الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تسجيل دخول .. اللعب مع الساحر المُزيَّف!


فى أى دولة مجتمع ونظام .. والمجتمع يتكون من أعضاء يشكلون هيكله ويعيشون تفاصيله اليومية، والنظام مهمته رسم هذه الخريطة وتحديد الاتجاهات التى يسير فيها هؤلاء الأعضاء .. وما بالك إذا ما كان رأس النظام يمارس التضليل ويسيطر على العقول والمشاعر بألاعيب الساحر الكاذبة وأساليبه الملتوية فيغرق المجتمع فى الفوضى والعشوائية ولايعرف للحقيقة طريقا أو ملاذا!.

- هذا الساحر "الأفعى" يستقبل الجمهور الطيب داخل مسرح مركز الهناجر للفنون ويحاور الحاضرين لإقناعهم بالمشاركة فى لُعبته المفضلة وهى "غسيل الدماغ" .. اللعبة المثيرة التى يقدمها لنا من خلال مجموعة من الشباب المنغمسين فى دولة "فيس بوك" الجديدة، ورضخوا لفقرات الساحر وتأثيراته المخدِّرة للتفكير والتعقل واليقظة والانتباه .. وبدأ العرض المسرحى "تسجيل دخول" لنتأمل ما يدور فى الفضاء الإلكترونى من معلومات متضاربة وأنباء مشوشة وقيم سلبية وتراشق بالألفاظ وحروب كلمات واتهامات لا حصر لها، ويستسلم أبطال العمل لهذه الفوضى المدبرة بإحكام من "خيوط" الساحر المزيف، ومع كل لحظة على خشبة المسرح يتصاعد إدمان المجتمع الصغير لـ "عشوائيات" الإنترنت، وتعلو الأصوات التى تنادى بالمطالب والأحلام التى شبهها المخرج الواعى هانى عفيفى بـ "أوردر" طعام ينتظره فريق العرض ولايصل أبدا وسط أزمات و"مطبات" التغيرات السياسية والاجتماعية التى تولدت عن ثورة ٢٥ يناير وتوابعها حتى لحظة كتابة هذه السطور.

ونظَّم المخرج الموهوب قطع الشطرنج من الممثلين فى الفضاء المسرحى ليحركهم الساحر الملعون كيفما يشاء فتفضح المشاهد المرسومة بمهارة على مستوى الحركة والعلاقات بين الشخوص مظاهر الخلل النفسى والعطب الاجتماعى التى تملأ شاشة "الفيس بوك"، وما ينجم عن هذا اللغط من شوائب وفضلات سلوكية وأخلاقية اكتفى المخرج بالتعبير عنها وكشفها على "المرحاض" لقذارتها ودناءتها فى صورة منولوجات فردية ذكية ومتوهجة .. ولعبت تحولات الإضاءة مع إيقاع الموسيقى وموتيفات الديكور دورها فى توليد حالة فنية مشحونة بالإيقاع السريع والطاقة المتدفقة من أداء الممثلين، وتتناغم مع عقارب الساعة فى خلفية المسرح التى أصابها الاضطراب وفقدت الزمن.. ومع تضافر عناصر العرض لتكوين لوحة مسرحية مختلفة وتدعو إلى التأمل فيما يحاصرنا من صراخ وعويل وضياع وضجة جوفاء على هذه المنصة الإلكترونية، تنتهى بنا اللعبة الخبيثة إلى الاحتفال باليوم العالمى للصمت .. ليسكت الجميع .. ويخسر الجميع!.

أحب الفنان أحمد السلكاوى شخصية الساحر المخادع فأبدع فى فهم مفرداتها وأتقن حيلة التفاعل مع الجمهور وتوجيه الممثلين، وصنع حالة من البهجة والسخرية اللاذعة بالتواصل بين الصالة وخشبة المسرح، مستثمرا خبرته الكوميدية وقدرته على الارتجال المنظم فى رسم صورة غير نمطية عن "رأس النظام" .. ولمع نجوم العمل من الشباب عندما استوعبوا المطلوب من الشخصيات لإبراز التشوهات الإنسانية والثقافية التى أفرزتها وسائل "السوشيال ميديا"، فأجادوا تجسيد لحظات درامية مؤلمة متقاطعة مع لقطات كوميدية تنطق بخفة ظل وتمكُّن فى الأداء، ويبقى تحفظ بسيط على إلقاء الحوار بصورة لاهثة تبعث على التوتر ولاتُعين المتفرج على تذوق المعانى والدلالات الفلسفية العميقة وراء الحالة الفنية برمتها، وتلك أشياء ورسائل مهمة تتطلب حساسية أكبر وحرفية تمثيلية أعلى !.

بعد أكثر من ساعة من الفُرجة الممتعة، سألتنى زوجتى بذكائها المعهود : "عِرفت مين الساحر؟!" .. وأجابت نظراتى على الفور .. فكم من الإثارة والنشوة تخرج بها من ألعاب الساحر الحقيقى بعد أن يُدهشك بحركاته وفقراته ويُقنعك بـ"صدق" مهاراته .. ولكننا اكتشفنا فى تجربة "تسجيل دخول" ساحرا من نوع آخر .. يخترق العقول الفارغة والنفوس الخاوية بالزيف والكذب وفن الإلهاء المقصود وتجريف الروح ليظل التابع أسيرا للرغبات والشهوات والنظر تحت قدميه دائما .. وماذا ننتظر من "مجتمع جائع" ارتضى أن يكون "دُمية" فى يد "نظام" يرتدى قبعة الساحر المزيف؟! .. وهذه المأساة اليومية تحتاج فى أسرع وقت إلى .. "تسجيل خروج"!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط