الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيا نغزو أفريقيا!


أكثر ما درسناه عن مصر أنها تتمتع بموقع جغرافى وتاريخى ممتاز كونها قاسما مشتركا بين القارات الثلاثة : أفريقيا وآسيا وأوروبا، وكانت هذه القلادة على صدرها تذكرة عبور للغزاة من كل لون وحضارة لمكانتها وعمقها الاستراتيجى. 
وفى كل فصل من فصول التاريخ سطرت المحروسة علاقاتها مع الجيران وهضمت معدتها الضخمة الكثير من الثقافات لتتحول إلى جزء من نسيجها وتصطبغ كل ثقافة بالشخصية المصرية القوية. 

وجاءت جلسات منتدي أفريقيا ٢٠١٩ بشرم الشيخ لتجدد هذه الذكريات وتفتح آفاقا أرحب للشراكة مع القارة السمراء فى وقت تتصاعد فيه التحديات السياسية والاقتصادية أمام الجميع، وبات الالتفاف حول هدف قومى موحد فرض عين لصد موجات الاستعمار الثقافى والتجارى التى تتلاحق للهيمنة على كنوز وموارد الدول الأفريقية على نحو أكثر خطورة وجسامة من احتلال الماضى القائم على التدخل العسكرى المباشر.

قديما عاشت أفريقيا فريسة للجهل والفقر والمرض، واستغلت القوى الخارجية ضعفها للاستيلاء على ثرواتها والاستفادة من كنوزها، إلى أن هبت رياح التحرر من الاستعمار فى النصف الثانى من القرن العشرين ورفعت مصر شعار تطهير القارة السمراء من أطماع المحتل وبراثنه. 

واليوم يتجدد الحلم وينتعش الأمل فى بناء شراكات مع الجار الأفريقى الذى يرتوى من نهر المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية التى توفر المواد الخام النظيفة للصناعة، فضلا عن الطاقة البشرية المفترض توظيفها وتشغيلها لبناء المجتمعات. 

وهذه الحقائق ليست غائبة عن العقلية المصرية وتحتاج الآن أكثر من أى وقت مضى إلى خطط عاجلة واستراتيجيات مدروسة لتعزيز التعاون التجارى والتبادل الثقافى مع الدول الأفريقية .. وإذا كانت البداية هى ضخ استثمارات تصل إلى ١٠ مليارات دولار لإقامة "الشراكة الحُلم"، فعلينا الانتباه والحذر من أن ثمة أطرافا من صالحهم إجهاض المشروع من الأساس، وتحركوا فى السنوات الأخيرة فى اتجاه الأفارقة .. لنجد التنين الصينى يبادر باتفاقيات جاهزة لغزو الأسواق الأفريقية بالمنتجات والبضائع الرائجة.. ونشهد قوافل الإغاثة والمساعدات تنهال من الشاطئ الأوروبى لزرع أقدام الغرب مجددا فى الأرض السمراء .. ونُفاجَأ بالعدو الإسرائيلى يُطلق شِباكه على الصيد الثمين بأذرع الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات لمحاصرة الاقتصاد الأفريقى وامتلاك مفاتيح منابعه، ولنا فى مشروع سد النهضة الإثيوبى جرس إنذار لما يدور فى الكواليس من مؤامرات وألاعيب جهنمية لـ"وضع اليد" على الموارد المائية وحصص الدول من نهر النيل!.

بالفعل تستحق أفريقيا أن تصبح أيقونة عام ٢٠١٩ وقِبلة الاستثمار والشراكة الشاملة مع مصر والعرب .. وإني لأتخيل ذلك اليوم الذى تملأ منتجاتنا أسواق أشقائنا الأفارقة بما ينعكس على قيمة الجنيه المصرى تارة، ويوفر فرص عمل ومشروعات مفتوحة لملايين الشباب خارج الحدود ليكتسبوا مزيدا من الخبرة والثقافة تارة أخرى، ويعزز من قيم الروابط التاريخية والإنسانية بين الشعوب الأفريقية فى مواجهة الاستعمار الجديد بصفقاته المشبوهة وقبضته "الحريرية" تارة ثالثة!.

ما تم تسويقه فى شرم الشيخ ليس شعارات براقة أو عناوين فضفاضة، بل تكليف ومسئولية لحماية قارة بأكملها من "سلسال" النهب والاغتصاب، وتحصينها بسوق مصرية أفريقية مشتركة .. وجيش موحد .. وشراكة ثقافية عميقة تصون التاريخ والحضارة وتصل بين الأجيال دون انقطاع .. وبالمارد الأفريقى تقطع مصر أشواطا صعبة فى مشوار الإصلاح السياسى والاقتصادى لتصب الفائدة فى مصلحة المواطن المصرى اليوم وغدا وكل غد.. بل ومصلحة القرن الأفريقى بأسره.. ومن أرض الفيروز ننطلق لـ"غزو أفريقيا"!.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط