سبيل عبد الرحمن كتخدا.. صاحبه أمير الخيرات وغرفته من آيات الفن الإسلامي

عطشان يا صبايا دلوني علي السبيل.. واحدة من الروائع التي غنتها الفنانة الراحلة شادية من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي، واستمد الشاعر فكرتها من السبيل الذي يقدم الماء للناس مجانا في الشارع، وهو أحد أبرز مفردات العمارة الإسلامية.
ولم تكن الأسبلة مجرد جدران صماء، بل منشآت حملت الكثير من معاني الإنسانية والتكافل الاجتماعي والعمارة الشاملة، ومنها سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا، الذي كشف قصته المثيرة الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف، أستاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق، في كتابه "أبرز المعالم الأثرية والسياحية الإسلامية والمسيحية في مصر والعالم"، الصادر عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر.
كما ورد أن الكتاب والسبيل الكائن حاليًا بشارع المعز لدين الله بحى الجمالية هو إحدى بنايات عبد الرحمن كتخدا الذى كان يلقب بأمير الخيرات وصاحب العمائر فى مصر والشام، وكتخدا لقب وظيفته وهو لفظ تركى معناه نائب الوالى – ويعادل حاليًا نائب رئيس الجمهورية.
وهذا الرجل ترك بصماته على وجه العمارة الإسلامية فى مصر والشام،وأوقف الكثير من أمواله على بناء وتعمير المساجد والزوايا والأسبلة وتجديد مشاهد وأضرحة آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم فى القاهرة، كما أقام عمائر كثيرة وقناطر وجسورًا بالريف ببلاد الحجاز ويكفى أن نقول أنه أنشأ وجدد من المساجد حوالى ثمانية عشر مسجدًا.
ويكشف الكتاب أنه من أهم منشآته الخالدة زيادة الجامع الأزهر وباب للجامع وعدة ملحقات بالجامع الأزهر،كذلك بنى مدفنًا له عليه قبة ودفن فيه بالفعل عام 1190 هـ/ 1776م،كما أنه كان أول من أعد موائد الرحمن أمام بيته فى شهر رمضان.
وكانت القصاع الكبيرة على حد وصف الجبرتى تخرج من قصره عند الإفطار مملوءة باللحم المسقى بالمرق ليعطيها للفقراء، وخصص مشرفًا يعطى لكل محتاج رغيفين وشيئًا من المال للسحور،وهو أول من رتب للعميان الفقراء كساء من الصوف يعطيه لهم قبل حلول الشتاء من كل سنة، كما رتب لمؤذنى المساجد أحرمة تقيهم برد الشتاء عندما يصعدون إلى المآذن لأذان الفجر.
وبالنسبة للسبيل والكتاب تم بناؤهما عام 1157 هـ/ 1744م،ولهذا السبيل كما يقول عبد اللطيف فى كتابه أهمية فنية خاصة، فهو يكون مجموعة مستقلة تتمثل فيها الكثير من روائع الفن الإسلامي فى العصر العثمانى، وكان السبيل فى الأصل يلحق بالمنشآت كالمساجد للشرب وفى أغلب الأحيان كان يعلوه مكان لتحفيظ الأطفال القرآن يعرف بالكتاب.
وأصبحت هذه الأبنية بعد ذلك منفصلة كما هو الحال فى سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا ، وغرفة هذا السبيل آية من آيات الفن الإسلامى، فجدرانها مغطاة ببلاطات من القيشانى الملون المزخرف بزخارف نباتية وعليها رسم لصورة الكعبة المشرفة.