الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

شجرة الدر الهندية التي قتلها شعبها.. حكاية أول إمبراطورة مسلمة في جنوب آسيا

صدى البلد

تعتلي العرش بثقة العظماء، مرتدية عبائتها التي تخفي بها أنوثتها، تعتلي رأسها القلنسوة كأشهر الملوك، ملامح وجهها الجميلة تحمل في طياتها حنكة الحروب وذكاء السلاطين، ورباطة جأش الحكماء، وببراعة استطاعت رضية سلطانة أن تكون أول امرأة تتوج بسلطنة دلهي وأول حاكمة مسلمة في جنوب آسيا، لتسطر اسمها في التاريخ من أعظم سيدات التاريخ الهندي.

رازية سلطانة أو كما عرفت بـ راضية، فتاة في العقد الثالث من عمرها لم يؤمن بها أحد كما آمن بها والدها، السلطان شمس الدين إلتتمش، الذي وصل إلى سلطة دلهى كعبد تركي، وكبر في قصر السلطان قطب الدين أيبك، ليصبح أكثر المفضلين إليه، وبعد أن زوجه السلطان من ابنته، أصبح شمس الدين جزء من العائلة الحاكمة، وأنجب من ابنه السلطان ناصر الدين محمود وجلالات الدين رازيا، وبعد وفاة السلطان قطب الدين، توج شمس الدين إلتتمش سلطانا على دلهى.



كان دائما ما يردد :"ابنتي أفضل من العديد من الأبناء"، استمر التمش في الحكم 26 عاما، عزز فيها السيطرة التركية على شمال الهند وأدخل إصلاحات مهمة في سلطنة دلهي، بما في ذلك النظام الملكي والطبقة الحاكمة والعملة، وخلف وراءه إرثا كبيرا باعتباره راعيا للفنون، وجاء وقت التفكير في خليفته بالعرش، لم يأتمن أولاده على سلطنة دلهي، بعد ان ارتأى فيهم ميلهم للحياة الدنيا واللذة والمتعة والبعد عن أي مسئوليات، في الوقت الذي أثبتت ابنته فيه حنكتها وبراعتها في تولي زمام البلاد أثناء غيابه، عندما غادر المملكة في إحدى الحملات العسكرية وتولت هي مسؤولية الولاية على أكمل وجه بمساعدة وزير السلطان .

إختار السلطان في نهاية الأمر ابنه ناصر الدين لتولي زمام الحكم، والذي كان في نفس الوقت حاكمًا للبنغال، ولكن لم يلبث قراره طويلا، بعدما مات ناصر الدين محمود في ظروف غامضة، ليقع السلطان في حيرة كبيرة، حيث كان كل من أبناءه الآخرين من زوجاته الأخريات أصغر من أن يتم تتويج أحدهم سلطانًا من بعده، ليقع الاختيار اخيرا على ابنته التي لطالما فضلها وأحبها، لتفوقها في فنون الدفاع عن النفس، وبراعتها في الحرب، ومهارتها في ركوب الفيلة والخيل.



وأخيرا، اعتلت السلطانة راضية العرش، لتقضي 4 أعوام في حكم دلهي، لم تحظ فيهم بالدعم الكامل من نبلاء الدولة، ولكنها تمكنت من تأمين سيطرتها على العرش من خلال تقسيم رأي معارضيها، ولكنها في نهاية المطاف فازت بدعم الأغلبية، وإستطاعت توسيع سلطتها على نطاق واسع في الدولة من خلال رضوخ الأمراء وقادة الدولة لسلطتها .

قامت راضية ببناء نظام للطرق، واستطاعت بذلك الإطلاع على شئون الأجزاء البعيدة من إمبراطوريتها ومتابعة أمورها، كما ربطت المدن بالقرى، وقامت ببناء حصونًا صغيرة كمراكز للحراسة حول هذه الطرق، واهتمت بإنشاء المدارس ومعاهد البحث العلمي، والمكتبات العامة التي ضمت كل من المخطوطات الإسلامية والهندوسية ,من أعمال الفلاسفة القدامى , والعلوم القرآنية ، والسنة المحمدية , والأعمال الهندوسية في العلوم الفلسفة والأدب والفلك، وعملت على نشر المساواة بين المجتمع المسلم والجالية الهندوسية في الدولة .



استمعت إلى شكاوى ومطالب شعبها، واهتمت بشئونهم، حتى أنها إتخذت قرارًا صارما بالتخلي عن الملابس التقليدية للمرأة المسلمة ، بما في ذلك البرقع والحجاب، واعتمدت على ملابس رجالية بدلًا من ذلك ، مما أدى إلى غضب المسلمين المحافظين، وفي فترة حكمها , طلبت راضية أن تًصنع قطع نقدية تحمل أسمائها وألقابها مثل " عمود المرأة ، ملكة العصور، السلطان راضية، ابنه شمس الدين التتمش "

لم تكن رضية كغيرها من النساء، فأثبتت أن اختيار والدها لم يخطئ أبدا، فاختلفت عن مثيلاتها في العادات والتقاليد، لم تهتم بالملابس وأحاديث النساء، بل فضلت أحاديث والدها عن الحرب وتولي شئون البلاد، وحتى بعد توليها عرش البلاد، كانت تفضل ارتداء الأردية الطويلة وأغطية الرأس الخاصة بالرجال، وخلافا للتقاليد، قامت رضية في ما بعد بإظهار وجهها عندما امتطيت فيلا على رأس جيشها خلال إحدى المعارك.

عملت الامبراطورة في مملكتها داخليا وخارجيا، وبعد استقرار شعبها، اتجهت إلى إلى تنظيم شئونها، فعينت وزيرا جديدا للبلاد، وفوضت أمر الجيش إلى واحد من أكفأ قادتها، ونجحت جيوشها في مهاجمة قلعة "رنتهبور" وإنقاذ المسلمين المحاصرين بها، وكان الهنود يحاصرون القلعة بعد وفاة أبيها السلطان "التتمش".

ومع سلسلة الإصلاحات والتغييرات التي قامت بها، بغضها المماليك في حكمها، وكرهوا أن تحكمهم امرأة وتأمرهم لينصاعوا لها، وتآمروا عليها لإسقاطها عن الحكم، وظهرت حركات المتمردين في البلاد، تسكتهم السلطانة تارة وتارة أخرى تعجز امام عددهم، حتى أشعلت الثورة ضدها من قبل المماليك، وبعد حرب مضنية قتلت الامبراطورة الشابة عن عمر يناهز خمسة وثلاثون عاما، تولَّي أخيها السلطان "معز الدين" عرش البلاد.