الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ثروة عم نجيب!


أهم فائدة من متابعة إنتاج زملاء المهنة هى الطاقة التى نستمدها من أعمالهم، والتى تمهد الطريق لتبنى أفكار واقتراحات بناءة وعملية . 

والحوار الذى أجراه طارق صلاح الصحفى المتميز بالمصرى اليوم مع أم كلثوم ابنة الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ أشعل حماس المرء مجددا للحديث عن أيقونة الأدب الشعبى العربى عندما تحول إلي رمز من رموز الحركة الثقافية المصرية بحصوله على جائزة نوبل للآداب عن مجمل أعماله عام ١٩٨٨ .. ونهر الكلمات والذكريات الذى تدفق عبر الحوار أنعش العقل للبحث عن وسائل لتكريم هذه القيمة الأدبية والفكرية النادرة بعيدا عن الأنواط والأوسمة وسيل البروموهات على شاشات الفضائيات عن أشهر مقولاته أو مواقفه!.

إن مشوار عم نجيب زاخر بالحياة المعطرة بالعمل والقراءة الواعية والثقافة الواسعة .. من المقاهى والأماكن الشعبية التى ارتادها، ومرورا بالوظائف التى شغلها لإعانته على أعباء الأسرة وتكاليف المعيشة اليومية .. وانتهاء بغرفة مكتبه داخل منزله البسيط التى صارت معمله الفريد لولادة إبداعاته وصهر موهبته فى الكتابة إلى أن تُوِّج عطاؤه بجائزة "نوبل" الثمينة .. وأمام شخصية غنية بالتفاصيل والمواقف الإنسانية والسياسية كنجيب محفوظ، من العبث اختزال الاحتفال سواء بذكرى وفاتها أو ميلادها أو مئويتها فى أحاديث تليفزيونية عابرة أو حوارات صحفية وفقا للمناسبة فحسب. 

وتقتضى الأمانة وحسن التقدير أن تحظى "ثروة عم نجيب" باهتمام أكبر وأكثر سخاء ً من المسئولين عن الفن والثقافة والتعليم فى بلدنا .. فمتى نشهد تجهيزا سريعا ودقيقا لعمل درامى دسم - كـ "أيام" طه حسين أو "العملاق" عن العقاد - يتناول سيرة الأديب الكبير يروى كفاحه من أجل الكلمة والقيمة والرسالة الإنسانية شديدة الواقعية والعمق فى أعماله، فضلا عن دوره فى صناعة أفلام سينمائية رائعة بسيناريوهاته المدهشة ورواياته الساطعة كالشمس المتوهجة؟! .. ولماذا لا نسمع قرارا من وزارة التربية والتعليم بإدراج أعماله الأدبية فى مواد القراءة واللغة العربية وإلزام الطلبة بكتابة ملخصات عن أبرز قصصه لتتعرف الأجيال على مخزون الأجداد وما يتمتعون به من معرفة وعلم ومهارة فى صياغة الجملة وسلاسة اللغة؟! .. وكيف نتقاعس عن تنظيم مهرجانات فنية فى التمثيل والإخراج المسرحى داخل المدارس والجامعات والمراكز الثقافية كل عام تتضمن مسابقات بين الموهوبين حول مسرحيات نجيب محفوظ القصيرة التى امتازت بالتكثيف والنظرة الثاقبة للتاريخ والأحداث، وجمال الحوار بين الأبطال، فنحصل فى هذه الحالة على كوكبة جديدة ومضيئة من العروض المسرحية التى تمتزج فيها عظمة الكلمة بخيال الرؤية؟!.. وهل لنا أن ننتظر صعود تلاميذ جدد لعم نجيب من رحم بيئتنا إذا ما تم تخصيص جائزة باسمه سنويا لأى عمل أو إنتاج أدبى مكتوب بأقلام شابة، فتتوفر لحياتنا الثقافية قماشة متنوعة من الشباب المبدع؟!. 
 
إن الحديث متواصل مؤخرا عن متحف نجيب محفوظ الذى يحوى متعلقاته وأغراضه الخاصة، ويظل مشروع المتحف فكرة براقة وراقية لتوثيق حياة أديبنا الإنسان .. ولكن هذا التوثيق لن تكتمل صورته إلا بحماية هذا "الكنز المعرفى" من النسيان والغياب، وأتصور أن الاستجابة المخلصة لما طرحناه في السطور السابقة يحفظ لعم نجيب ثروته الطائلة من العلم والأخلاق الرفيعة والسلوك المتواضع لورثته من "أولاد النيل".. وأمثال الأديب العالمى كثيرون ويستحقون نفس الدعوة والنداء .. فما أحوجنا نحن وأبناءنا وأحفادنا لثروات وكنوز هؤلاء التى تنتظر التجديد والتنشيط .. لا التبديد .. أو التفريط!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط