الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البطاطس .. و"لَفحِة" الاحتكار!



يبدو أن لمحصول البطاطس مزايا تفوق فوائد التحمير أو صنع "طبخة شهية" مع اللحم أو الدجاج .. وما كشفت عنه أزمة اختفائه من الأسواق أو تخزينه للتلاعب بأسعاره أنعش الذاكرة لرواية قصة قديمة مثيرة .. وخطيرة!.
فى عام ١٨٤٥ استيقظت أيرلندا على غياب مفاجئ لسلعة البطاطس إثر آفة ملعونة اسمها "اللفحة المتأخرة" اجتاحت الأراضى الزراعية فى البلاد وقضت على "محصول الفقراء" الوحيد، ليواجه الشعب الأيرلندى وحش المجاعة المفترس ويفقد أكثر من مليون شخص من تعداده السكانى خلال ٧ سنوات عجاف .. وبدأ الأيرلنديون يسددون فاتورة اعتمادهم الكامل على محصول واحد فى الحياة دون تنويع مصادر السلع الأساسية اللازمة للمعيشة، وأضيف إلى الكارثة دخول الاحتلال البريطانى على خط الأزمة وسيطرتهم على أراضى الفلاحين ومنع توفير الاحتياطى الكافى من البطاطس لمحاصرة الشعب الأيرلندى وطحن الأمل فى الحفاظ على وجوده .. وبعد ماراثون طويل وشاق من مكافحة الاستعمار ظهر طوق النجاة من الدولة العثمانية بتعليمات من السلطان عبد المجيد الأول آنذاك لإرسال معونات غذائية عاجلة لإنقاذ الأيرلنديين من "مجاعة البطاطس" و "آلة الإعدام البريطانية" التى أصابتها "لفحة" المستعمر لإبادة شعب بأسره!.
ومر قرنان من الزمان، ليتجدد مفعول البطاطس السحرى الذى فضح السوق المصرية فى ظل ما تعانيه منذ سنوات من غياب الرقابة الصارمة ووضع ضوابط محددة وقانونية للعلاقة بين الحكومة والتجار لصالح المواطن وخدمة أبسط متطلباته .. فأكبر إهانة لأي أمة محاربتها فى رزق أبنائها وقوت يوم شعبها .. وكان الارتفاع الجنونى لأسعار البطاطس مؤخرا وليدا لضعف الإنتاج الزراعى وفساد الأجواء بين المزارعين والدولة وصولا إلي استغلال التجار للظرف بتخزين كميات من المحصول ورفع سعر السوق بما أدى إلي حالة من الاضطراب لايتجرع مرارتها سوى المواطن "الغلبان" .. والاستناد على "مقعد" الجيش ومنافذه "المُنقِذة" فى احتواء الأزمة على غرار ما حدث مع سلع أخرى حيوية، يُمحى الثقة فى قدرة مؤسسات الدولة على حماية المجتمع من "لفحة" الاحتكار التى سادت المناخ العام فى مصر لتتحور هذه الآفة الصغيرة الموسمية بفعل الضمير الضرير والذمم الفاسدة إلى ورم خبيث ينهش فى الجسد ويجرده من كل عوامل القوة والعافية .. والنزول بحملات تفتيشية سريعة لمراقبة حركة الأسواق وإعادة التوازن للأسعار يجب أن يصبح معيارا دائما وسلوكا معتادا فى الأداء الحكومى ولاينتظر اشتعال أزمة أو نشوب حريق، وقبل منع المحتكرين من ممارساتهم المشبوهة يتعين على المسئول الشريف "الوطنى" أن يصحح العلاقة مع أصحاب الأراضى والفلاحين، ويعمل جاهدا - وبمساعدة رجاله المحيطين به - لتوفير السلع الأساسية وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها أولا، ثم إحكام قبضته على "طوائف الاحتكار" بسلاح القانون الذى لايخطئ هدفه أبدا بشرط إجادة التصويب وإتقان التنفيذ!.
- قديما هبت "لفحة" الاستعمار على "بطاطس أيرلندا"، فكان الغوث من الخارج .. أما الآن، "لفحة" الاحتكار تضرب أرض المحروسة، ولابديل عن المواجهة والعلاج من الداخل!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط