الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جمال الفشني يكتب" إقْرار العين بتراجم علماء القرنين

صدى البلد

سِتَّةَ عَشَرَ عامًا مضت وهو يفتِّشُ ويطالعُ ويقيِّدُ ويتقصَّى بحوثًا وتراجمَ وأحداثًا وأخبارًا؛ لِيُخْرِجَ لنا ما تَقَرُّ به أعينُنا «جَمْهَرَةُ أَعْلَامِ الأَزْهَرِ الشَّرِيفِ فِي القَرْنَيْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ والخَامِسَ عَشَرَ الهِجْرِيَّيْنِ» لصاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور «أسامة الأزهريّ». تلك الموسوعةُ التاريخيَّةُ العلميَّة التي أدَّى بها ابنُ الأزهر البارُّ ما عليه من حقوق، ورفعَ بها الحرجَ عن سابقيه ومعاصريه أمامَ الأزهر الشريف، واستطاع أن يقدِّمَ للأزهر -مؤسَّسةً وأفرادًا- نواةً لبناءٍ عظيمٍ شامخٍ، وأثرًا يُقتفَى، وهَدْيًا يُتبَّع؛ للوفاء بحقِّ الأزهر الشامخ العريق.

قدَّم العلَّامة «أسامة الأزهريّ» بـ «الجمهرة» ما تقرُّ به عينُ الأمَّةِ بإحياء تاريخ الأزهر الشريف؛ معنًى ومبنًى. كيف لا؟ وقد وجد من يحفظ له جزءًا من تاريخه المجيد على مدى قرن ونصف من الزمان، قام الأزهر فيه -كسابِقِ عهدِهِ- بحمل أعباء خدمة كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى ﷺ، ونشرِ الدين والعلم، والأمن والعمران في جميع الأقطار والأعصار، وتحمَّل الأزهر برجاله وعلمائه ميراثًا ضخمًا، خلَّفته المدارس العلمية الكبرى في مختلِف بلدان العالم الإسلاميِّ، وبمرور الزمان كاد ذلك يضيع بضياع تاريخ الرجال، وهل الأزهر في الحقيقة إلَّا رجالٌ وعلماءُ، ومنهجٌ يَهتدِي به الأبناءُ؟

جاءت «الجمهرة» قرَّةً لعين ألوف من علماء القرنين مِمَّنْ تلقَّى العلوم في الأزهر الشريف، ونال العالِمِيَّة، وشَرُفَ بالتدريس فيه وترقَّى في مناصبه، أو مِمَّن عبر على الأزهر مُتعلِّمًا ومستفيدًا؛ فتأثَّرَ به وحملَ من نوره، ومضى يضيءُ الكون من حولِه وَفْقَ المنهج الأزهري. أولئك هم شَرْطُ المُصنِّفِ الَّذين سعى خلفهم يجمع شملهم، ويتقصَّى أخبارهم، ويعدِّدُ مناقبَهم، ويُعلي من ذكرِهم، ويُنزلهم منازلهم، ويسجِّل المحاسنَ والدروس التي حَوَتْها سِيَرَهم؛ فينتفع بتراجمهم العلماءُ والشيوخُ والدعاةُ، فضلًا عن طلاب العلم؛ فيتأدبون بآدابهم، ويقتفون آثارَهم، ويتحمَّلون مسئولياتِهم، وينهضون بمؤسَّساتِهم وبلادهم؛ فتقرُّ بذلك عيونُهم.

وفي «الجمهرة» إقرارٌ لعيون أبناء وأحفاد من تُرجِمَ لهم، وإدخالٌ للسرور على قلوبهم؛ فلقد وجدوا من يُسطِّر سِيَرَ آبائِهم وأجدادهم بحروف مِن نورٍ، تبقى علامةً مضيئةً في تاريخ الأمة؛ وبذلك ينشط الأبناء في نشر تراث هؤلاءِ العظماءِ؛ فتستنير بها العقولُ، وتذخر بها المكتباتُ، وينتفع بها القاصي والداني.

وفي «الجمهرة» استنهاضٌ لِهِمَمِ الباحثين والقائمين على أمر الأزهر، فـ«الجمهرة» ليست تراجمَ لعلماءَ أَجِلَّاءَ فحسبْ، بل تلخيصًا للأزهر الشريف بمنهجِه وعلومِه وعلمائِه وطلابِه ومواقفِه تُجاهَ الأحداث والقضايا المهمَّةِ التي مرَّت بها الأمةُ، وعَلاقاتِه بأشقائِه من منابر العلم والنور، ووصفٍ دقيقٍ للبيئة الأزهريَّة ومعالم العمليَّة التعليميَّة فيها، وكيفيةِ انتقاءِ الكتب والمقرَّرات الدراسيَّة، وبيانٍ لكيفية اعتناء المنهج الأزهري بالعلوم الأصليَّة (العلوم الاثْنَا عَشَرَ)، والعلوم المُكمِّلة لها.

وفي «الجمهرة» عرضٌ لأهمِّ المناصب والمِهَنِ والحِرَفِ التي قام بها الأزاهرةُ. وهناك العديد من الموضوعات التي تعرَّض لها المؤلف أثناءَ تراجمِ العلماءِ، وهي بمثابة توصيَّاتٍ يَستقي منها الباحثون مئاتِ الموضوعاتِ والعناوين الَّتي تصلح للدراسة والبحث.

وأَزُفُّ البُشرى للأجيال القادمة بوجود ما تقرُّ به أعينُهم؛ ففي «الجمهرة» خلاصةُ رؤيةِ العالم الأزهريِّ الجليل في كيفية إصلاح العمليَّة التعليميَّة داخل الأزهر الشريف؛ وذلك من خلال تحديد المشكلات التي تعوق مسيرة التعليم في مصر عمومًا والأزهر خصوصًا، والوقوف على أسبابها، وتقديم خطَّةٍ شاملة لعلاجها.

لم يتحقَّقْ كلُّ ذلك من فراغ، إنَّما تحقَّقَ بالمصابرة والمثابرة التي لا يقوى عليها إلَّا رجال يحرِّكُهم حبُّ الأزهر والإخلاصُ له، فتهون في أعينِهم الصعابُ، ويتحوَّل الصخرُ في أيديهم إلى الماءِ الزُّلالِ. لقد عايش «الأزهري» علماءَ الأزهرِ ورجالَه جيلًا بعد جيل، فتربَّى على أيديهم، ونَهِلَ من موردهم، فهنيئًا له.

وختامًا أسأل الله تعالى أنَ يجازِيَهُ عَنَّا وعن الأزهر خَيْرَ الجزاءِ، وأن يحفظَهُ ويباركَ له في علمِه وعمرِه، وأن يُنيرَ دَرْبَهُ ويسدِّدَ خُطاهُ، وأن يُقِرَّ عينَيْهِ في الدارين، آمين!