الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تجربتى مع السرطان


إقتربنا من توديع شهر رمضان وساعات ونستمع إلى تكبيرات العيد ولكن سأسرد لكم أصعب لحظات حياتى فى أخر هذه الأيام التى جرت فى سرية تامة .

إستيقظت على كابوس وإكتشفته بمنتهى الصدفة ورم فى "الثدى" وفجأة إسودت الدنيا بعينى وأيقنت بكل ثقة أن "البعبع"الذى أخافه دوما قد حضر وأننى بعلم الطاقة جذبته من شدة خوفى منه وأثرت على علاقاتى بمن حولى.

وزادت عصبيتى أضعافا ولكننى لم أذرف دمعة واحدة كل ما جاء فى مخيلتى أننى أحمد الله على الإبتلاء وأننى أرضى بما كتبه لى سواء كان الورم خبيثا أو حميدا ولأن تاريخ العائلة حافل بمرضى السرطان فعماتى عانين من هذا المرض اللعين فمات خمس منهن بهذا المرض فإستودعت نفسى الله وتوكلت عليه ورضيت بالقضاء والقدر وتوقعت أنها أيام وربما شهور وأودع حياتى ولا أعرف لماذا تملكنى التشاؤم برغم أننى لم أكشف بعد.

فتذكرت معاناة كل من المحاربات الصامدات فايزة المحاربة القوية التى أضعها كنموذج للمرأة القوية التى غيرت من نفسها وطورت منها ومن نمط وأسلوب الحياة بعد إصابتها "بالسرطان" تحولت من ربة منزل لا تعمل ضعيفة مستسلمة لكل ظروفها الصعبه إلى إمرأة قوية تأخذ كورسات توعية وتتغير وتحضر مؤتمرات وندوات وتعى وتفهم أكثر عن مرضها تواصلت مع الأطباء المساعدين والمعاونين لها فى رحلتها وتعرفت على محاربات مثلها تعلمت منهن كيف تحب الحياة وتتأقلم وبإستمتاع مع حالتها ومع القدر الجديد أصبحت تكتب مقالات على صفحتها تواصلت مع إعلاميات ومع صحفيين وفنانيين وأصبحت تعيش بحب وكأنها لم تكن تعرف السعادة من قبل .

ومن المحاربة فايزة تعرفت على الدكتور أبوبكر وهو المحاضر والباحث فى أبحاث خصصها لعلاج السرطان وهو نفسه المحاضر الذى حضرت له المحاضرة الطويلة جدا عن مرض السرطان وهذا اليوم فرق فى حياتى لليوم لأننى لأول مرة أعلم ما هو السرطان ومن أين يأتى وكيف نصاب به وكيفية العلاج منه وكيف نخلق "لايف ستايل" جديد لمعيشتنا ونغير كل عاداتنا الخاطئة فى الطعام ومن هذه المحاضرة كتبت اهم مقال فى حياتى وهو بعنوان "إحم نفسك من السرطان" الغريب فى هذه المحاضرة أن المحاضر نفسه د.أبوبكر هو نفسه مريض سرطان وكان يختبر على نفسه وعلى عينات من أمريكا العلاج الذى يستخدمه وطريقة الحياة الجديدة الخاصة بالنوم والطعام والإمتناع عن أى ضغوطات أو سلبيات ...الخ

ظلت معرفتى بـ د.أبوبكر سنه وكنت على تواصل معه دائم وهو إنسان خلوق ومحب للبلد وطيب المعشر وكان يشاركنا على صفحته كل بضعة أيام ببوست طويل يروى فيه كل ما حدث له فى مرضه حتى أصبح يكتب البوست يوما بعد يوم عندما وصل وتمكن المرض تقريبا من كل أجهزته وهو يسخر من هذا الملعون ويتهكم عليه وكأنه يصارع رجل أمامه والذى سرع فى تدهور حالة د.أبوبكر أنه قرر أنه يمتنع عن الأدوية وجلسات الكيماوى وسيعالج نفسه بطريقته المستحدثة ولكن المشكله الحقيقية أن المرض أصاب الرئة والكلى واخيرا الكبد وعلى ما أذكر عظام الصدر فتحولت حياته هو وزوجته فى النهاية إلى كارثة آلام مبرحة لا تتحمل أصبحت المسكنات لا تجدى معه ولكنه كان متشبث بالحياة ويقاوم إلى أن كتب بوسته الشهير الذى كان يرثى فيه نفسه ويعلم أنه يستنشق رائحة الموت تقترب منه.

وفوجئنا ببوست على الصفحة ينعى د.أبوبكر ويضع حدا لآلامه المبرحة الذى وجدته أفضل من وصف آلام السرطان فكانت بوستاته مهمه لى غفر الله له و للمحاربين جميعا.

أذكر هذه النماذج لأريكم أننى لست بعيدة عن هذا العالم فأنا أستشعر معاناتهم وزكاة المال أحب أن تكون موجهه لهذه المستشفيات التى تعالج آلاف الفقراء بالمجان كمستشفى بهية المتخصصة بسرطان الثدى ومعهد الأورام ومستشفى يعقوب وأبوالريش والجذام والقلب والحروق ووو ...الخ.

وأوصيكم كما أوصى نفسى هذه السنه لأننى علمت بأن هناك مستشفيات تحتاج للتبرعات وهى لا تعلن فى التليفزيون كما تعلن غيرها مثل مستشفى الأورام بالمنصورة ومستشفى القلب بالمنصورة ومستشفى العيون بالمنصورة دعونا نساعد بعضنا البعض فهذه التبرعات تحول حياة المريض من حال إلى حال .

وأعود إلى حالتى التى جعلتنى أسترجع كل هذه النماذج فى حياتى والخلفيات المرضية لعائلتى ولشعورى دائما أننى سأموت عند عمر ٤٦ ولا أدرى لماذا وأنا الأن أقترب من ٤٢ فتملكنى شعور بالنهاية القريبة وأقسم بالله أننى تجمدت وأصبحت صلبة فى هذا الموقف وذهب منى إحساس الخوف وهو إحساس طبيعى ياتى لنا جميعا من الموت لانه مجهول ولكنى ما عدت خائفة ولا قوية ولكنى صامدة تائهه حزينه .

إختفى هذا الشعور وهدوء أعصابى كان ممزوجا برضا بقضاء الله مع إستسلام وتسليم بالواقع ومع علمى التام بأن سرطان "الثدى" يعالج وينتهى تماما إلا أننى إستسلمت وعشت أيام أرى موتى وأبحث عن المدفن الذى سأدفن فيه بل أصبحت أخطط لأولادى ماذا سيفعلون فأنا كل شئ فأنا عمود البيت لم يألمنى موقف فى هذه الأيام كموقف "سوتى" إبنتى عندما وضعت يدها على الورم وقالت لا لا.. لا تتوهمى "إن شاء الله خير" وتحدثنا على باب الحمام وتركتها وذهبت لأفطر لأن شلل المفاجأة جعلنى حتى الساعة الثامنة لا أفطر والبيت "مكهرب" من الصدمة وفجاة يصرخ إبنى "سوتى" ويجرى على أخته ليلتقطها من الأرض فلقد فقدت الوعى لدقائق وحملناها ووضعناها على السرير ومسكت يدها وقبلتها فتحتضنى وعينيها ممتلئة بالدموع فكان شعورا مميتا.

قررت إذا كانت النتيجة مؤكدة بأنه "سرطان الثدى" لن آخذ كيماوى ولن أبهدل نفسى فالموت الخفيف يأتى براحة للمريض ولأهله ولأنى أعلم جيدا مدى معاناة الأهل.

جميع من فى البيت إعترضوا على قرارى فنظرت و"شاورت"بيدى هذا قرار نهائى.

لم أخبر أحدا ولا حتى المقربين منى جدا ولا حتى أختى التى هى كل حياتى وقررت أننى فى صمت سأذهب لإجراء الأشعة بعدما حددها لى الدكتور فى التليفون "الماموجرام" وهو طريقة الفحص الأكثر فاعلية للكشف عن وجود سرطان فى "الثدى" فى مراحله المبكرة ومن الممكن أن تكشف هذه الأشعة عن سرطان " الثدى" قبل أن يكتشفه الطبيب المختص بفترة طويلة فهى مهمة جدا كإجراء وقائى لكل سيدة.

دخلت على "جوجل" وبحثت أول شئ عن مكان مستشفى بهية ومواعيدها فى رمضان وعرفت أنها فى أول طريق الهرم ثم بحثت عن أعراض المرض وشكله وكيفية إكتشافه لدرجة أننى دخلت "يوتيوب" لأبحث عن تجارب لمحاربين السرطان وبالفعل إستفدت كثيرا

فبرغم كم البرامج والاعلانات ووو...الخ إلا أن ثقافتنا بهذا المرض ضئيلة لأننا نسمع ولا نهتم لأن التجارب تقول كلما كان المرض بعيد عنك فأنت فى أمان .

ذهبت لأجرى الأشعة المطلوبة ومع أننى قررت أن أجريها بعد العيد ولكن فعلا البيت كله فى قلق وأنا لعدة أيام لم أنم حرفيا إلا ساعتين متقطعتين فى اليوم فذهنى مستيقظ ويفكر ويخطط ويخرج السيناريو وعينى مغمضة كلما فتح أحد غرفتى وجدنى مستيقظة فقررت أن خير البر عاجله وتوكلت على الله .

لأننى أقطن فى العجوزة إخترت معملا خاصا مشهورا قريبا منى فذهبت معمل قريب من فيلا "فريد شوقى" لمن يعرف المنطقة ومن بيتى للمعمل أمشى على قدميّ أتنفس بشكل طبيعى مستسلمة بشكل رهيب لقضاء الله وقدره وأكلم "ربنا" وأقول : "والله أنا مش هزعل كل اللى هتجيبة جميل وأنا راضية أنا الحمدلله عشت حياة راضية عنها حتى مع الكوارث اللى حصلتلى من صغرى لكن راضية ولو خيرت هختارها تانى لأنك قوتنى وكنت معايا ، أنا بحبك بجد وسامحنى لو زعلتك فى يوم أنت عارف بجرى عليك وأطلب غفرانك لأنى مليش غيرك وحتى لو هموت مش زعلانة أنا الحمدلله راضية ...الخ"

وكل هذه المناجاة طوال طريقى ذهبت بمفردى للمعمل ثمن الأشعة "الماموجراف والسونار" ٩٠٠ جنيه وكسور طلبت منى الممرضه "كارنيه"ناد اى ناد إجتماعى فسألتها قالت حتى تأخذى خصما ٢٠% فطلبت ابنتي ان تحضره أو تصوره وأصبح المبلغ ٧٦٠ جنيها وأذكر هذه المعلومات بالتفصيل كى تكون عندكم المعلومات الكاملة بكل تفاصيلها لأننى إستفدت من خبرات من سبقونى وقررت أن يكون مقالى معلومات تفصيلية تفيد الجميع ومن كانوا مثلى لا يعلمون أى تفاصيل دقيقة .

دخلت غرفة الفحص أخبرتنى الممرضة أن أخلع كل ملابسى من أعلى وأعطتنى الروب الأزرق لألبسه نظيفا لا يستعمل إلا لمرة واحده خلعت ملابسى وخرجت لها وأوقفتنى على جهاز ضخم به جزء مثل الطبق المربع ينزل عليه علبه زجاجية شفافة تضغط على الثدى ومن أسفل هذا الطبق ضغطة صعبة وبدرجات تتحكم فيها الممرضة ويدى تمسك فى يد جانبى والرأس تبعد عن مكان الأشعة وتنزل الكاميرا لتلتقط عدة لقطات للثدى من اليمين للشمال ثم تأتى الممرضه من وراء الزجاج الخاص بها "لتعوجنى"قليلا وأريح يدى أكثر وتلتقط الكاميرا عدة لقطات لكل جوانب "الثدى" تتكرر نفس المراحل على "الثدى" الآخر وبعد أن ننتهى تخرجنى من الجهاز وانتظر الدكتورة للدخول لغرفة "السونار" هو جهاز تليفزيونى كجهاز فحص الجنين تماما طلبت منى أن انام وأفتح الروب وأضع يدى الشمال خلف رأسى وأميل للجهه التى تجلس فيها الدكتورة أمام الشاشة سكبت السائل على "الثدى" ومررت جهازها على "الثدى" يمينا ويسارا طولا وعرضا وتمشط جميع أطراف "الثدى" حتى تحت الإبط لتتأكد من شكل الخلايا والأنسجة فى هذه الأماكن المجاورة كل هذا وأنا من شدة البرودة دخلت بحالة عصبية وكنت أحاول أن أقرأ وجهها ربما أستشعر أى شئ ولكن ماذا سأستشعر وأنا واثقة تماما فالورم أصبح واضح وظهر فى يوم وضحاها
قولت "يارب" ووجدتنى أقول دعائى المفضل " اللهم إنا نجعلك فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم " وأخذت أكرره لأجد صوت الدكتورة مقاطعا همساتى أولا إطمنى الحمدلله ده مش ورم ده كيس مائى ...

وكأننى لم أفهم الجملة أو حدث شلل دماغى لبرهه إسترددت وعي وعينى تدمع لأول مره وأقول الحمدلله وهى كالسيف تدخل لقلبى بألم ... الم الإرهاق والتفكير والقلق والمعاناة والخضوع والخنوع للقدر .

وسألتها وما سبب هذا الكيس قالت إرجعى إلى طبيبك ولكن مبدئيا محتمل أن "هرمون اللبن عالى عندك" وهذا سيظهر بالتحاليل وقالت " لو مضايقك ممكن نفضيه بإبره " "فأجبتها على الفور لا لا فلا أحب أن ألعب فى شئ ربما يتحول لشئ أخر أفضل مراجعة طبيبى" .

فحصت لى "الثدى" الاخر وقالت لى هنا ليس كيسا واحدا بل عدة أكياس داخلية" فالآخر شعرت به لأنه قريب من سطح الجلد ويظهر بالفحص اليدوى أما الآخرون ظهروا بالسونار فقط فأفضل مراجعة طبيبك .

دخلت الغرفة لأرتدى ملابسى وأنا سعيدة أريد أن ألبس سريعا كى أخرج وأفرح إبنتى التى تنتظرنى وتذكرت مرضى السرطان وآلامهم ودعوت لهم دعاء من عمق القلب .. وخرجت مهرولة مبتسمة.

نظرت لى إبنتى وإبتسمت وتمسكت بيدى وقالت ألم أقل لكى فقد قرأت على وجهى الفرحة.

سعادة لا توصف فهذا الباب يخرج منه الحزين التى تحطمت كل اماله وأيضا يخرج منه السعيد الذى يشعر بلحظة ميلاده عندما تنطق الطبيبة وتقول مبروك .

قررت أن أكتب هذه السطور الطويلة كى أشجع الجميع على الفحص المبكر وأيضا كى أقول أن حتى وأنتن تمسكن الورم بأيديكن ليست نهاية الطريق فالقرب والتوكل على الله بصدق والدعاء يرفع أقدار وأقدار فكونوا فى معية الله دائما مهما أخطأنا ومهما تجاوزنا ومهما بعدت المسافات لا مفر من الهرولة إليه فهو المنجى من كل هم وهو رافع كل كرب .

وأخيرًا : الحياة قصيرة مهما طالت والحياة طويلة مهما قصرت ، الصحة لا يدرك قيمتها إلا من فقدها أو مر بتجربة كتجربتى.

وبالفعل مقولة "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى" صحيحة ١٠٠% لأن الصحة نعمه لا يدركها إلا من ذاق طعم الآلام ومعاناة المرض على المريض وأسرته .

ودعونا نودع رمضان بالدعاء لمرضانا ومرضى الجميع فلعل بدعوتنا المجهولة يرفع إبتلاء أحدهم ونكون جميعًا سببًا..

كل عام ونحن جميعا بأتم صحة وأحسن حال وعيد سعيد.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط