الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحديات الدولة والمجتمع الفلسطيني


الاحتلال الإسرائيلي لم يترك الفرصة للمجتمع الفلسطيني كى ينتج مؤسسات دولة متكاملة الوظائف، وعندما بدأت تتراكم خبرات مؤسسية واضحة المعالم .. سارعت إسرائيل الى إيقاف تعاظم خبراتها، وتعرضت هذه المؤسسات لضربات قاصمة ومستمرة. 
 
جاءت أولى الضربات الاستباقية لمشروع الدولة الفلسطينية قبل اعلان اتفاق أوسلو، إذ أعلنت حكومة الاحتلال عن تقسيم إداري لجميع المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية والتي من خلالها تم تحديد وبشكل أحادي الجانب حدود المناطق العمرانية في كل من تلك التجمعات الفلسطينية على أساس الاحتياجات الإسرائيلية والمخططات المستقبلية في تلك المناطق، وتم تقسيمها ثلاث مناطق أ، ب، ج.
 
نتج عن هذا التقسيم الإداري أن 18% فقط من اجمالي مساحة الضفة الغربية، تخضع لسيطرة فلسطينية أمنيا وإداريا كاملة، كما تشكل القرى والبلدات الملاصقة للمدن وتخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية 21% من مساحة الضفة، وهذا لا يعطي السلطة الحق بممارسة مهامها بالشكل الطبيعي في تلك المناطق مما أدى إلى خلل في تكامل بناء السلطة وتقسيم المناطق إلى فئات وعزلها في كانتونات تغلق وتفتح حسب الحالة الأمنية أو المزاج الإسرائيلي.

أما المنطقة "ج" هي المناطق الوحيدة المتلاصقة وغير المتقطعة في الضفة الغربية، وتقع تحت السيطرة الاحتلال الكاملة أمنيا وإداريا وتشكل نحو 61% من مساحة الضفة الغربية.

نتج عن هذا التعامل بقوانين الاحتلال وقوانين السلطة مما خلق تناقضا بالقوانين في داخل الثلاث مناطق وحسب فرض النظام والقانون تكون أيضا السلطة الفسلطينية في مناطق "ب" عاجزة على تأدية مهامها. 

الخلاصة من كل هذا، هو أن الاحتلال الإسرائيلي، أصر خلال العقدين الماضيين، على منع أى اتصال ديموجغرافى للسلطة الفلسطينية .. والهدف المباشر من ذلك هو منع إقامة دولة فلسطينية متواصلة على جغرافية واحدة. 

من جهة أخرى، فقطاع غزة الذى يمثل كتلة سكانية في منطقة جغرافية متصلة بلا موارد وبكثافة سكانية عالية جدًا .. لكن بالرغم من ذلك فهى المنطقة الوحيد تقريبًا التى تمتلك حدودا مفتوحة على البحر المتوسط وسيناء.. لهذا يقوم الاحتلال بحصاره وتوجيه ضربات متواصلة له .. والهدف هو انهاك القوام الاجتماعي لسكان القطاع وضمانة عدم تواصل تلك الكتلة السكانية من السكان مع القوام الاجتماعي الفلسطيني في الضفة الغربية، وربما خلقها بهوية سياسية تعزلها من تلقاء نفسها عن العالم .. فتصبح هوية القطاع بمثابة المانع السياسي قبل الحدودي ضد تواصل هذا القطاع ومن ثم الشعب الفلسطيني مع العالم . 
 
ما زاد على ذلك، هي تفكك الحالة الوطنية الفلسطينية الى فصائل سياسية وعسكرية شكلت مع الوقت عامل تقسيم للقوام السياسي العابر لمناطق وحواجز الاحتلال، بل وتعمق هذا الانقسام الى خلق هويات سياسية جديدة لمشروع الدولة الفلسطينية . 

كانت الفصائل الفلسطينية في وقت ما إحدى الأوراق المهمة في يد المفاوض الفلسطيني، لكن الحقيقة والواقع أنها تحولت مع الوقت الى عامل تهميش لمركزية الدولة ومانع لتوحيد الموقف التفاوضي للمجتمع الفلسطيني فإذا بهم يزيدون من فاعلية محاولات الاحتلال تحويل السلطة الوطنية الفلسطينية والمجتمع الى أشلاء ديموجرافية مع الحفاظ على استدامة هذا الوضع، انتظارًا للحظه الضم أو التهجير على شاكلة ما يجرى في سوريا . 

الحقيقة أن مشروعات الكونفدرالية بين قطاع غزة والأردن، أو تولية المهام الأمنية لقطاع غزة الى مصر .. ليست اكثر من مناورة تكتيكة يمينية في سياق استراتيجي أكبر، لأن الاحتلال الإسرائيلي، يسعى بقوة الى إنهاء كل قوام اجتماعي ومؤسسي لفلسطين.
 
لهذا فإن المصالحة الوطنية الفلسطينية مسألة وجودية بكل معنى الكلمة، وهى مصالحة تحتاج من الأشقاء في فلسطين الى تقدير موقف شامل للقضية الفلسطينية بمرآة فلسطينية، وليست بمقاربات إقليمية. 

فهناك قوى ودول تغلغلت الى داخل مجتمعات المنطقة تحت شعارات الممانعة والمقاومة لتحقق مكاسب جيوسياسية كانت الفصائل الفلسطينية نهايات طرفية فيها لمحاور استراتيجية .. وكان نتيجة ذلك اضعاف وحدة ومصالح وقدرة المجتمع الفلسطيني، وسحب الأوراق من يد المفاوض الفلسطيني لحساب اطراف أخرى . 
 
وهناك قوى أخرى سعت الى التمركز عند موطئ قدم آخر على حوض البحر المتوسط فكان لها أن ساعدت وعمقت الشرخ الفلسطيني الفلسطيني للاستحواذ على قطاع غزة . 
 
إن المصالحة الوطنية الشاملة للمجتمع الفلسطيني، يجب أن تكون مصالحة بالمعنى الشامل وليست تقاسما أو تفاوضا على تقاسم سلطة .. فالقضية وجودية ومصيرية، ومحاولة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من مقاومة المجتمع الفلسطيني لعملية محو وتقسيم اجتماعي عميق .. وعلى الجيل الحالي من الفلسطينيين أن يترك للأجيال المقبلة على الأقل الفرصة أو النواة لاستمرار نضاله لتحرير أرضه وإقامة دولته . 

إن المصالحة الوطنية الفلسطينية، يجب أن تشمل بناء وترميم مؤسسات الدولة الفلسطينية على أسس واضحة ومتماسكة، ليس فقط على الأصعدة الأمنية وإنما على كافة نطاقات المجتمع الفلسطيني.

إن المصالحة الفلسطينية يجب أن تستهدف ترميم جراح الانقسام واستعادة الثقة وتوحيد الشعارات والاهداف والمطالب الفلسطينية، واستثمار حالة الاتحاد الاجتماعي الفلسطيني تجاه قضية القدس كمركز لربط غزة بالضفة في سياق سياسي واحد.
 
إن المصالحة الفلسطينية هي البديل الوحيد المتبقي والخيار الباقي والوحيد لبناء دولة فلسطين.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط