الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تديُن مش كِيف.. قصة إدمان بوب مارلي لسجائر الماريجوانا

صدى البلد

بملامحه السمراء وضفائره السميكة عرفه الناس، وبسجائره ودخانه اشتهر، في رحلته من أفريقيا وأمريكا، حصد الجوائز حتى بعد مماته، ليلمع بوب مارلي في سماء الغناء، مبتدعا لون الريجي في الأغاني.

بكفاحه ونشأته ألهم مارلي ملايين الشباب، ذلك الفتى الأفريقي من قرية بسيطة في جامايكا، ترعرع من أسرة فقيرة لأب أمريكي وأم أفريقية، ومع سفره لأمريكا، عانى من طفولة مشوهة بسبب لون بشرته السمراء، ومع آلامه، كان يهرب للموسيقى كدواء له، فوجد فيها متعة خاصة تخلق له عالما آخر.


فقره لم يمنعه من الاستمتاع بالموسيقى، لم يكن معه المال لشراء الأسطوانات إلا أنه حلق بعيدا عبر الإذاعات الأمريكية وما تعرضه من أغانٍ، لينشأ ويكبر بأذن موسيقية، ومع سنوات من الكفاح والتعب استطاع الفتى النحيف أن يشق طريقه ويكون فرقته التي احتشدت لها الجماهير.

وصفه الكثيرون بالطائش الهائم على وجهه، فمظهره الفوضوي العبثي، وثيابه الملونه وسيجارته التي لم تفارقه، جعلته محط أنظار الجميع، إلا أن شعبيته لم تتأثر بذلك الهجوم، فمازال جمهوره حول العالم يحتفون به كل عام في ذكرى ميلاده التي تحل في السادس من فبراير، وكان رحيله بمثابة الصدمة لمحبيه، ليخرج من بعده الملايين مرتدين ثيابا مشابهة له، وتصبح تسريحة شعره "الراستا" اسم لامع في سماء مصففي الشعر، وقبعته التي لطالما ارتداها علامة تجارية.


طلته الغريبة المختلفة جذبت الكثيرين، وبقبعته وسيجارته أصبح علامة تجارية، وبعد مماته، اقتبس الكثيرون طلته في صيحات الموضة، حتى أصبحت ضفائره الأكثر طلبا في صالونات الحلاقة، سجائر الماريجوانا التي لطالما ظهر بها، شجعت الشباب على إدمان ذلك المخدر تيمنا به، ولكن ماذا لو كانت تلك المظاهر ليست للشهرة بل طقوسا خاصة بديانته.

برأته ديانته من الهجوم والتهم التي وجهت إليه، حيث اعتنق بوب مارلي ديانة الراستفارية، التي ابتدعها "هيلاسيلاسي الأول"، الإمبراطور السابق لأثيوبيا، كتجسيد للرب والذي يطلقون عليه اسم جاه Jah، واعتنقها شعبه من بعده تيمنا به لارتباطهم بحاكمهم وحبهم الجم له، والتي كان من مظاهرها الضفائر الطويلة المجدولة أو الشعر الطويل، والماريجوانا. 


ليس لدى الراستافارية قادة معترف بهم بشكل عام، ولا مبادئ عامة تحدد هويتهم، ونشأت الحركة في جامايكا بين الطبقات العاملة والمزارعين السود في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي 1930s، والتي نشأت من تأويل لنبوءة إنجيلية تقوم في جزء منها على حالة هيلاسيلاسي بوصفه الحاكم الأفريقي الوحيد في ذلك الوقت على دولة مستقلة تمامًا، وألقابه كانت ملك الملوك وسيد السادة.

بالأخضر والأصفر والأحمر والأسود، اشتهرت الديانة المبتدعة، كل لون له دلالة معينة، فالألوان الأحمر والأخضر والذهبي هي ألوان العلم الإثيوبي، والأسود يمثل أفريقيا لأنها الوطن الأم بالنسبة لهم، كما أن الأحمر هو لون الدم والشهداء، والذهبي إلى لون الثروة الأفريقية، والأخضر هو لون الأرض والطبيعة.


ومع شهرة بوب مارلي عرفت الديانة الراستافارية، وكان مارلي متدينا متمكسا بطقوس دينية، والتي اعتبرت نبات الماريجوانا من الطقوس الدينية، التي تذهب العقل وتجعل الإنسان في حالة من اللاوعي للتأمل في الرب والطبيعة، ويعتقد أتباعها أن تدخين الماريجوانا غذاء للروح، فسيجارة ماريجوانا تقربهم من الإله وتبعدهم عن شواغل الحياة، بالتأمل والتفكّر الذي توفره النبتة المخدّرة، وتستعمل الماريجوانا كجزء من الطقوس الدينية، بسبب الاعتقاد بأنّ لها تأثيرات تقربهم من JAH الإله في نظرهم.

نفس عميق من سيجارته، يحول حفلاته إلى دنيا مفعمة بالطاقة، مجنونة في الإيقاع، تحيي الحاضرين وتحلق بهم إلى عالم يخلقه بوب مارلي، يذهب بآلامه ومعاناته في طفولته بأغانيه، معترفا بالمخدرات كعلاج للشعوب من الآلام، ليمنح بوب مارلي وسامًا رفيعًا من بلاده قبل شهر من وفاته تقديرًا لدوره في نشر السلام والحرية داخل وخارج جامايكا.

ويقال إنه في إحدى حفلاته، مُنع من اصطحاب الماريجوانا معه إلى المسرح، فقام بتخبئة لفافات الماريجوانا في ضفائره، ليفاجئ الجمهور أثناء الحفل بالتقاط إحداها، وإشعالها على خلفية من إيقاعات الريجي الصاخبة.


وعقب سنوات من وفاته، في عام 2014 وبعد صدور قوانين تشرّع استخدام الماريجوانا في الولايات المتحدة الأمريكية، قرّرت عائلة مارلي التعاقد مع شركة "برافتر هولدنجز"، لطرح منتجات ماريجوانا شرعية تحمل اسمه في السوق، حملت العلامة التجارية اسم "Marley Natural"، واندرج تحتها العديد من المنتجات المستخلصة كلها من العشبة المُخدّرة، والتي كان يعشق بوب مارلي تداولها، ومنها كريمات وإكسسوارات متنوعة، وبدأ توزيع المنتجات مع بداية عام 2015 مع حملة ترويجية تتضمّن مقتطفات من أحاديث لمارلي، يحكي فيها عن أهميّة "العشبة" لصحّة الإنسان، وكيف أنّها نعمة من الطبيعة، يجب استغلالها.

زاد حب الناس لمارلي فاعتبروه رمزا للسلام والحرية، وجاء غناء بوب مارلي أغنية "الحب للجميع "One Love لكي يحقق نجاحا عالميا في القارات الخمس بدون تمييز، فقد دعا فيها للسلام والأخوة الإنسانية بين جميع الأعراق والأديان ونبذ التعصب الديني في العالم.

وقد تساءل مارلي فيها: "هل هناك مغفرة للمذنب اليائس.. الذي آذى كل البشر من أجل نفسه؟!" ليغني هذه الأغنية في منتصف سبعينيات القرن العشرين، وكان فيها صاحب رسالة سامية ورؤية ثاقبة، دعا فيها إلى مقاومة كل من يشعل الحروب الدينية حيث قال: "هيا نقاوم هذه الهَرْمَجَدّون المقدسة.. حتى لا يكون هناك هلاك للبشرية".