الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيام محيى الدين تكتب: نساء خالدات

صدى البلد

رغم كل ما بذله المجتمع البشري الذكوري الذي سيطر عليه الرجال مستغلين تكوينهم العضلي فقط وأؤكد على كلمة التكوين العضلي وليس غيره ، ليتسلطوا ويسيطروا على النساء عبر آلاف السنين، فقد استطاعت المرأة أن تثبت عبر التاريخ قدراتها ومواهبها وذكاؤها وتفوقها ، متغلبة على كل ما حاول الرجال وضعه في طريقها من عقبات نابعة من غريزة التملك واستبعاد الآخر ، وقد استخدم المجتمع الذكوري طوال التاريخ المسجل على الأقل كل الوسائل للسيطرة على المرأة بما فيها الدين نفسه الذي يعد العقيدة التي تساوي مساواة كاملة بين البشر داخل إطار إيماني ومجتمعي متكامل يضع البشر جميعًا أمام خالقهم سواء في الحقوق والواجبات.

فنجد المرأة في لاهوت الديانات وفقهها الذي وضعه وفسره الذكور عارا وعورة وليس في الرجال نفس القدر من العار والعورة ، ونجد المرأة مجرد جارية للمتعة ، أو غاوية للخطيئة بينما لا يقال ذلك عن الرجال ونجد المرأة كائنا من درجة أدنى والرجال مخلوقات من درجة أعلى.

وقد ردت المرأة على كل هذه الأفكار الظالمة ردًا عمليًا مفحمًا رغم مكابرة الفكر الذكوري فمنذ العصر الفرعوني نبغت نساء خالدات فيكفي أن نذكر الطبيبة المصرية النابغة بتاح حتب تلميذة العالم والمهندس والطبيب العظيم ايمحوتب الذي بنى للملك زوسر الهرم المدرج بسقارة وعاشت بتاح حتب حتى عصر الملك خوفو باني الهرم الأكبر وكانت أشهر طبيبات عصرها يتعلم على يديها الرجال علوم الطب والعلاج عام 2750 ق.م.

وفي ميادين الحكم والسلطة وهي من أكثر الميادين التي حرص الذكور على احتكارها وإبعاد المرأة عنها استطاعت المرأة أن تحكم وتقود وتحسن الحكم والقيادة منذ أقدم العصور وخير شاهد على ذلك الملكة المصرية القديمة حتشبسوت التي حكمت مصر اثنين وعشرين عامًا كانت عصر سلام ورخاء واكتشافات جغرافية والملكة البابلية سميراميس صاحبة حدائق بابل المعلقة وفي ميدان العقيدة والدين كانت قديسات عصر المسيحية الأول اللواتي ناضلن واستشهدن في سبيل العقيدة أكثر من أن يحصرهن مقال وتحت راية الإسلام نبغت النساء في مختلف نواحي النشاط البشري وتفوقن على كثير من الرجال فأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها كانت مصدرًا من مصادر السنة النبوية وقال عنها رسول الله: خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء " وقد خاضت رضوان الله عليها السياسة والحرب وعبرت عن رأيها السياسي وناضلت من أجله كما نبغ في الحضارة الإسلامية والعربية الشواعر المتفوقات والمطربات والفنانات والطبيبات بل والأميرات والحاكمات والفقيهات والكاتبات ، رغم طغيان فقه ذكوري متعصب بعنف ضد النساء ويكفي أن نقرأ عن نوابغ النساء في العصر العباسي من شاعرات وقينات وعالمات بل وحتى نسخ الكتب وفنون الخط والرسم والتجارة والصناعة ساوى فيها عدد النساء عدد الرجال وقد مرت على المرأة عصور ظلام وتخلف واضطهاد وتهميش طالت مدتها حينا وقصرت أحيانًا إلا أنها خرجت منها أقوى عزيمة وأشد إصرار على تحقيق ذاتها ونيل حقوقها فالمرأة الأوربية التي قطعت المسافة ما بين حزام العفة في العصور الوسطى إلى المساواة الكاملة بالرجال في العصر الحديث وإسهامها الضخم اليوم في الحضارة اليوم في الحضارة الإنسانية في مختلف جوانبها خير شاهد على هذا الإصرار الرائع والعزيمة القوية.

ولم تقصر المرأة العربية والمصرية في العصر الحديث في حق نفسها فقامت في مصر نهضة نسائية كبرى منذ عشرينيات القرن الماضي أعادت للمرأة حقها في التعليم والعمل ونبغ من نساء مصر الأدبيات المتفوقات والشاعرات والطبيبات والعالمات في كل فروع المعرفة ولعل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى خير مثال على تفوق المرأة وقدراتها التي لا تتساوى فقط مع قدرات الرجال بل وتتفوق عليها ، وقد تبعث المرأة العربية أختها المصرية في كثير من الدول العربية ونالت الكثير من الحقوق العادلة التي كفلتها لها الأديان ويؤكدها التاريخ والمنطق ومازال أمامها مصرية كانت أو عربية نضال شرس تخوضه في مواجهة أفكار رجعية منغلقة تحاول باستماتة إعادتها إلى عصر الحريم والإماء وحرمانها من الإسهام الكامل في تطور وصناعة التقدم والحضارة ، وتهميشها داخل مجموعة من القيود مازالت تعتمد على أفكار شديدة الرجعية والانغلاق لا ترى في المرأة إلا مصدرًا للغواية الجنسية ، وتنظر إلى جسدها ولا تنظر إلى مواهبها وقدراتها وفكرها وعلمها وبذلها وتضحياتها ، وهو تخلف فكري معاد للعقل ولا يتسق مع العصر . 

وإني إذ أحيي بنات جنسي على ما حققن من نجاح أهيب بهن أن يواصلن الإصرار على نيل المساواة الكاملة والحقوق العادلة متحليات بمكارم الأخلاق في أعلى مستوياتها ، وبالعفة في أسمى صورها حتى لا يجد المتنطعون الرجعيون حجة يدينون بها المرأة ويحرمونها من خلالها من حقها في الحرية الكاملة والمساواة التامة ، فلسنا جواري ولا إماء ولسنا جسدًا دون فكر أو عقل أو خلق بل إننا أصل الوجود وصانعات الحضارة ومربيات الأجيال وأمهات البشرية ونملك القدرة على تطوير العقل الإنساني والرقي بالمجتمع البشري.