الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أنقذوا "رسول العلم"!


لا يقتصر دور الصحافة فقط على رصد السلبيات وتوجيه سهام النقد لأهل المسئولية رغبة فى تغيير الأحوال، بل تقتضى أمانة المهنة تسليط الضوء على المواقف الإيجابية خصوصا إذا ما اقترنت بسرعة الاستجابة والتحرك لتصويب الأخطاء وعلاج أوجه القصور .. 

وما فعلته الدكتورة نهال عوض محافظ دمياط من حُسن التصرف مع واقعة الإساءة للفتاة بسملة على عبدالحميد، الطالبة بمدرسة محمد جمال صابر الإعدادية المشتركة التابعة لإدارة دمياط التعليمية يدلل على جدارتها بالمنصب وموقع المسئولية بعد أن غادرت كرسى المحافظة وتوجهت إلي المدرسة للاعتذار عمليا للطالبة أمام الجميع عما بدر من أحد الموجِّهين "المخضرمين" من وصف عنصرى بذيء عندما نعتها فى سخرية بغيضة بأنها "سوداء"، بل وطلب من زملائها إعراب الكلمة فى سياق جملة على لسانه إسرافا منه فى الإساءة والتجريح!.

ولم تكتفِ المحافظ برد الاعتبار لكرامة ومشاعر "بسملة" على الملأ، وإنما دفعت الإهانة وزير التربية والتعليم إلى توقيع أقصى العقوبة الوظيفية على "سيادة الموجِّه" إلى حد الإيقاف عن العمل والتحقيق معه .. وحتى هذه اللحظة يستحق القائمون على العملية التربوية والتعليمية الإشادة والتحية لسرعة التعامل الحضارى مع الموقف .. 

وهنا دعونا نتجاوز الحدث لنفكر ونتأمل ما بين سطوره من تسرب سلوكيات مُرعِبة إلى مُدرِّسينا وكبار رجال منظومة التعليم فى بلدنا .. فالكلمة المستخدمة من جانب المدرس تجاه تلميذته تحمل رسالة شديدة الخطورة والألم مفادها أن من يرفع راية التربية والتوجيه، والعلم بات يفتقد إلى أبجديات الأدب وأصول الاحترام والتعامل الإنسانى..

وقديما كان يُنظر إلى المُعلِّم كـ"رسول" ينهض بالأجيال ويرتقى بسلوك وأخلاق النشء ويرتوى الصغار من نهر معرفته وغزارة خبراته فى العلم والحياة .. ولكنه الآن يئن تحت وطأة الحاجة الدائمة إلى المادة وضعف الدخل وغياب الرقابة على الفصول والتلاعب بمحتويات المناهج الدراسية .. ولم يعد المدرس ذلك "الأستاذ" الذى يهابه الطلبة ويتجنبون قامته قبل "عصاه"، بعد أن صار أسيرا لـ"جنيهات" الدروس الخصوصية وقلَّصت من مرتبته فى المجتمع، فانصرف عن الشرح والتفسير كما كان يفعل فى الماضى، ولم يعد قدوة و"كشكول" الطالب الأول!.

وأمام هذه الضغوط المتراكمة على مدار عقود اضطربت كثيرا أعصاب مُدرِّسينا وتضاعفت آلامهم وتضخمت أوجاعهم فانعكست على ألفاظهم وأفعالهم .. لذلك كنت أنتظر بجانب سرعة التحقيق مع "موجِّه دمياط" إجراء مقابلة نفسية عاجلة لمعرفة وتقصى الأسباب وراء تورطه فى هذا التصرف المشين، لعل هذا الأسلوب يساعد فى إعادة تأهيله ودمجه مجددا فى منظومة التربية والتعليم بدلا من لفظه خارجها دون علاج ناجع لجوهر الأزمة، وأتصور أن امتصاص هذه النماذج الشاذة فى محيطنا التعليمى وتهذيبها نفسيا واجتماعيا نتائجه أفضل وفوائده أكبر من الاستبعاد أو الاستئصال!.

لقد آلمنا جميعا ماحدث لـ "بسملة" المتفوقة وتعاطفنا مع مشاعر عائلتها، ولكن كان ينبغى أن تحدث هذه الواقعة لنكتشف أولا نقطة مضيئة فى العمل الحكومى تجسدت فى موقف محافظ دمياط وأسرة التربية والتعليم الذى أشرنا إليه .. وثانيا ننتبه لـ "سرطان" التشوه النفسى الذى يتمكن يوما بعد يوم من المُدرِّس ويُفقده رشده ويصنع منه "متهما" لا معلما .. ومنع أسباب الداء يوفر علينا المرض والدواء .. ولا يوجد أهم وأقدس من "رسول العلم" لإنقاذه وحمايته بسرعة تحسين أوضاعه وتطوير ملكاته ومهاراته ليقف ثانيةً على قدمين ثابتتين ويتحدى "أنياب" الحاجة التى تزداد شراسة .. وقسوة!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط