الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الانتقام عند الإنسان والحيوان


الإنسان هو الكائن الوحيد على وجه الأرض الذي يقتل بني جنسه بدافع الانتقام، والحيوان لا يفعلها. بعض الحيوانات يدفعه الجوع ليقتل ويأكل لكن من خارج بني جنسه، وتتقاتل الذكور وقت التزاوج للفوز بالإناث، لكن عددا قليلا منها يفهم المعنى الحقيقي للانتقام ويخزنه في ذاكرته، لينتقم من البشر عندما تأتيه الفرصة. 

ثلاثة مراكز في مخ الإنسان تتفاعل فيما بينها قبل أن يصدر منها الأمر بالانتقام وهي: لوزة المخ (أحد مراكز النفس ومختصة بالعلاقات العامة)، الجزء العلوي من الفص الصدغي (ممثلا عن الذاكرة)، والناصية (صاحبة القرار والعفو) وهي التي إذا لم تتدخل و"امتنعت عن التصويت" يصدر الحكم بالانتقام.

يتولد الانتقام عند الإنسان نتيجة صراعات وتبريرات ودوافع أكثرها يدور في مراكز النفس في عمق الفص الصدغي للمخ من أبرزها: الإحساس بالظلم، استعراض القوة وإثبات الذات، الغيرة، رفع الرأس وحفظ ماء الوجه، إعطاء درس للمعتدي حتى لا يكرر فعلته، والرغبة في سرعة تحقيق العدالة لأن إجراءات القضاء الرسمي قد تطول لسنوات.. وأحيانا، مجرد التهديد بالانتقام قبل الشروع فيه يفيد في دفع الضرر.
منطقيا، يمكن اعتبار الانتقام أو الثأر عند الإنسان ردة فعل طبيعية تتماشى مع مفهوم العدالة، الهدف منه إلحاق نفس الضرر أو أكثر على الظالم لكن بيد المظلوم وليس بيد القضاء الرسمي، لكن سلبياته وعواقبه وخيمة. لو زادت قوة رد الفعل عن الفعل نفسه سيتحول الانتقام إلى عدوان ولن يسكت عليه الطرف المقابل، ويدور الطرفان في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل قد تستمر لسنوات، كما يحدث في قضايا الثأر في الصعيد. 

وخطورة الانتقام أيضا أنه يصدر في ساعة غضب، حيث تكون كهرباء اللوزة على أشدها، مما يجعل الرد مبالغا فيه، فكم من جرائم قتل وقعت بسبب خلاف على أسبقية المرور، أو فسخ خطبة، أو لاسترداد قرض قيمته 20 جنيها!. 

ويبقى السؤال المهم: كيف يمكن منع الانتقام أو كسر حدته؟ يقول علماء النفس أن هذا ممكن من خلال تهيئة الأرضية الثقافية التي تمهد وترسخ للمباديء التالية: الاقتناع بعدم مقابلة الخطأ بالخطأ، والاقتناع بأنه لا يمكن لشخص أن يكون هو الحكم والجلاد في نفس الوقت، وضرورة استحضار الوازع الديني ومبدأ العفو، والحرص على طلب العون من الآخرين وتقبل النصيحة من أهل الحكمة والمشورة. 
 
أما الحديث عن انتقام الحيوانات وهجومها على الإنسان وعلى بعضها ففيه طرائف وغرائب.. من الناحية العلمية، ثبت وجود مراكز مشابهة تختص بالانتقام في مخ الحيوان لكنها أقل تطورا ونشاطا، بمعنى أنها أكثر حضورا وأشد قسوة عند الإنسان، وقلة نشاطها عند الحيوانات ربما يعود لضعف ذاكرتها من ناحية، وانشغالها بأمور أهم، كالبحث عن غذائها ودفاعها عن نفسها ومناطقها وعراك ذكورها للفوز بالإناث كما ذكرنا، مما جعل هذه الأعمال تشغل حيزا أكبر في عقولها على حساب الانتقام.. العقارب مثلا قد تمشي على جسم الإنسان ولا تلسعه إلا إذا تحرك ورأت فيه خطرا عليها. 

يقول مختصون في "علم النفس الحيواني" أن هجوم بعض الحيوانات أو الطيور فجأة على الإنسان دون مبرر يرجع لسببين: إما أنه مفترس جائع يبحث عن طعام، أو أنه يرى في الإنسان محتلا يريد أن يحتل منطقته ويستولي على رزقه وصغاره ولهذا يحاول إبعاده. 

ومع ذلك، فالحذر مطلوب من بعض الحيوانات الأليفة كالجمال والكلاب التي تفهم وتنتقم من الإنسان ولو بعد سنوات بسبب إهانة قديمة تلقتها منه، وهي قادرة على الانتقام اللحظي أيضا، ففي حادثة مصورة بالفيديو على اليوتيوب لجمل وجزار، تمكن الجمل من قتل جزار أرعن حاول ذبحه ولم يتقن عملية الذبح، فقتله الجمل في الحال بضربة برجله على الرأس.

وما تفعله بعض الحشرات كالسراعف (فرس النبي) والعناكب من أن الأنثى تأكل الذكر أثناء أو بعد التزاوج فهذا أمر غريب حير العلماء ولم يصلوا إلى فهم نهائي له، وصاغوا عدة نظريات لتفسيره منها أن الذكر قد يكون أساء الأدب واستخدم العنف مع الأنثى دون رضاها، أو بمفهومنا البشري "اغتصبها"، لكن هذه النظرية ضعيفة وتتعارض مع ما أثبته باحثون آخرون أن ما قد يحدث هو العكس، أي رغبة الذكر في التضحية وتقديم نفسه وجبة شهية لها ولذريته القادمة، بدليل أن بعض الذكور شوهد وهو يضع رأسه في فم الأنثى لحظة الجماع لتأكله وكلاهما في حالة نشوة، ونظرية ثالثة قالت أنه ربما تكون الأنثى قد اكتشفت فيه عيبا في اللحظة الأخيرة وغيرت رأيها وأرادت ذكرا غيره، وأيا كان السبب.. فهذا هو الحب عند بعضهم، ومن الحب ما قتل!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط