الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رمضان في أوروبا وسؤال مستفز!


تظل العقيدة هي الأكثر تأثيرا في حياة البشر جميعا، وتظل محاولة الإتيان للأوامر وتجنب المواهب الصادرة عن أي عقيدة من العقائد، هي الحاكم الأول للسلوك البشري، وهي المحرك الأول لمعتنقي أية عقيدة من العقائد، ويصل البشر جميعا إلى صيغة نفسية متوازنة نابعة من الاعتقاد والإيمان بدين من الأديان وإن ظل هناك ما يؤرق الفكر الذي لا يهدأ حيث تطرقه الأسئلة وتصدمه أحيانا الإجابات.

يسأل أحد المسلمين، بحسن نية!: هل لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أبناء الدول الأوروبية ونزلت عليه الرسالة في هذه البلاد، هل كانت العبادات ستصبح بالشكل الذي توجد عليه الآن؟! حيث يتم استخدام التقويم القمري لأداء مناسك الحج، وفريضة الصوم، كما تستخدم العلامات الشمسية لمواقيت الصلاة، وكذلك لبدء ساعات الصيام ولحظة الإفطار، وكل ذلك غير واضح الملامح إطلاقا، نتيجة لطبيعة الجو، حتى بعد كل هذه التقنيات الحديثة، في عصرنا الراهن، في تلك البلدان، فما بالنا بما كان عليه الأمر منذ أربعة عشر قرنا!.

لا شك أن السؤال يبدو مستفزا وغريبا على آذان وأذهان المسلمين في عالمنا العربي، ولا جدال في أنه لو طُرِحَ منزوعا من الحسن النية، لهوى بصاحبه "المسلم" إلى هاوية سحيقة من الكفر، حيث إنه يتضمن شكا واضحا وتشكيكا ظاهرا في الرسالة وصاحبها صلى الله عليه و سلم، وكأن بمن يطرح السؤال يسلط سهاما في جوهر الدين وثوابته، ويشير إلى أنه لم يأت من لدن عزيز حكيم، أنزله على عبده الصادق الأمين ليكون صالحا لكل زمان ومكان.

ولكني لم أر في السائل ذي النية الحسنة، كل ذلك ولم ألمح فيه غير تفكير منطقي، لا يَخِلُّ بعقيدته التي هي متغلغلة في أعماق أعماقه، هذا التغلغل الذي يجعله يأتي بفرائض الدين الإسلامي، قدر استطاعته، والتي يعمل على أن يأتيها كاملة، أما هذه الأسئلة فإنما أَوْحَت إليه بها تلك الظروفُ التي يعيشها، والأجواء التي يشهدها، والتي تستثير كوامن نفسه أكثر ما يكون في شهر رمضان الفضيل، الذي يجعل مثل تلك الأسئلة ماثلة شاخصة تعلن عن نفسها بوضوح، خاصة حينما يصادف قدوم الشهر الفضيل، هذا التوقيت من العام حيث يكون نهار شهر رمضان المبارك أطول ساعات من نهارٍ على الإطلاق في أوروبا والنمسا في القلب منها بطبيعة الحال.

وإن كان الفقهاء قد استطاعوا أن يُوَفِّقوا إجابات لأسئلة الصلاة، ويستسيغها السائل وأغلبية المسلمين في أوروبا، وذلك بالجمع بين صلاتي المغرب والعشاء، لتأخر العشاء لمنتصف الليل تقريبا، والتي يعقبها الفجر، بالنمسا، بعد أقل من ثلاث ساعات، حيث ساعد على استساغة هذه الفتوى، ما هو مشهور في الجمع بين الصلوات: ظهر مع عصر، ومغرب مع عشاء، في السفر، أما فتاواهم بالنسبة لصيام نهار شهر رمضان الفضيل، فلقد جعلت المسلمين في أوروبا أُمَمًا مختلفة، وليس أمة واحدة، حيث تعددت الفتاوى ما بين صيام ساعات النهار مهما طالت، وهناك دول لا ليل فيها تقريبا، والصيام حسب أقرب بلد إسلامي - وهنا نسأل ماذا لو افترضنا أن هذا البلد الذي يقيم فيه السائل أصبح إسلاميا؟!- والصيام لمدة أربع عشرة ساعة، والصيام بدءا من ساعة الإمساك في بلد الإقامة والإفطار مع أهل مكة باعتبارها " أم القرى"، أو عدم الصيام مطلقا وإخراج فدية بإطعام مسكين عن كل يوم في الشهر الفضيل.

ولعل من حكمة الله سبحانه وتعالى أن تنزل الرسالة المحمدية على نبيه الكريم في شبه الجزيرة العربية، ردا على سؤال حَسِن النية عن ماذا لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد في شبه الجزيرة العربية، بأجوائها وأحوالها المعروفة في ذلك الوقت منذ أربعة عشر قرنا، ونزلت عليه الرسالة في إحدى الدول غير المعتدلة، في أن ذلك كان ضمانا للدعوة وطقوس عبادتها، حيث كان من اليسير آنذاك معرفة الأوقات بدقة تكفي لإقامة تلك الشعائر الإسلامية، وهو ما يمكن أن يتوفر الآن! من خلال تلك التقنيات الحديثة في كافة بقاع الدنيا، وإن بقت تلك الإشكاليات المعقدة، الناشئة، ليس من الدين في ذاته، بل من الفقهاء الذين في اختلافهم رحمة بالأمة كما هو مُدَوَّنٌ في الصفحات الأولى من كل كتب الفقه، والذين يفشلون المرة تلو الأخرى في إيجاد أجوبة مناسبة، يُتَّفَقُ عليها، وتكون قابلة للتطبيق لتلك الأسئلة التي تدور في أذهان المسلمين الذين يتوقون للاستمتاع بطقوس شهر رمضان المبارك كما يتوقون لأداء فرائض دينهم بطريقة تتناسب مع أحوال البلاد التي يقيمون فيها، وأن ينجحوا في إشعار جديد الأجيال المسلمة بجمال ونفحات هذه الطقوس الدينية، التي لا تَستشعرها تلك الأجيال بنفس ذلك الإحساس الذي تعمَّق فيمن عاش طفولته وصباه في أجواء البلدان الإسلامية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط