الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجمال.. أنواعه ومقراته في المخ


ما هو الجمال؟ تقول المعاجم إن الجمال مجموعة عناصر تجعل الشيء جذابا وفاتنا ومحببا ويسعد النفس.. قد يكون في وجه بشري أو طائر أو زهرة أو منظر طبيعي أو حتى في قطعة شعر أو موسيقى، وللجمال خلفية ثقافية واجتماعية، بدليل اختلاف وجهات نظر الشعوب والأفراد في الإحساس به، وقد يتفق البعض على جمال شيء ثم يختلفون في تفاصيل عناصره، بمعنى أنه ليس للجمال وحدة قياس.

وردت كلمة "جمال" في القرآن الكريم في سورة النحل، بعد أن تحدثت آية عن خلق الأنعام ومنافعها، أردفت الآية التي بعدها بالقول "ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون"(6).. وفي آيات أخرى تكررت كلمة "جميل" فيما يجب أن يكون عليه الصبر والصفح والسراح والهجر.

وقيل إن من الجمال ما هو خارجي وما هو داخلي، أي حسي ومعنوي، والمقصود هنا جمال الروح في صدقها وأمانتها وصفائها تجاه الآخرين، حتى لو لم يكن صاحبها جميل الطلعة، وفي هذا السياق يقول أبو حامد الغزالي "إدراك الصور الظاهرة بالبصر، والصور الباطنة بالبصيرة، وهو الفرق بين رؤية نقش على الحائط وحب نبي".

الطبيعة ومخلوقات الله من طيور وزهور وأسماك وأصداف، مصدر رئيسي للجمال والتوازن وتناسق الألوان.. وقد لا يختلف اثنان على جمال الطاووس أو منظر الغروب أو قوس قزح، لكن العجيب أن ما اختلفت عليه كل شعوب الأرض هو جمال المرأة..

في أفريقيا المرأة شديدة السواد هي الأجمل، ويا  حبذا لو كان وجهها مشققا وبه وشم أزرق كثيف، بينما العكس في اليابان، المرأة شديدة البياض ذات القدم الصغير هى الأجمل، وفي أوروبا يعتبرون جمال المرأة في طولها ونحافتها، وعكس ذلك في غرب أفريقيا وموريتانيا بالذات، حيث يفضلون المرأة البدينة، وفي البرازيل وكولومبيا يهتمون بالمؤخرة الكبيرة، ومن أهم شروط جمال المرأة عند الهنود شعرها الطويل ومهارتها في الرقص، وبعض قبائل في آسيا تعتبر جمال المرأة في طول رقبتها، وفي إيران جمال الأنف، وفي التراث العربي القديم أن من أهم شروط المرأة الجميلة ألا يكون فيها "عظم يحس ولا عرق يجس"!

ولعل هذا التفاوت في عناصر الجذب عند المرأة هو السبب في انتشار المثل "كل فولة ولها كيال" أي أن كل امرأة فيها جزء من الجمال الحقيقي الذي ينجذب إليه شخص ما.

ونصل إلى السؤال العلمي المهم: أين المناطق المختصة بالجمال في مخ الإنسان؟ عبر التاريخ وحتى وقت قريب كان الظن السائد أن العين هي من تشعر بالجمال، إلى أن ثبت مؤخرا أن العين لا علاقة لها به، وأنها ترسل ما تراه إلى المخ دون أن يكون لها رأي أو دخل فيه.. تماما مثلما تنشر وسائل الإعلام مقالا وتؤكد في آخره "عدم مسئوليتها عن محتواه".

ما يحدث علميا أن الصور ترسل من العين إلى المخ وهناك يتم ربطها بالنفس والذاكرة وإصدار الحكم عليها في جزء من المائة من الثانية، وكان العلماء إلى وقت قريب يعرفون أن في المخ منطقة تسمى الجزيرة (الإنسيولا) تختص وتثار بكل شىء جميل ومحبب للنفس، لكنها لا تفرق بين جمال قطعة كيك أو جمال قطعة موسيقى!.. فكان من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث للتحري عن منطقة أخرى تكون أكثر إحساسا وتخصصا في تقدير الجمال.

في إحدى التجارب تركز البحث على عرض صور لآلاف الوجوه متفاوتة الجمال والقبح على 99 متطوعا، وقد وضعت على رؤوسهم خوذات بمجسات لاقطة تراقب وترصد ما يحدث في كل مناطق المخ، وأظهرت النتائج وجود منطقة في "بطن المخ الأوسط" كانت تتوهج بشكل لافت عند رؤية الوجوه الجميلة.. وللتأكد من أن هذه المنطقة هي فعلا المسئولة عن الإحساس بالجمال والتصديق عليه، قاموا بالتدخل واستفزازها كهربائيا بينما المتطوعون يشاهدون صور وجوه قبيحة، فإذا بهم يقولون عنها جميلة!.

وهكذا، ثبت أن في مخ الإنسان مركزا آخر غير "الإنسيولا"، يقر ويعطي الإحساس بالجمال بدقة أكبر، بعد التشاور مع مراكز النفس والذاكرة بالطبع.. وحتى بعد هذه الاكتشافات تبقى في الجمال جوانب غامضة لا تفسير لها، فعلى سبيل المثال، لماذا الخدود الحمراء صفة جمال، بينما الأنف الأحمر صفة قبح؟

ولأن الجمال قيمة مرتبطة بالغريزة ومكنون النفس والكل يبحث عنه ويلهث وراءه وصولا للراحة النفسية والسعادة، يعتبر تركيب الأطراف الصناعية والأسنان وحقن السليكون والدهون، وقيام فنانة بإجراء 40 عملية تجميل، كل هذا يندرج ضمن البحث عن التناسق والرشاقة، وعن شيء اسمه "الجمال"..

الإحساس بالجمال يتطلب عين يقظة وشعورا مرهفا وعقلا نشطا وقلبا محبا.. الحضارة نفسها كي تتقدم تحتاج إلى الجمال، والنقاد في كل المجالات يبحثون عن الجمال سعيا وراء الكمال.. وحتى الحقيقة في حد ذاتها.. فيها جمال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط