الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: غسيل الأدمغة !

صدى البلد



لا يبدو ان أيدولوجية جماعات الإخوان والجماعات المتطرفة الارهابية غيرت فكرها كما يظن البعض أو إنها عدلت عن نوعية إختيار شبابها من الجهادين كما يلقبون انفسهم، أو ان عمليات إستقطاب الشباب تعتمد علي الفقير والمحتاج والأقل تعليم، فلم يكن بن لادن، مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة، فقيرًا بل كان مليونيرًا، خرج من نادي المال والأعمال والقصور والثراء ليسوح بين الجبال ويتحوّل إلى قاتل وممول للإجرام حول العالم بفعل عقيدة خاطئة يعتنقها، ونفس الحال أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة خلفا لابن لادن، ذلك الطبيب، كان ليصبح شخصًا مرموقًا وصاحب عيادة في القاهرة، لولا انه اختار طواعية أن يسكن الكهوف ويتداوى بالأعشاب ويتحوّل إلى إرهابي يتمتّع بمشاهد قتل الناس وترويعهم على الشاشات، والداعشى إسلام يكن، الذي تحول من شاب ميسور الحال إلى حد ما، وخريج مدارس اللغات، مغرم بكمال الأجسام إلى مدمن لقطع الرؤوس فى صفوف التنظيم الدموي، إلى إرهابي شهير في الدولة الإسلامية بالعراق والشام "داعش"، وغيرهم كثيرين.
وفي البحث في الجذور ونوعية اختيار الشباب المنضم في أغلب الأحوال للجامعات الإرهابية، تجد ان جماعات الإخوان الارهابية وتنظيم داعش والقاعدة وغيرهم من مسميات يعتمدوا في اختيارهم للشباب علي نوعية معينة، لا يشترط الفقر والحوجة أو الجهل والتخلف حتي تتم عملية غسيل الأدمغة والتحول الغريب الذي نراه في شخص كل إرهابي، بل أغلب نوعية المنضمين لتلك الصفوف الدموية من أصحاب العلم والثقافة وخريجي الكليات العليا والملتحقين بكليات القمة ومن هم ميسوري الحال، حتي تشك أن مثل هؤلاء لا يمكن ان يكون إرهابي، ولكن الأيدلوجية التي تتعامل بها الجماعات الارهابية علي قدرٍ كبير من الذكاء والتدريبات التي تتبعها علي أعلي مستوي، وخير دليل انتحاري الدرب الأحمر صاحب آخر تفجير، الذي قام بتفجير نفسه عندما أدركته الشرطة واستشهد اثنان أمناء شرطة وضابط، وحينها تبين أن ذلك الإرهابي هو نجل لطبيب مصري مقيم في أمريكا، ويحمل الجنسية الأمريكية ويعيش هو وعائلته في مصر الجديدة، أي أن الموضوع لا يرتبط بفقر أو جهل، والمتتبع لتاريخ بعض الانتحارين والارهابيين ومن قٌبض عليهم من جماعات الإخوان، سيلاحظ تلك النقطة.
أما عن التغيير الزمني للأحداث، فمنذ تولي محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين حكم مصر في عام 2013 وقد زادت عملية استقطاب الشباب الي تلك الجماعات، وقد حدث وان تواصلت التحركات الإخوانية والسلفية والجهادية فى الشارع على مدار نحو عام ونصف، وبعد عزل الرئيس الإخوانى اصبح هناك نافذة طبيعية لجذب مجاذيب الدولة الإسلامية ونصرة الدين، حتى من المتعاطفين غير المنخرطين فى أى تنظيم، إلى العمل العنيف المسلح بصورة مباشرة، فضلًا عن فضاء جوجل ومتطرفيه الذين يمنحون لقب شيوخ دون التدقيق فى جودة خلفيتهم الشرعية، يلعب دورًا حاسًما فى أوقات كثيرة لجذب الشباب الي صفوف الإرهابين، في عملية مخططة محددة، وإن كان هناك تغيير حدث في تلك المنظومة فنجده في تغير شكل الدعوة والتجنيد، إذا نشرت مراكز أبحاث معلومات تفيد أن هناك الآلاف من التغريدات اليومية لداعش ومحبيه على تويتر، والمئات من مواقع للتنظيم، مما يتضح أن التجنيد عن طريق الإنترنت من أبرز وسائل تجنيد الشباب، كما تدخل وسائل الاعلام في مقدمة أساليب وطرق غسيل الأدمغة من خلال ما تبثه وتعرضه من مواد تعمل علي إثارة الفتن ونشر البغضاء والكراهية في نفوس المواطنين تجاه الدولة وأنظمتها من أجل تحقيق أهداف معينة وتوجيه الأفكار بالطريقة التي تُسَهِّل من تنفيذ الغرض الذي تنشده.
والسؤال إذًا.. كيف استطاعت الجماعات الإرهابية إستقطاب شباب علي قدر معقول من العلم والنضج وميسوري الحال في جذبهم والتأثير علي عقولهم لانضمامهم واعتناقهم هذا الفكر!؟
فعملية وأساليب غسيل المخ المقصد منه هو إعادة تكوين معتقدات وافكار جديدة وتوجيه افكار الشخص المراد تغييره ومن ثم تغيير سلوكه في عملية إعادة تقويم فكري جديد للفرد، وفي منتصف القرن العشرين في أثناء الحرب الكورية،
عرف مصطلح "غسيل المخ أو غسيل الدماغ" لأول مرة عندما طٌبق على الأسرى الأمريكيين بهدف زرع الأفكار الشيوعية من خلال عملية منهجية وعلمية، وتنظيم جماعات الإخوان يعتمد في بنائه الأول على تكوين أيدولوجية في عقول أفراده تعتمد على تزييف الحقائق، والتأثير عليه من خلال الدين والادعاءات المزيفة وتفسير نصوص الدين علي هوي كل تكفيري يكفر الناس ويستبيح دماء البعض باعتبارهم كفرة وجب الخلاص منهم، وأن تلك الأفعال الاجرامية جزائها الجنة والحور العين، ومن ثم يستطيع التحكم في عقول أفرد التنظيم الذي يجري تجنيدهم وتسخيرهم لأغراضهم الإرهابية، ومن بعدها تجد الفرد الذي تم تجنيده من قبل الجماعة الإرهابية يعمل على التأثير في أسرته والافراد المحيطين به، من أجل اعتناقهم نفس الفكر وتحويلهم لأعضاء في الجماعة.

ومن المثير ان نعرف أن عملية تصنيع الارهابي تعتمد اعتمادًا كليًا على شرعنة ثالوث الشر المعروف: "الجنس والمال والسلطة" وليس علي عنصر الجذب عن طريق الدين فقط، وفِي عنصري الجنس والمال أهم طرق إستقطاب الشباب عن طريق زواج النكاح أو مدهم بالأموال الطائلة من أجل تنفيذ العمليات المسندة إليهم، ومن المتعجب في الأمر ان هذا الثالوث هو نفسه ما يقوم الإسلام بمحاربته ويحذر من الوقوع فيه ومن أفعال هؤلاء المجرمين، وفِي نفس اللحظة تستخدمه تلك الجماعات الإرهابية لجذب الشباب، الذين يحولون الجريمة إلى مكافأة، والإرهابي الذي يفجر ويقتل ويستبيح دم الآخرين ويغتصب النساء من منطلق ما ملكت ايمانهم، ويفسر آيات القرآن والاحاديث النبوية فيما يخدم أهداف الجماعة، إلى مؤمن!

وتكتشف المؤلفة كاثلين تيلر، الباحثة في مجال علم النفس العصبي في جامعة أكسفورد، في كتابها غسيل الدماغ، حيث جمعت آخر ما توصلت إليه البحوث في علم النفس والأعصاب لتستكشف الأسباب وراء تلك الممارسات والطرق في عملية غسيل المخ، ومايحدث عندما تُغيَّر عقولنا من قوى خارج سيطرتنا توجد من حولنا في صور متعددة، بدءًا بالتلفاز ووصولًا إلى السياسة والتعليم.

كما ان الدافع الذي يجعل الشباب المثقفين والاغنياء ينضمون للجماعات الارهابية هو أنهم تربوا علي الولاء والإنتماء للجماعة فقط وعلي الطاعة العمياء بدون اي نقاش أو مجادلة وان من لا يطيعهم فهو كافر وخارج عن الملة، وبالتالي تتعمد الجماعات الإرهابية في اختيارها للشباب وهم في سن صغير حتي يسهل التأثير عليهم من ناحية، وحتي يتربوا علي الولاء والطاعة منذ الصغر، وفِي تحليل شخصية الشاب الارهابي قد تجد منهم من يتمتع بشخصيته نمطية وتقليدية اي وسواسية، وهو ما يركز عليه تلك الجماعات أحيانًا، والمعروف ان بَعضُنَا لديه مشاكل شخصية ونفسية وما أكثرهم من فئة الشباب، الذي قد ينساق بعضهم الي فكر هؤلاء الإرهابين الذين يستخدمون الشعارات الدينية حتي يتمكنوا من دخول أكبر عدد من الشباب الي الجماعة، والذي يقول من أين أتى هؤلاء الخوارج، اقول لهم: والله هذا ليس من ديننا في شيء، فالدين برئ منهم كل البراء،

مما يؤكد اننا أمام خطر واضح يهدد المجتمع ككل، ويستهدف شبابنا، وينذر من خطر التأثير علي عقولهم والاعتناق بالفكر التكفيري من قبل تلك الجماعات الارهابية، فقد بات الأمر لا يقتصر علي فئة المحتاجين والفقراء أو الأقل وتعليم، وكلنا في خطر إن لم نتكاتف ونتصدي لهم.

وجميعنا أمام امتحان حاسم إما ان نتصدي لتلك الجماعات كل منا في مجاله وبقدر ما يستطيع ان يفعله أو يقدمه، أو ان نصمت وينجح الارهابيون في تتفيذ مخططاتهم، والمسلمون علي الأخص أمام امتحان حين يصبح الإسلام تهمة جنائية يحاسب عليها القانون، لإثبات ان المسلمين إرهابيون أمام العالم، فلابد من نشر التوعية الصحيحة لدي الشباب الذي يحتاج الي إعادة ترتيب أفكارهم حتي لا ينخدعوا وينساقوا وراء تلك الأيدلوجية والفكر الارهابي، وعلينا الفهم السليم لقيمة وطننا ونعمل علي بناءه واستقراره، وإرثاء قيم الإنتماء للوطن في الأسرة الواحدة وتوعية الشباب الصغير، كما هي مهمة كل هيئات ومؤسسات الدولة حتي لا تستطيع العناصر المتطرفة الاستحواذ علي الشباب.