الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى تحويل القبلة.. العلماء يوضحون الدروس المستفادة منها.. ويؤكدون: استجاب الله لأمنية الرسول وأمره بالصلاة تجاه المسجد الحرام لـ4 أسباب

تحويل القبلة
تحويل القبلة

«علي جمعة»:
  • تحويل القبلة حدث مرتين وليس واحدة
  • «4 أسباب» لتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الحرام
أمين الفتوى بدار الإفتاء:
أمنية الرسول الكريم تحققت في شعبان

يشهد اليوم الموافق الخامس عشر من شهر شعبان، ذكرى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الحرام، والتي تُعد حدثًا عظيمًا في تاريخ الأمة الإسلامية، ويرصد «صدي البلد» مراحل تحويل القبلة واستجابة اله تعالى لأمنية الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن ‬تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام في ليلة النصف من شعبان، لم يكُن التحويل الوحيد ولا الأول.

وأوضح أن تحويل القبلة حدث مرتين، أولهما كان في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى؛ حيث كان العرب قبل الإسلام يُعظمون البيت الحرام ويمجدونه، ولأن هدف الإسلام هو تعبيد الناس لله، وتنقية القلوب، وتجريدها من التعلق بغير الله، وحثها على اتباع المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، من هنا اختار لهم التوجه قبل المسجد الأقصى.

وأضاف: أما التحويل الثاني والأخير للقبلة، كان في شعبان، وبعدما استقر الأمر لدولة الإسلام في المدينة، فصدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام، ليس تقليلًا من شأن المسجد الأقصى ولا تنزيلًا من شأنه، ولكنه ربطًا لقلوب المسلمين بحقيقة الإسلام، حيث رفع سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل – عليهما السلام- قواعد هذا البيت العتيق ليكون خالصا لله، وليكون قبلة للإسلام والمسلمين، وليؤكد أن دين الأنبياء جميعًا هو الإسلام، كقوله تعالى: «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ».

أربعة أسباب لتحويل القبلة:
وأكد «جمعة» أن في كل مرة حدث تحويل للقبلة، كانت الحكمة مختلفة، حيث تحولت القبلة مرتين، أولهما من الكعبة إلى المسجد الأقصى، والثانية إلى المسجد الحرام.

وأكمل أن تحويل القبلة في البداية من الكعبة إلى المسجد الأقصى كان لحكمة تربوية، وهي العمل على تقوية إيمان المؤمنين، وتنقية النفوس وتطهير قلوبهم مما علق بها من شوائب الجاهلية، وأمثل لقوله تعالى:«وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ»، مكذلك ليظهر من يتبع الرسول اتابعًا صادقًا عن اقتناع وتسليم، ممن ينقلب على عقبيه ويتعلق قلبه بدعاوى الجاهلية ورواسبها.

ونوه إلى أن صدور الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام -التحويل الثاني- بعد أن استتب الأمر لدولة الإسلام في المدينة، ليس إلا تأكيدًا للرابطة الوثيقة بين المسجدين، فإذا كانت رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، قد قطع فيها مسافة زمانية قصرت أو طالت، إلا أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام كان رحلة تعبدية، الغرض منها التوجه إلى الله تعالى دون قطع مسافات، فلا مسافة بين الخالق والمخلوق، مستدلًا بقوله تعالى:«وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ».

واستطرد: وعندما يتجه الإنسان من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، فهو بذلك يعود إلى أصل القبلة ، فقال تعالى: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ»، فهي دائرة بدأت بآدم مرورًا بإبراهيم حتى عيسى - عليهم السلام-، ولكنها لم تتم أو تكتمل إلا بالرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم - فقد أخره الله ليقدمه، فهو وإن تأخر في الزمان فقد تحقق على يديه الكمال.

العلاقة بين تحويل القبلة وحُب الأوطان

ولفت «عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف» إلى أن الله سبحانه وتعالى كرم نبيه – صلى الله عليه وسلم - في ليلة النصف من شعبان، بأن طيب خاطره بتحويل القبلة، لتقر عينه، فقلبه معلق بمكة.

وأشار إلى أن أن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام جاء لتقر عين الرسول – صلى الله عليه وسلم - فقلبه معلق بمكة، يمتلئ شوقًا وحنينا إليها، إذ هي أحب البلاد إليه، وقد أخرجه قومه واضطروه إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، التي شرفت بمقامه الشريف، فخرج من بين ظهرانيهم، ووقف على مشارف مكة المكرمة، قائلا: «والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (رواه الترمذي).

وأضاف أنه صلى الله عليه وسلم ظل متعلقًا بمكة المكرمة بعد أن استقر بالمدينة المنورة، فأرضاه الله عز وجل بأن جعل القبلة إلى البيت الحرام، فكانت الإقامة بالمدينة والتوجه إلى مكة في كل صلاة، ليرتبط عميق الإيمان بحب الأوطان.

وبيّن الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن ذكرى تحويل القبلة تبعث برسالة وحدة الصف والتكاتف بين أبناء الأمة الإسلامية والعربية لمواجهة التحديات والمخاطر والمؤامرات التي تحيط بالأمة في وقتنا الراهن، مصداقًا لقول المولى عز وجل «وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» (سورة المؤمنون: 52) وقوله تعالى أيضا «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا» (آل عمران (103).

ووجه المفتي رسالة، قائلًا: «تهل علينا ذكرى ليلة النصف من شعبان هذا العام ونحن في أشد الحاجة لوحدة الصف والهدف لتحقيق التنمية المنشودة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ونشر الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة جماعات وقوى الشر والظلام والإرهاب التي تسئ للإسلام وهو براء من أفعالهم وقتلهم» .

أمنية الرسول الكريم تحققت:
لفت الشيخ محمد وسام، مدير الفتوى المكتوبة بدار الإفتاء، إلى أن شهر شعبان من الأشهر التي لها مكانة في الإسلام، حيث تُرفع فيه الأعمال، كما شهد أحداثًا مهمة وقعت في منتصف هذا الشهر العظيم، وكان من أهمها تحويل القبلة، أمنية الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

وألمح «وسام» إلى أنه ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتجّهون في صلاتهم إلى بيت المقدس امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، باستقبالها وجعلها قبلةً للصلاة، وفي تلك الأثناء كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما ظلّت تراوده، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلًًا من بيت المقدس، لأنها قبلة أبيه إبراهيم وهو أولى الناس به، وأوّل بيتٍ وضع للناس ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت.

وواصل: ويدلّ على ذلك قول البراء بن عازب: «وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة» رواه البخاري. مشيرًا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخالف أمر ربّه، غير أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى بيت المقدس بأن يصلّي أمام الكعبة، ولكن متّجها إلى الشمال، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس، حيث قال: "كان رسول الله يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه" رواه أحمد.

وتابع: ثم أذن الله بالهجرة، ووصل المسلمون إلى المدينة، وبُنيت المساجد وشرع الأذان والنبي لم ينس حبّه للكعبة، ويحزنه ألا يستطيع استقبال القبلتين جميعًا كما كان يفعل في مكّة، وكان شأنه بين أن يخفض رأسه خضوعًا لأمر الله وأن يرفعه، أملًا في إجابة دعوته، مضيفًا: ووصف القرآن الكريم حال النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: «قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» البقرة (144).

وأوضح: وبعد مرور 17 شهرًا و3 أيام من استقبال بيت المقدس، نزل جبريل -عليه السلام- بالوحي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليزفّ البشري بالتوجّه إلى جهة الكعبة، قال تعالى: «فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» البقرة (144).

سر قول النبي الكريم «شعبان شهري»
ذكر الشيخ محمد وسام، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- سمى شهر شعبان، بأنه «شهره»، لأن فيه ارضاه الله سبحانه وتعالى، وطيب خاطره بتحويل القبلة واستجاب لهواه.

واستشهد بما ورد أن السيدة عائشة أم المؤمنين -رضى الله عنها - قالت: « والله يا رسول الله ما أرى ربك إلا يُسارع لك في هواك»، موضحًا أن البلاغة في قوله تعالى: « قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا »، إنما تشير إلى مكانة النبي العظيمة عند الله، فمجرد إرادته وحركة جسده - صلى الله عليه وسلم - ودون دعاء استجاب له بتحويل القبلة في ليلة النصف من شعبان.
ونبه إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل لنفحاته مواسم، ووزعها على الشهور من كل عام، ليغتنمها المُسلم، ويُجدد خلالها العهد مع الله، ومنها ليلة النصف من شعبان، موضحًا أن هذه النفحات ليست النهاية، ولكنها تجديد للإيمان والعهد مع الله، فإذا بدأ الإنسان مع هذه النفحات بداية جديدة تجدد العهد مع الله.

حدث عظيم:
وصف الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، إن ذكرى تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى بيت الله الحرام حدث عظيم لفت أنظار الأمة إلى بقعة كريمة مباركة، وأراد الله -عزوجل- به أن يبين أهل الحق واليقين من أهل التردد والتشكيك والتآمر ليصطفي حملة الرسالة المحمدية وليثبت النبي صلى الله عليه وسلم ويقر عينه بقبلة يرضاها.

وأردف: أن تحويل القبلة لها من الدروس والعبر ما يضيق الحديث عن ذكره ومنها أن الله -عزوجل- علم المسلمون بأن يثبتوا على اليقين، وأن يكون جوابهم إذا ما سئلوا؛ كل من عند ربنا له المشرق والمغرب.

وأشار الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر إلى أن العبادات خارج التعليلات وأن المقصود من العبادات ابتلاء عين المكلف فقد نقبل حجرا ونرجم حجرا امتثالا لأوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، لافتًا إلى طاعة الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكيف نفذ الصحابة الأمر دون نقاش، مضيفًا: أن من دروس تحويل القبلة أنها البرهان الواضح على وسطية الإسلام الكفيلة بإسعاد الفرد والمجتمع , وأن ما جاء به الإسلام هو برنامج عملي إصلاحي للبشرية كافة.