الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمريكا.. إيران.. توتر حقيقي أم مسرحية هزلية!!


تشهد المنطقة العربية، خاصة منطقة الخليج، حالات من الشد والجذب السياسي على فترات متقاربة خاصة في ظل توتر قد يكون مصطنعا بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وإيران وفي أوقات أخرى بين إيران والدولة الصهيونية، ويستخدم قادة الأطراف الثلاثة التهديدات التي يتوهم البعض أن الوقت فعلا قد حان لإطلاق الصواريخ علي الجانب الآخر سواء طهران أو تل أبيب وقد تبدأ أمريكا بناءً على أوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي المثير للجدل "ترامب".

وقد شهدت الأيام القليلة الماضية بداية أزمة تصريحات وتدفق سيل هادر من التصريحات العدائية التي يطلقها صقور البيت الأبيض وأصوات محذرة من خطورة أن تتحول الحرب الكلامية إلى مواجهة عسكرية كاملة، خاصة في ظل تزايد التوترات وغياب الحوار الفعال بين الجانب الأمريكي الذي يقوده رئيس أهوج زاد من إثارة العالم منذ وصوله للسلطة وإدارة إيرانية تتسلح بدعم صيني روسي.

وقد يعتقد البعض أن تعرض ناقلات نفط أمام سواحل الإمارات لعمليات تخريب ومصافي بترول سعودية، وراءها إيران التي تسعي لحرب باردة عبر وكلائها في الخليج، لكنني أعتقد أن هناك أيدي صهيونية تضع زيت ساخن على النار المشتعلة لتزيد من استفزاز القوات الأمريكية وتعجل بنشوب حرب حقيقية مسلحة بين الجانب الأمريكي ونظيره الإيراني، لكن في الحقيقة أن حادث تعرض ناقلات نفط إماراتية لعمليات تخريب أو تعرض مصفاة بترول سعودية للتخريب ليس بالحادث القوي الذي يجعل صقور البيت الأبيض.

والرئيس الأمريكي يبادر باتخاذ قرار حرب قد تعيد الأذهان إلى حرب فيتنامية جديدة بمنطقة الخليج والحادث ليس بالخطورة الحقيقية الذي يبعث على القلق أو أنه ليس بالحجم الذي يفجر حربا حقيقية، خاصة أن المعتدي عليه ليس الكيان الصهيوني التي تعد المسرحية الحالية من أجله وليست من أجل حماية دول الخليج كما يدعي ترامب والإدارة الأمريكية، خاصة أن الاثنين اتفقا على مبدأ أن الخليج بأكمله لا يستحق أن يسال من أجله دماء جندي أمريكي واحد ولكن السياسية ومصالحها تتصالح أمام حماية الكيان الصهيوني الابن الشرعي لأوربا وأمريكا وأن الجميع اتفق على تسخير كل إمكانياتهم لحماية الكيان الصهيوني واستنزاف خيرات المنطقة العربية وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد.

نحن لا ننفي المسئولية على الحاكم العرب أو منطقة الخليج على وجه الخصوص الذين سمحوا بغبائهم السياسي المعهود وعدم تقدير المسئولية معتمدين على أموالهم في تحريك البوصة السياسية في الاتجاه الذي يريدونه هؤلاء الحكام، لكنهم فشلوا كالعادة واستكملوا غباءهم بالتودد بدون وجه حق للكيان الصهيوني في إشارة لإرضاء القيادة الأمريكية، وهو الأمر الذي يشبه إلى حد كبير لعبة القمار السياسي الذي عادة يتسبب في خسارة صاحبة كل الرهانات.

لكن الأزمات وحالات الشد والجذب بين النظام الإيراني والإدارة الأمريكية الذي يظهر على سطح الأحداث بين وقت وآخر جعل المتابعين يتساءلون عن جدية إدارة ترامب في خوض حرب حقيقية ومسلحة على النظام الإيراني، وهو الأمر الذي يجعلنا نكرر سؤالا معادا ويتردد دائما، خاصة أن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة مرت بمراحل توتر مستمر بعد انتهاء حكم الشاه منذ ما يقرب من أربعين عاما، لكنها في نهاية المطاف تنتهي على مجرد تصريحات، يضاف إليها في كل مرة حزمة من العقوبات سواء الاقتصادية أم السياسية، خاصة أن إيران لم تتغير أو تبدي استعدادات غير عادية هذه المرة وأن إستراتيجيتها في مواجهة التهديدات الأمريكية المستمرة بالرد عليها بمزيد من التصريحات النارية ومقابلة التهديدات الأمريكية بمزيد من عمليات التسويف لكسب المزيد من تحقيق برنامجها النووي ووضع العالم أمام سياسة الأمر الواقع والاعتراف بإيران النووية رغم أنف الإدارة الأمريكية وأوربا كلها وإذا نجحت إيران في الخروج ببرنامجها النووي للنور، فإنها بذلك ستكون قد انتصرت انتصارا ساحقا على الكتلة الأمريكية الأوربية دون أن تطلق رصاصة واحدة، وهو الأمر الذي قد يغير شكل العالم وإعادة رسم خريطة ميزان القوى في العالم كله من جديد لتصبح إيران في مواجهة التحديات الأمريكية الأوروبية، لكن هذه المرة ستكون أكثر قوة لأنها امتلكت قوة الردع ويصبح الخليج والمنطقة العربية تحت مرمى النيران الإيرانية بسبب تقاعس العرب والخليج على تحديث التسليح في مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه العالم كله بما فيها المنطقة العربية عامة ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي قد يصحو العالم يوما على صفقة جديدة بين طهران وواشنطن بدلا من صوت طلقات الرصاص والصواريخ وهجمات الطيران، وأنا بصفة شخصية لا أستبعد هذا الأمر أبدا بدليل المواقف والتجارب والأزمات السابقة التي مرت بها العلاقات بين طهران وواشنطن على مدار الأربعة عقود الماضية بعد انتهاء حكم الشاه في أواخر العقد السابع من القرن الماضي من ناحية وتصريحات ترامب التي يعترف فيها بشكل واضح بأنه لا يريد أن تصنع إيران سلاحًا نوويًا، وأنه لا يريد حربا مع إيران وهذا ليس بالشيء الكثير، وأنه مستعد للتفاوض على صفقة جيدة للطرفين، ووعد طهران بالمساعدة على أن يكون للإيرانيين وضع أفضل في المستقبل.

يجب أن نتفق جميعا على مبدأ واحد هو شبه استحالة نشوب حرب حقيقية أو مواجهة عسكرية مباشرة بين الجانب الإيراني والإدارة الأمريكية لأن الخاسر ببساطة شديدة إذا نشبت حرب حقيقية وموجهة مسلحة هما أوربا وأمريكا وسيكونان أكبر الخاسرين لأن أسعار النفط ستتأثر بشكل كبير جدًا، مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجغرافي لإيران وعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع العالم الذي يجعل الأمر من غير الممكن نشوب حرب حقيقية بين طهران وواشنطن، وهو الأمر الذي يؤكد للجميع أن الأمر مجرد مسرحية هزلية مكشوفة لتخويف الخليج من الخطر الإيراني المزعوم وتدفق المزيد من مليارات النفط إلى الخزانة الأمريكية وعلى طريقة "ادفع بالتي هي أحسن" بدلا من أن نترك الدب الإيراني ينفرد بالحمل المريض وأقصد هنا منطقة الخليج.

الأمور في منطقة الخليج والمنطقة العربية تزيد اشتعالا وتتشابك الأزمات وتتعقد الأمور شيئا فشيء، وأن الذي يدفع الفاتورة هم العرب وأن الخليج هذه المرة هو المنطقة المريضة التي تحاول البحث عن دواء ينقذها من مخطط مجهول قد يغير خريطة المنطقة قريبا، ويحسب للإدارة المصرية خروجها من هذا المخطط المشبوهة وتصل إلى ذروة قوتها رغم محاولات حصارها من كل جانب سواء كانت الحدود الغربية التي تمتد لأكثر من 1100 كيلو متر والحدود الشمالية الشرقية ومحاولة وضع سيناء داخل صفقة القرن المشبوهة وهناك في الجنوب السودان الذي يعج الآن بالفوضى وأصبح لا يقل خطورة على مصر، وربما أن هذا الأمر هو الذي جعل الرئيس عبد الفتاح السيسي يستدعي الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، الخارجية، وعقد جلسة مباحثات ثنائية منفردة تلتها جلسة مباحثات حول ضرورة مواجهة ومكافحة الإرهاب ومنع عبوره عناصر إرهابية من الحدود السودانية تجاه الدولة المصرية، وبالتالي فإن الحفاظ على وحدة الأراضي المصرية أصبح تحت سيطرة القيادة السياسية الحالية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي نجح في إرساء شخصية قوية للدولة المصرية في الخارج والداخل واتخاذ قرارات نابعة من إرادة شعبية حقيقية مستقلة دون الاعتماد على أحد.

في النهاية كلمة للتاريخ، أتوقع أن يأتي العام القادم في مثل هذه الأيام قد نري خريطة جديدة للمنطقة وأن يشهد ميلاد دويلات جديد واختفاء دول وتقسيم أخرى، ولكن ما يحسب لمصر وقيادتها الحكيمة نجاحها في الخروج من مخطط ما يسمى "صفقة القرن" منتصرة قوية بل إنها ستكون إحدى القوى الموجودة بمنطقة الشرق الأوسط التي تحدد شكل البوصلة السياسية الجديدة، وأنها أحد الأجنحة القوية التي يسعى الجميع للتحالف معها وهي من تختار من يحقق لها مصالحها، إنها لغة القوة التي أصبحت تتحكم في إدارة العالم حتى إشعار آخر.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط