الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ورقة مطوية !!


بعد مضى سنوات من زواجهما وانجاب ولدين لاحظت أنه يضع ورقة فى جيبه ويطويها طيا ويحرص على أن تكون معه كل يوم عند خروجه الى العمل وعند عودته يضعها تحت وسادته ولا ينام إلا عندما يتأكد انها ترافقه فى نومه ، لفت انتباه زوجته هذا السلوك ولأنها قد تربت فى بيت يضع قواعد فى الخصوصية مهما كانت درجة القرب فلم تحاول أن تفتحها وتعرف ما فيها وهويتها .

سألته مرة عما فيها فقال لها كلمات للحفظ والصون من الحاسدين والحاقدين ومن شروط ان تؤتى ثمارها الا اتركها ابدا وان ترافقنى اينما كنت وايضا الا يطلع احدا عما فيها حتى ولو كانت زوجتى، وتبسم اليها وخرج الى روتين حياته الذى اعتادته منذ ان تزوجته عن حب قاومت من اجله الدنيا كلها وارتضت كل مافيه من اهمال وتبعاته ، وعاشت تحلم باليوم الذى يراجع فيه نفسه ويعلم ان حبها له احتوى كل اخطاءه وانها تمنى نفسها بالتعويض عن ايام وشهور وسنين ذاقت فيهم مرارة كل ماصنعه فيها ومعها.
مضت الحياة وانجبت منه ابنتين اكتملت بهما سعادة الام والبيت كله كبر الابناء واكملوا تعليمهم ومنهم من تزوج ومنهم من لم يزل يفضل العيش بحرية لاجل معلوم ..وفى يوم عاد زوجها الى البيت مكفهرا مصفر الوجه وتمدد على سريره ونظر اليها تظرة حملت كل المعانى التى لم ترها منه طيلة عمرها معه الذى جاوز ربع القرن ، اقتربت منه وسألته ماذا بك ؟ لم يجب ، وظلت عينه مثبتة عليها وجسده ممدد بطريقة مخيفة ، نادت على ابناءها وخاصة الكبير فهو طبيب فجاء مسرعا وارتمى على ابيه وهو ممسكا بيده ليعرف النبض ،ويقلب جفنيه، ويجرى مسرعا ويحضر السماعة ليكشف عليه ، ولكنه يبكى ويحوقل ، ويحتضن امه، وتصرخ هى وترتمى فى احضانه وهى غير مصدقة بأنه مات وبأن كل شىء انتهى وصارت ارملة .تمضى ايام الحداد وتقبل العزاء واستقبال المعزين من كل صوب وحدب ، وفى يوم واولادها مجتمعين يتحدثون فى تقسيم الميراث تخرج عليهم وبيدها ورقة تلك الورقة التى رافقت ابيهم سواء فى بنطاله او تحت وسادته ؛ قالت لهم وهى ترتجف وتبكى انها ورقة طلاقى ابيكم طلقنى قبل ان انجب حتى اختيكما هل تصدقون ؟ وقع كلام امهم عليهم كما الصخر على سطح املس وجروا كلهم اليها ليتأكدوا ان مابيدها قسيمة طلاق وجلسوا وهم غير مصدقين ومذهولين ولكن بعض مضى وقت قليل قال كبيرهم بثبات وحكمة ..
هذه الورقة لن تظهر ومادام هو كان حريصا على اخفاءها فمن المؤكد انها غير مسجلة وخاصة ان المأذون هو صديقه الذى فارق الحياة منذ عام تقريبا ، ونظر الى امه وقال لها ياامى متزعليش كل حاجه ليكى وبتاعتك انتى واحنا عارفين انك متستحقيش اللى عمله معاكى ده ، بس كمان لازم تعرفى ان لو اعلن انه كان مطلقك وضع اخواتى دول هيكون وحش دول هيبقوا ولاد حرام ياامى .. وصمت من هول نظرة امه اليه واليهم كلهم ، وصرخت فى وجههم وقالت تتحدثون عن اموال وحرام وحلال وتنسون عمق الجرح الذى خلفه ابيكم بصنيعه معى الذى لااجد له مبررا ولاسببا، فقد تحملت الكثير من اجل يوم واحد يعوضنى فيه ، وعندما شعرت للحظة بأن نظرة عينيه نحوى تغيرت تكون نظرة موته ونهايته ، قامت من امامهم وهى تبكى وتقول اعملوا اللى انتوا عايزينه بس لازم يرجع تانى ويقولى ليه عمل كده لازم .. بكى ابناءها عليها اكثر من حرقتهم على موت ابيهم ؛ وترك صنيع ابيهم تجاه امهم علامات استفهام جعلت كل منهم يعيش حياته بطريقته التى كانت كلها تساؤلات من غير اجابات لان من معه الاجابة رحل ولن يعود..
