الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأساور الذهبية !!


ما صدر عن اللواء زكريا الغمرى، مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون من تصريحات حول وضع السجين خلف القضبان يحمل جانباً مضيئاً.. وآخر عبثياً.. وليس المقصود على الإطلاق أي سخرية أو استهانة بتعليمات أو إجراءات من جانب وزارة الداخلية لتأهيل المذنبين وإعادة دمجهم فى المجتمع بعد فترة العقوبة، ولا تشكيك فى النوايا، وإنما الغرض تبصير الأجهزة الأمنية بأمور قد تبدو ملتبسة نوعا ما وسط مسئولياتهم الكبرى فى حفظ الاستقرار والسهر على راحة المواطنين.. وكلنا نعمل ونبنى على قلب رجل واحد.

ونعود إلي ما قاله اللواء الغمرى خلال ندوة نظمتها وزارة الداخلية حول الدور المجتمعى لها وجاءت بعنوان "مبادرات وإنجازات" بأكاديمية الشرطة، فقد أكد سيادة اللواء أن قطاع السجون يوفر الرعاية الكاملة لـ "نزلائه"، بدءا من حصول السجين فى بعض المصانع التابعة للسجون على راتب شهرى ما بين 3 و6 آلاف جنيه نظير عمله فى تصدير المنتجات التى يتولى النزلاء صناعتها.

وأضاف الغمرى أن السجون تتوفر بها جميع "الامتيازات" من مستشفيات وخدمات صحية عالية المستوى، وتعليم السجناء القراءة والكتابة لمحو أميتهم، مروراً بتأهيلهم لشهادات الابتدائية وما بعدها، ووصولاً إلى تحضير الدكتوراة وفى مجال التعليم الفنى.

مبدئيًا.. السجين مواطن أخطأ فى حق نفسه وأساء إلى المجتمع، لذا استحق العقاب، ومنذ لحظة دخوله الزنزانة
يجب أن يخضع لأسلوب معين فى المعاملة والتهذيب والإصلاح دون انتقاص لحقوقه المشروعة أو مساس بإنسانيته وكرامته.. والسجن مرحلة تصحيح وتعديل سلوك واتجاه فى حياة أى مذنب وتقتضى تدريبه على الاستقامة والعمل الشريف وتلقى العلم إذا ما حُرِم منه، فيخرج إلى المجتمع مواطنا صالحا قادرا على التكيف مع محيطه السابق بعد أن تعلم الدرس واستخلص العبر والموعظة من تجربته خلف القضبان .. وهذا هو الجانب المضئ فى القصة ونُحيِّى قيادات الداخلية على صدقها فى بناء شخصية السجناء من جديد، فتوفر لهم أبواب الرزق وأصول الصنعة وتزرع بذور المعرفة والثقافة والوعى فيمن لديه الاستعداد للتعليم وتحسين مستواه ووضعه الاجتماعى.. أما عن توفير الخدمات الـ "5 نجوم" لهؤلاء المذنبين وتيسير حصولهم علي المال إلي حد آلاف الجنيهات وتغذية مشاعر الراحة والرفاهية بداخلهم كما لو أنهم يقضون عطلة صيفية فى أحد الفنادق أو الشاليهات الساحلية، فهذا هو مايبعث على التساؤل ويثير السخط لدى الرأى العام عندما يتراءى إلي مسامعه بأن من يرتكب جريمة أو يؤذي الأبرياء تنتظره "جنة" السجن من عمل مناسب وخدمة طبية وتعليم مفتوح ودخل محترم يمكن ادخاره فى نهاية المدة والعودة به إلى منزله وأهله مكافأة لـ "المذنب" بعد توبته واستعادة رُشده!.

فى تقديرى أن قطاع السجون أراد أن يمنح المنحرفين فرصة حياة جديدة، وغاب عن رجاله أن هذه الحياة مهددة بالموت سريعا على نصل "سكين" الترف اللامع الذى حصل عليه هذا السجين الغارق فى النعيم ونسى أنه يقضى عقوبته ويدفع جزاء ما ارتكبه، وبينما عليه أن يعيد النظر فى أخطاء الماضى ويُغيِّر من أخلاقه، لانستبعد أن يخرج إلي عالمه القديم ويستأنف إجرامه بعد أن اكتشف أن زنزانة العقاب تحولت إلى "واحة أمان" وحدائق وردية زاخرة بالخيرات ومتع الدنيا، ولا مانع من العودة إليها طالما أن الحياة الناعمة "خلف القضبان" فى انتظاره!.

لقد انتشرت المعلومة على وسائل التواصل الاجتماعى، وأثارت حالة من الجدل والحيرة دفعت الجهات الأمنية إلى نفى بعض التفاصيل والتخفيف من الصورة لتهدئة أعصاب الجمهور.. والنفى لا يعنى إلغاء المعلومة أو بترها.. فما يحدث فى سجوننا يحتاج إلي متابعة وتفنيد باستمرار، وللعقاب فلسفته التى تحكمها أصول وضوابط لتقويم أى مذنب باختلاف أنواعه ودرجاته.. والضوابط يقررها متخصصون فى علم النفس والاجتماع درسوا وتعلموا أبجديات وأسس تأهيل السجناء.. وأفهم أن تأتي المساعدة خارج السجن فور انتهاء العقاب بتوفير العمل واحتضان التائب وعدم لفظه إذا كان صادقا فى توبته ونادما على فعلته .. وقديما كان المذنبون يتجنبون الأساور الحديدية السوداء خشية السجن والحرمان من الحرية ووصمهم بالعار والفضيحة .. فماذا نتوقع منهم عندما صارت الأساور "ذهبية" وتُغرى الشياطين بارتدائها لدخول "جنة المساجين"؟!
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط