عجائب اللسان في الإنسان والحيوان

اللسان هو الناطق باسم المخ والمعبر عنه، وله وظائف أخرى لا تقل أهمية مثل المضغ والبلع وتنظيف الفم وترطيبه، ونظرا لبديع صنعه وتعدد مهامه ورد ذكره في أكثر من آية قرآنية، واقترن خلقه بخلق السماوات والأرض في سورة الروم "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم" (22).

في أعصاب اللسان وعضلاته وحركاته إعجاز يصعب تخيله، فعلى صغر حجمه تتصل به وتخدمه عشرة أعصاب تخترقه من الخلف والجانبين، وهي خمسة أزواج من الأعصاب الدماغية أو فروعها نازلة إليه وصاعدة منه (ذات الأرقام 5 و7 و9 و 10 و 12)، تنقل منه الإحساس العام كالحرارة والبرودة والألم، والإحساس الخاص كالذوق، وتعطيه أيضا أوامر الحركة.

ودور اللسان في الذوق معروف، حيث علية عدة آلاف من البراعم مختلفة الأشكال والأحجام ومتنوعة التوزيع والحساسية، تميز الحلو والحامض والمالح والمر واللاذع.

بتوجيه من المخ، يقوم اللسان بإخراج الكلام الذي يرسم شخصية الإنسان، ويصبح هو الواجهة التي يصدر منها الكذب والسب واللعن والغيبة والنميمة وشهادة الزور وتجلب لصاحبها الاحتقار، وهو نفسه الذي قد ينطق بالصواب والحكمة والنزاهة ويعود على صاحبه بالوقار.. لذا قيل "زلة القدم خير من زلة اللسان"، وفي جزء من حديث نبوي"وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" (الترمذي).

مركزيا، تتم صناعة الكلام في المنطقتين 44 و45 من قشرة المخ ويحمله العصب الدماغي الثاني عشر إلى اللسان لتنفيذه بمساعدة الحنجرة وهواء الزفير والشفتين.. إصابة تلك المناطق والأعصاب في حادث أو ورم تؤدي إلى فقد النطق (وهو يختلف عن فقد الذاكرة). وفي أمراض عصبية كالجنون والشيزوفرينيا والصرع، يفقد اللسان بوصلتي الكلام والذوق، ويدخل في هلاوس ويتذوق أطعمة وهمية غير موجودة.
ومتى تتعطل لغة الكلام؟ في كثير من إصابات المخ والجلطات الدماغية يفقد المريض النطق كما ذكرنا، وأحيانا يضيع الكلام بسبب الدهشة والضيق والخرف، وفي بعض المواقف العاطفية تتعطل لغة الكلام وتحل محلها لغة العيون، وهي ملاحظة صحيحة علميا، ربما كان من أشهر الذين انتبهوا إليها وسجلوها الشاعر أحمد شوقي في قصيدته "يا جارة الوادي".

ومع أن اللسان عضو عضلي، إلا أنه نادرا ما يتعب كباقي عضلات الجسم مهما تكلم الإنسان أو أكل.. يبذل جهدا كبيرا في المضغ والبلع ودفع الطعام بين الفكين وللخلف، ويتحرك في الاتجاهات الستة بسرعة ودقة وانسيابية، دون أن يتعرض هو للهرس بين الأسنان، وإن كان ذلك يحدث أحيانا بسبب الاستعجال ويكون مؤلما جدا، ولو حدث جرح في اللسان فسرعة التآمه هي الأسرع في جسم الإنسان.

ولوجوده في قاع الفم وتعرضه لتيارات بكتيرية وجرثومية باستمرار، نجد لوزتين دفاعيتين صغيرتين على جانبيه غير تلك اللوز الكبيرة عند مدخل الحلق، كما يقوم بتنظيف الأسنان من الأكل بعد البلع، وكذلك توزيع اللعاب لترطيب الفم وبلع الزائد منه، ويعتبر ذلك عامل تنظيف إضافي لا يتوقف حتى أثناء النوم.

واللسان يروي الكثير عن صحة الجسم ويساعد الطبيب على كشف العديد من الأمراض من لونه وهيئته نوجز بعضها بقدر ما يسمح المقال.. لونه الباهت يعني فقر الدم ونقص الحديد، وقد يكتسب لونا بنيا أو أسودا من التدخين والشاي والقهوة، وظهور طبقة بيضاء عليه كالجبن سببها نمو فطر المونيليا، واللون الأحمر القرمزي يظهر في الحمى القرمزية ونقص بعض الفيتامينات، وقد يتضخم اللسان في عجز الغدة الدرقية والحساسية، وظهور شقوق عليه غالبا طبيعية أو بسبب الشيخوخة، وقد يؤلم ومظهره طبيعي بسبب حساسية لبعض المواد أو في سن اليأس عند النساء، وقد تظهر عليه بثور التهابية صغيرة مؤلمة تزول تلقائيا بعد بضعة أيام.. لكن التحذير من أي بثور أو حلمات أو بقع لا تزول لأكثر من أسبوعين، لأنها قد تكون نذير سرطان وتستدعي التدخل الطبي العاجل.

وما يصعب تخيله أو تصديقه، أن الغدة الدرقية أصلها قطعة من اللسان وهاجرت منه في الأسبوع السابع من عمر الجنين إلى الأسفل لتستقر في مكانها النهائي أمام الحنجرة، وما يزال مكان نزولها واضحا على لسان الشخص البالغ عند نقطة في الوسط تسمى "الثقب الأعور" بداية ثلثه الأخير لا يلحظها إلا طبيب متمرس، وأحيانا تتوه قطع من هذه الخلايا المهاجرة في الطريق وتستقر في المكان الخطأ ويطلق عليها عند البالغين "غدة درقية تائهة"، تصاب بنفس أمراض الغدة الدرقية الأصلية وتمثل تحديا للأطباء في البحث عنها واكتشافها.

والحديث عن ألسنة الحيوانات والحشرات شيق وطويل، سنختار منه مثالين فقط لضيق المجال. الحرباء لسانها طول جسمها مرتين، ويندفع في عشر من الثانية ليقنص الحشرات بسرعة 100 كم/ساعة. أما اللسان المتفرع للأفعي فوظيفته الشم، وسبب تفرعه هو تحديد مصدر الرائحة من جهة المين أم من جهة اليسار.