بعد اسبوعين من وفاة ابيهم تركت لهم امهم رسالة على هواتفهم بأنها ستزور ابيهم فى مدفنه لانها تفتقده ، تعجب الابناء من وفاء امهم رغم كل ماعرفته عن ابيهم وطعنته لها ، ولكنهم انتظروا عودتها ليهونوا عنها مابها ومااصبحت عليه ،، فى المدافن جلست هى امام قبره الذى فاحت منه رائحة عفنة وتكاثر ذباب ازرق اللون وله صوت يشبه طنين النحل ، القت عليه السلام وقرأت ماتيسر لها من ايات الذكر الحكيم وبكت كما لم تبك من قبل عليه وربما كانت تبكى على حالها وعلى قلبها الممزق بفعلته وبما يختزنه له من حب لم يتغير حيا ولا ميتا : فى غمرة ماتعيشه جاء حارس المدفن وقدم لها العزاء مرة اخرى فأعطته مبلغا ضخما وطلبت منه ان يفتح لها المدفن ، اندهش من طلبها ولكن المبلغ الذى فى يده جعله يوافق واكملته بطلبها ان ينصرف ولايأتى الا بعد ثلاث ساعات ستقضيهم هى مع زوجها فى مدفنه ، قاطعها وقال لها لن تتحملى الرائحة ياسيدتى والمشهد صعب عليكى صدقينى انت مخطئة فى هذا القرار .. لم ترد عليه فقط اعادت عليه ماطلبته فاستجاب وابتعد ؛ ودخلت هى عليه حيث يرقد فى البرزخ الابدى رائحته عفنة كرائحة ذنوبه التى تحملتها وغفرتها على امل توبته وعودته اليها محبا طالبا الصفح ،سمعت صوته عندما كان يرد عليها حينما تسأله هل تحبنى ؟ فكان يؤكد لها انه لم يحب ولن يحب سواها فهى قبلته ودينه ودنياه ، فتسأله اذن لماذا تخوننى ؟ فيجيب بسرعة انا لااخونك انا اخون عهدى مع الله فهو وضع حدود منها الا ازنى وانا اتخطى الحدود وهذا ليس له علاقة بكى اطلاقا فأنت رمانة ميزان حياتى ، تسأله اذن لماذا تشعرنى بعدم حبك لى ؟ فيجيبها احيانا اقع فى هوى اخريات ولكنه وهم وسراب سرعان ماافيق منه واعود اليكى نادما حزينا ولكنها طبيعتى الماجنة المتقلبة المتغيرة التى تتعبنى اكثر مما تتعبك .
تعود الى واقعها وتكشف الكفن فتجده معفنا وكل الحشرات تحتله وتأكل فيما تبقى منه وتنهشه نهشا ، فقط وجهه لاتزال فيه العين على حالها تحاول ان تقتحها لترى هل مازالت النظرة الاخيرة التى لم تعرف لها تفسيرا حينها والان عرفت معناها ؛ هل لاتزال كما هى ،،ولكنها تفشل فى اعادة فتح عينيه وتتلطخ يديها ببقاياه التى تجعلها تتقيىء ،تخرج من حقيبتها جركن ملىء بالبنزين وتسكبه عليه او بالاصح على بقاياه ، وتخرج من المقبرة وتغلقها غلقا جيدا وتلقى بعود كبريت مشتعل حيث يرقد جثمانه وكلما اشتمت رائحة النار كلما ازدادت سعادتها وعلا صوتها بسؤال لم يجب عليه عندما سألته وهى تحاول ان تفتح عينيه لماذا طلقتنى وعشت معى بعدها كل هذه الفترة ؟ ماهو السر الذى جعلك تفعل تلك الفعلة ولم تطلعنى عليه ؟ من الذى سول لك اننى استحق الانتقام بهذه الطريقة ؟ كيف ستقابل ربك وانت كنت تعاشرنى وانجبت منك وانا محرمة عليك؟. تنتهى سعادتها المؤقته بنهاية النيران التى اشعلتها فى قبره وعودتها الى بيتها تلعن كل ركن منه عاشت فيه لحظة مع صاحب الورقة المطوية ...
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط