتهي يومًا ما، لا يوجد ما هو أسرع من الأيام، تنقضي رغم الحزن والمُر والصبر ، وتنتهي القصة وتذهب إلي الحياة بلا شيطان...بلا عدو يُنغص عليك الحياة، تحمل وانتظر فهو مصيره إلي النار وأنت إذا كنت من الصابرين ممن التزم بما عاهد الله عليك فإنك إن شاء الله من الناجين ومصيرك العودة إلي جنتك جنة النعيم.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط