الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كان يقف 3 أيام بلياليها حاملا 67 رطلا من الرمل للقبول بالمهنة.. قصة حرفة السقا التي روت عطش المصريين

مهنة السقا التي روت
مهنة السقا التي روت عطش المصريين

في إحدى الحكايات الشعبية المتناقلة بين الأجيال، أن حمارا كان ينتظر نهايته فشكا قائلا: «عندما لا أعود أستطيع الجري فسوف يغطون ظهري بسرج خشبي ويسلمونني إلى سقاء يجعلني أحمل المياه في القرب والجرار ويا لها من نهاية حزينة»، وخلدت تلك الحكاية الشعبية معاناة السقائيين، وكل من عمل بتلك الحرفة على مر التاريخ.

واحدة من أكثر المهن والحرف التي سجلت في ذاكرة المصريين، وأكثر الحرف الرئيسية التي ارتبطت بسقيا المياه، وري عطش الناس، إنها حرفة «السقاء»، فهل سألت نفسك كيف كان يشرب الناس المياه قبل التطور الحديث وقبل أن تشق شبكات المياه وتصل للمنازل.

عرفت مهنة السقا قبل التطور الحضاري، بقيام شخص أو مجموعة من الأشخاص بإيصال مياه الشرب إلى البيوت والمباني، وكانت تقوم عليها حياة الأشخاص، لكون هذا الشخص «السقا» معنيا بنقل المياه من الأبار والخزانات والانهار إلى المساجد والمنازل والكتاتيب والأسبلة –جمع سبيل- لتوفير المياه للناس، لذلك فقد كان يتحمل الكثير من الصعاب من أجل توفير الماء للمحتاجين إليه، وكانت الأخلاق والأمانة هما رأس ماله.

كان السقاءون يحملون القرب المصنوعة من جلد الماعز على ظهورهم وهي مملوءة بالماء العذب، ومن ثم اللف في الشوارع لتوصيل تلك المياه للمنازل، وبيع المياه لهم مقابل أجر كان يتم الاتفاق عليه مسبقا بين السقا ومن يوفر لهم الماء.

كان السقاءون يحملون القرب المصنوعة من جلد الماعز على ظهورهم وهي مملوءة بالماء العذب، ويجولون بها الشواع، إلا أنه ورغم تلك المشقة كانت لتلك المهنة متطلبات خاصة فيمن يتقدم للعمل بها، حيث يلزم للمتقدم لهذه المهمة اجتيازه اختبارا مبدئيا، وهو أن يستطيع حمل قربة، وكيس مليء بالرمل يزن حوالي 67 رطلًا لمدة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي دون أن يسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم.

وخلال عصر الدولة المملوكية، فرضت على السقائيين رقابة صارمة، فكان المحتسب وهو الشخص المكلف بالرقابة على الأسواق، يعين عريفا على السقائين ليساعده في مراقبتهم والإشراف عليهم لمنع وقوع أي إهمال، فكان يجب على السقاء أن يدخل في النهر حتى يرى الماء ثم يملأ القربة ليضمن سلامة الماء من التلوث، وعليه أن يلبس سراويل قصيرة تستره وتساعده على نزول النهر بسهولة، كما ينبغى أن يكون الوعاء نظيفًا وأن تكون يداه نظيفتين، وعندما يبيع الماء للمارة في الشوارع يجب أن يغطي الرَاوية بغطاء سميك حتى لا يسكب الماء منها ويؤذي المارة.

وخلال فترة انتشار حرفة سقيا المياه، كان «السقا» هو الشخص الوحيد الذي يدخل أي بيت سواء كان أصحابه أغنياء أو فقراء، حيث كان يقوم بحمل قربته، ويضع فيها الماء البارد الذي يضيف إليه مادة «الشبه» لينقيه من رواسب طمي النيل، ليصبح نظيفًا وصالحًا للشرب، ويمشي في الأسواق والشوارع ليشرب الناس من الماء.

ولكي يحصل «السقا» على أجره، كان بعضهم يعد خطوطا بعدد القرب التي أحضرها للمنازل أو الأشخاص، ليسجل عدد القرب التي حملها لهم، في حين كان بعض منهم يسلم صاحب المنزل «ماركات» وهي حصوات مشغولة أو خرز، بعدد حصوات مساوِ لعدد المرات المطالب فيها بملء الزير لصاحبه، فكلما ملأ الزير أعطاه «مارك» حتى ينتهي العدد فيتلقى أجرته المتفق عليها مسبقًا كاملة.

ولتحصيل أجره كان «السقا» يسير في الشوارع والطرقات وينادي بعبارات «سبيل يا عطشان»، و«الجنة والمغفرة يا صاحب السبيل»، و«يا رب عوض علي»، و«العوض على الله... عليه العوض»، فيفتح الناس له الأبواب ليصب المياه ويدفعوا له أجره المرات السابقة.

ظلت مهنة «السقا» تروي عطش الناس حتى تراجعت أسهمها في الشوارع المصرية في بداية من عام 1865 م مع بداية نشأت مضخات المياه وتوصيلها لأماكن العامة، لكنها لم تندثر في هذا الوقت واستمرت لفترة كبيرة معتمدة على عدد من الأماكن التي لم تصلها مياه الشرب عن طريق المضخات، حتى انقرضت تلك المهنة وباتت في ذاكرة المصريين.