الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكايتنا على جبين القاهرة مرسومة


تعد رسوم وكتابات الشوارع من الظواهر الموجودة في كل بلدان العالم، سواء دول العالم الثالث أم العالم الأول. غير أن الريشة والقلم يختلفا من شعب لآخر، طبقًا لثقافتة ورمزية ومغزى الرسومات.

وتزداد حدة تلك الجداريات والشعارات أثناء الحروب والثورات أو في أعقابها. ففي ألمانيا يمكنك أن تقرأ عبارات بعينها على سور برلين، تعكس ذكرى الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار وملايين القتلى والشهداء. وعلى أسوار المدارس في بلداننا العربية تقرأ عبارات بعينها تعبر عن زهد التلاميذ في التعليم أو تأففهم منها، ولا يخلو الأمر من طرافة العبارات وأحيانًا بذاءتها. 

أذكر أن مدير إحدى الجامعات العربية جاء ذات صباح وهو مستاء جدًا لرؤيته بعض العبارات على سور إحدى المدارس، فأرسلني في مهمة لتصوير تلك العبارات وطباعتها، ثم تصرف بإيجابية تحسب له، حيث اتصل بمدير عام التربية والتعليم بالمحافظة وأبلغه بالقصة وأرسل له الصور الملتقطة وسأله أن يهم بمحوها وعمل التوعية اللازمة لتلاميذ المدرسة، حتى لا يكرروا مثل تلك العبارات التي تسيء للوطن، وتحط من قدر التعليم والمعلم. أذكر من تلك العبارات أقلها خروجًا على النص: "بلا مدرسة بلا هم، إنت ...لا تهتم"!

وفي مصر، تحكي الأسوار العامة حكايتنا، حيث الرسومات والعبارات أكثر جرأة وخروجًا على النص في كثير من الأحيان، بل وهناك عبارات صادمة يكتبها المحبين على جبينها كل يوم، دون مراعاة لحرمات الآخرين.

وأثناء ثورة يناير 2011، عبرت الرسومات الجدارية والعبارات عن مشاعر المصريين تجاه بعض مؤسسات الدولة ورموزها آنذاك. وفي المقابل بدأ الشباب يرسمون الجداريات التي تلهب حماس الآخرين، لتحثهم على العمل الثوري، إضافة إلى بورتريهات شهداء الثورة. 

وبعد ثورة 30 يونيو 2013 تغير مسار البورتريهات لتشمل أيضًا بعضًا من شهداء الواجب المقدس من رجال الجيش والشرطة، وممن استشهدوا أثناء المناوشات مع أنصار الإخوان آنذاك، إضافة إلى بورتريهات لقادة الجيش ممن أنقذوا البلاد. 
والمتابع لتلك الصور الجدارية وما صحبته من عبارات في القاهرة والمحافظات يمكن أن يتتبع تطور الخط السياسي للمصريين على الصعيد الشعبي، إضافة إلى انعكاسات التحولات الاجتماعية التي بدت واضحة في تلك الرسومات والعبارات؛ ولعل جرافيتي شارع محمد محمود كانت من أشهر الجداريات آنذاك.

بيد أن ذاكرتي لازالت تحمل الكثير لهذا الوطن، ففي بداية السبعينات من القرن الماضي كانت شوارع القاهرة تعج بالرسومات الجدارية، وصورد الشهداء، وآيات من القرآن الكريم لتحث الجنود على النصر والنيل من العدو. وكانت صورة الجندي الشاهر بندقيته ودبابات الميدان والمصحوبة بالآيات "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، "إن ينصركم الله فلا غالب لكم" وغيرها، من الرسومات المتكررة على الأسوار آنذاك. 

ومع إفتتاح قناة السويس عام 75 بدأت الرسوم الجدارية البحرية تأخذ طريقها إلى أسوار القاهرة. أما صور الزعيم الراحل أنور السادات فطبيعة الحال كان لها حضورها الفعال على جدران وأسوار المؤسسات الحكومية كالمدارس والنوادي وغيرها، بينما تراجعت جداريات الزعيم جمال عبد الناصر آنذاك.

وخلال عصر الرئيس مبارك لم نر هذه الظاهرة بارزة مثلما كانت خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ولا أود تحليل الأسباب بقدر ما أود الإشارة إلى أن الإحباط الذي أصاب الناس من جراء الركود السياسي، والإنحدار الإجتماعي خلال السنوات الأخيرة من حكمه جعلتهم يحجمون عن التعبير بطريقة السبعينيات. 

وخلال العام 2018 تبنت محافظة القاهرة بالتعاون مع الجامعات الواقعة في نطاقها مشروعًا من أهم المشاريع (مشروع الجرافيتي) لتجميل أسوار وجدران العاصمة والتي أصبحت آلاف الكيلومترات، ما بين أسوار خطوط المترو، المدارس، النوادي، الجامعات، الكباري، وغيرها؛ بعد أن نال منها القبح مأربه. وبالفعل بدأت لوحات الجرافيتي تزين الأسوار القريبة من جامعتي حلوان وعين شمس. 

ولا تزال جامعة عين شمس تعمل في هذا الإطار لاستكمال مشروعها الذي بدأته، حيث يتم تجميل أعمدة كباري ميدان العباسية بالجرافيتي بعد أن انتهت من تجميل أسوار المدينة الجامعية.

ومع الأهمية البالغة لهذه المشروعات الجمالية إلا أنه وجب التنويه إلى ضرورة أن تكون تلك الجداريات ذات مغزى يحث المواطنين على الإنتماء والمواطنة، وتخليد رموز مصر، حتى لا تندثر ذاكرة هذه الأمة. فلتصبح جدارياتنا مُتحفًا لعظماء مصر مع وصف مقتضب بجوار صورة كل زعيم أو أديب أو فنان أو شهيد أو عالم ممن أضافوا إلى مصر؛ فأولادنا بحاجة ماسة لمن يذكرهم بهؤلاء العظماء.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط