الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشا شكر تكتب: شريف عرفة يأخذ راية السينما المصرية إلى طريق الأمل بفيلم الممر

صدى البلد

قد لا تكون هذه المقالة الأولى والأخيرة عن فيلم الممر للمخرج شريف عرفه وهو من بطولة كوكبة عظيمة من فناني مصر أخشى أن أسقط أحد أسمائهم. فيلم الممر يقال عنه الكثير والكثير ويكفي تفاعل الجمهور معه الذي لم نره مع أفلام كثيرة وحرفيًا ردود تأتي على الهواء وكذلك يقال الكثير عن الايرادات ولولا طول الفيلم لزادت حفلاته وتمكن من تحقيق أعلي مما يحققه وكما أن لنجاحه الساحق في جذب فئة من جماهير السينما امتنعت تماما عن حضور الأفلام المصرية من جميع الأعمار والأجيال حديثا آخر وكذا خروج الأحاسيس الرائعة الكامنة بداخلنا والتي غمرت مشاهدي الفيلم أمرا تقشعر له الأبدان وإبداع كل الفنانين واتقانهم لأدوارهم ونضوجهم الفني والحرص على تقديم مواهب جديدة ومشاعر فخر المصريين بالملحمة الوطنية المقدمة، زادنا عشقاِ فوق عشقنا لأرض أم الدنيا.


الفيلم يشكل وعيا جديدا بتجديد الرسالة المقدمة على الشاشة الفضية وجدد إنتاج الفيلم بوابة إنتاج الأفلام الحربية التي تمكن منها الصدأ ودخل منها ملايين المشاهدين الفخورين بتاريخ وطنهم وجيشهم العظيم.

فكرت كثيرًا أن أكتب عن الجانب الفني للفيلم أولًا ومقارنته بالإنتاج الأمريكي عن أفلام الحروب ولكنني اخترت أن أبدأ بتفسير سر الاقبال غير المسبوق على فيلم الممر في زمن قياسي من أعمار وأجيال لم تشهد حروبا وقررت أيضًا أن أشكر المخرج الكبير شريف عرفه على تاريخه المشرف في هذا المقال. قكل من شاهد الفيلم تحدث عن جماله ومشاهده وسوف اتحدث عن هذا لاحقًا في مقالة أخرى ولكن خروج فيلم الممر للنور يعطيني الفرصة عمليًا للحديث عن ما كنا فيه من مشهد عابث وعن راية جديدة يرفعها فيلم الممر في أوجه الكثيرين اعتقدوا إنهم تملكوا جمهور السينما المصري الذي هو في الحقيقة في حالة امتناع عن دخول الأفلام المصرية ويفضل الأفلام الأجنبية كمنتج مضمون وله مستوي جودة معينة خاصة أن أسعار تذاكر السينما لم تعد بالرخيصة. فشعرت أني أريد الحديث عن راية شريف عرفه وطاقم الانتاج لفيلم الممر.

المشهد السينمائي في العشرين سنة الماضية ليس بالهين ولا يجب أن نستهين بنتائجه بعد كل ما مرت به مصر من أحداث. وفيلم الممر يؤكد علي أن الفن والسينما من أدوات تشكيل الوعي في المجتمعات بالإنتاج الراقي الذي يخاطب مشاعر غريزية بداخلنا وهي حب الأوطان وتقديرنا اللامنتاهٍ لمن يقسم على حماية أوطاننا حتى لو كان الثمن التضحية بأرواحهم. نعم السينما متعة بصرية وسمعية ولكنها أداة لتشكيل الوعي وهو أمر واضح وجلي في انتاج هوليوود الأشهر على الإطلاق في انتاج أفلام الحروب.

ولي هنا عرض عن مشهد سينمائي لوث حياتنا في العشرين سنة الماضية بالرغم من وجود أفلام جيدة ولكنها لم تفتح بوابات جديدة كما فعل الممر فهو بحق ممر لمرحلة سينمائية جديدة ..

دعوني هنا أشرح المشهد السينمائي الماضي بإذن الله من حياتنا إلى اللاعودة بفضل جمهور واع والمشهد البائس الذي سيطر عليه المتمسحون في الدوائر الأجنبية والزاحفون نحو المنتجين الأجانب والتمويل الأجنبي والعربي في كل المهرجانات، وهي أجيال سينمائية ظهرت في حياتنا في النصف الثاني من العقد الأول ٢٠٠٠ والعقد الحالي على وشك الانتهاء وهي أجيال مصرية عجزت عجزًا شديدًا في فهم ديناميكية أكبر أسواق الانتاج في العالم وأشدهم غزارة في الإنتاج مثل سوق صناعة الأفلام الأمريكية أو البوليودية أو الهندية. هذا الجيل الذي لم يقدم صناعة سينمائية حقيقية أو فكرا راقيا ومتحضرا يخاطبون به العالم الخارجي أو الجمهور داخليًا لتكون سينما بمثابة حصنً لعقول ملايين الشباب المصري الواعد أو حتى سينما لها هوية مصرية واضحة فمعظمها جهود فردية في مشهد هزيل في المجمل.

هم المتمسحون واللاهثون وراء مهرجانات عفوا في ما أقوله تقف قزمة ضئيلة أمام المارد من الجمهور المصري الذي تتمناه أي دولة تستضيف أي مهرجان أي ما كانت. حتى أصبح الجمهور المصري ينفر من نوعية أفلام اللاهثين وسينما المتعلمين الزائفين وسينما التجار معًا وهما وجهان لنفس العملة الخالية من وجود استراتيجية كاملة واعية لصناعة سينما دول. ولو كان كل وقت اللهث وراء المهرجانات أيا ما كان تم استثماره في تكوين مجموعات عقول مفكرة ووطنية قادرة على تشكيل الذاكرة السينما المصرية وكتابة تاريخ إنتاجها بشكل مختلف لما تهاوت السينما هذا التهاوي وأقبل الجمهور المصري على الانتاج الأجنبي والأفلام الأمريكية. الأفلام المصرية بتاريخها أصبحت تلهث وراء مهرجانات عمرها في بعض الاحيان لا يتخطي عمر إنتاج فيلم مصري واحد.

وبالنظر إلى الوراء خلال الـ ١٥ -٢٠ سنة الماضية نجد سينما مصرية مهلهلة حتى لو استطاعت بعض الأفلام تحقيق بعض الايرادات فهي في النهاية سينما بلا هوية أو توجه لا يقودها أحد وما زالت يصنعها الفرد والجهة الواحدة وبعض المجموعات أو الشلل وهي سينما بلا توجه واضح أو ناضج ماتت بين طياتها العديد من المواهب وكثير من فناني مصر معنوياِ لأنهم لم يجدوا أنفسهم في هذا المشهد الهزيل.

وفي خضم كل هذا العبث ظهر توجه عابث كاد يفرض نفسه على صناعة السينما على إنه سينما التيار الرئيسي أو سينما المين ستريم ظنًا إنها يمكن أن تستبدل السينما التجارية وهي كارثة تسمى السينما المستقلة التي تبناها بعض الزاحفين وراء على كل ما هو أجنبي وكل المهرجانات التي ليس من شأنها أبدًا رفع راية السينما المصرية لأننا بالنهاية سوق منافس.


جاءت هذه النوعية وجاء معها نوعية سينمائيين كادوا أن يقضوا على السينما أيضًا فهي سينما لا تبذل آي مجهود للالتفات لهوية السينما المصرية ودراسه تاريخها بوعي وثقافة ناضجة سينما الزاحفين للمهرجانات لابهار القائمين على هذه المهرجانات وليس بالمنتج المصري واتخذ البعض هذه النوعية التي لا تشكل أيه أهمية في تاريخ دول صناعة السينما الكبرى سبوبة لإدعاء الثفاقة وفهم القضايا. واعتقدوا أن هذا ما ينتظره الجمهور المصري واعتقدوا أن هذه النوعية التي لا تشكل سوى صفر على الشمال من النوعية التي يجب آن تمثل مصر في مهرجانات.


للأسف كانت هذه النوعية البوابة الأولى لتشويه المجتمع المصري أمام المجتمع السينمائي وأمام العالم لأنها سينما إرضاء الجهات الأجنبية التي لا يهمها سوى ما تؤمن به وهي نوعية أفلام لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تستبدل الافلام التجارية وهي أفلام الصناعة الحقيقية التي تعمل من أجل الجمهور وليس لجهات أجنبية.

وللعلم السينما التجارية الصناعة الحقيقية وهي سينما جوائز الأوسكار. الأوسكار لا يعطى لنوعية الأفلام التي فرضت علينا سينما المهرجانات والسينما المستقلة الفقيرة فنياِ وفكرًا والتي يقوم بها بعض الهواة دون توجيه انتاجي محترم عال المهنية كما يحدث مع الأفلام التجارية. وهي بالطبع سينما التمويل الأجنبي وسينما المتعالين على المجتمع باسم الدفاع عن قضايا المجتمع. والحقيقة لو أرادت الأمم أن تبني صناعة سينما بمفردات هُويتها وتاريخ هذه الأمم ستلجأ حتما للسينما التجارية كالسينما الأمريكية والهندية.

وعودة لهؤلاء المتمسحين الهواة فقد قام هؤلاء اللاهثون بالقفز وراء كل ما هو ليس مصريا بانتاج أفلام المهرجانات بأدوات ترضي الزبون الأجنبي متناسين أنهم يأتوا من مصر وفرضوا ملفتا لسينما غريبة لا نتذكر منها أي شئ لأنها سينما الصفر على الشمال في دول صناعة السينما الكبرى ولا تخاطب غير فئة معينة قادرة على الكلام المنمق والتشدق بقدرتهم على الحوار وفهم القضايا المعقدة وهي نفس ألسنة التشويه بالمناسبة لأن الكثير منهم حتى يظهر قدرته على فهم القضايا الشائكة يجب عليه نقد كل شيء. وللأسف هذه الفئة عاجزة عن الاحساس بروح الأشياء وبروح الأوطان وفهمهم لرسالة الفن السامية بشكل عام وتظهر أفلامهم عاجزة عن ابهار هذا المشاهد العادي.

فئة الزاحفين وراء المجتمعات السينمائية خارج مصر واللاهثون وراء ارضاء وسائل وسائل الإعلام الغربية عاجزة كل العجز عن تشكيل أي وعي لأي أمة والأهم عاجزة عن بناء صناعة داخل بلادهم. هي تلك الفئة البائسة التي تعتقد أن الاغتصاب هو قضية المرأة المصرية الأولي وأن المرأة المصرية لا تقوم بأي عمل في حياتها سوى ركوب اتوبيس ليتحرش بيها أحدهم.. سينما العقول القذرة المنحطة التي تروج لصورة محدودة تبدأ بالنصف الأسفل.


من منا يعتقد أن هذاه الفئة قادرة على حمل عبء صناعة السينما المصرية؟ تلك الفئة هي المسئول عن فتح الباب على مصراعيه لسينما العشوائيات. أصابوا المجتمع المصري بالنفور التام وأصبحنا أمام قطبين من الانتاج فئة الفاهمين الزائفين وفئة شباك العشوائيات وضاعت السينما المصرية العظيمة على يد سينما المهرجانات البائسة وسينما التجار ولأن الفكر متحجر في كلا الطرفين من حيث التوجه أسسوا لثقافة الشلل المقززة في مجتماعتهم السينمائية وأصبحت السينما عاجزة عن إفراز المواهب لأنهم يشتغلون مع أصحابهم من أصحاب نفس التوجهات الفكرية المشينة لأي مجتمع وبدا المشهد السينمائي فقيرًا أمام شعب الــ١٠٠ مليون.

فيلم الممر للمخرج شريف عرفه والمنتج هشام عبد الخالق

وبعد مشاهدتي لفيلم الممر للمخرج شريف عرفه والمنتج هشام عبد الخالق... استطيع الآن أن التقط أنفاسي وأقول لنفسي ولغيري من الغيورين على السينما المصرية وتاريخها الحمد لله على السلامة من القلب ...

دائما اطمئن نفسي وغيري في كل ما نمر به على جميع المستويات عند الشكوى من الضيق من شئ بعبارة "الميزان لازم يعدل مسأله وقت"... وبدأ الميزان يعدل بميلاد فيلم الممر... نرى بريق أمل يصفق له ملايين المصريين في دور العرض السينمائية منذ بدء موسم عيد الفطر وحتى الآن فالإقبال شديد والحفلات بالحجز. خرج جمهور يعلن عن إعادة ثقته في السينما المصرية خرج جمهور عريض يعلن عن تجديد ثقته في عمل سينمائي مصري قام على تنفيذه مخرج مصري مخضرم مثل شريف عرفه له تاريخ مشرف وخلال مسيرته اكتشف العديد من المواهب ومازال يكتشف ونشهد أن شريف عرفه طوال مسيرته لم يكن من الزاحفين اللاهثين وراء المجتمعات السينمائية خارج مصر.. ولهذا نال أكبر جوائزه وهي في نظري تقدير واحترام الجمهور المصري والعربي لأي عمل يضع اسمه عليه.


أفلام شريف عرفه لطالما أدخلت البهجة على حياتنا وبيوتنا بمنتهى اليسر لأنه من أحد المخرجين الذين برعوا في اخراج الأفلام الكوميدية غير المبتذلة والمسفة والتي تضع البسمة علي وجوهنا وتدخل البهجة بشياكة وبساطة تصل بسهولة وأذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر عبود على الحدود وفيلم الناظر وفول الصين العظيم وإكس لارج وغيرهم كما أن له تاريخ إخراج لأنواع مختلفة من الأفلام من الثمانينيات حتى الآن لا حصر لها ما بين الجاسوسية والتشويق وغيرهم.

جاء فيلم الممر لشريف عرفه تتويجًا لمسيرة مخرج مصري مؤمن بالجمهور المصري والمشاهد المصري قبل كل شئ. جاء تتويجًا لتاريخ مخرج مصري لم نسمع عنه غير إنه مخرج شاطر له أفلام مميزة وأعماله لا تتلون بالأحداث لهذا نشاهد أفلامه ونستمتع بها في كل التوقيتات وفي كل وقت.. هو مخرج كله همه إخراج أفلام ناجحة في نظري ولم يهتز بكل ما مرت به السينما أو على الأقل هكذا بدت أعماله في المجمل. لم يلهث وراء اثبات ذاته خلال العشرين سنة الماضية من خلال مهرجانات لا قيمة لها. فجاءت أفلامه ناحجة جماهيرية بالدرجة الأولى في أحلك أوقات السينما المصرية.

وسيظل اسم شريف عرفه مقترنا بأفلام سينمائية حاولت جاهدة أن تسعد المشاهد المصري بفن سينمائي له رؤية حتى جاء فيلم الممر وكسر حواجز كثيرة بينه وبين جمهوره قد يكون اعتقد هو شخصيًا إنه لا يمكن كسرها حتى جاءت مفاجأة جمهوره بالتقدير والاحترام لأحد أهم اعماله وهو فيلم الممر. والذي دخل به بوابة أفلام الحروب من أوسع الأبواب وصفق له الجمهور المصري المخلص له ولأعماله والأمين في رأيه تصفيقًا حادا على الإبداع والإحساس الوطني المصري الراقي الذي أخرج به هذا العمل الرائع.

ودورنا كجمهور أيضًا أن نشكره ليس فقط لأنه فتح أبواب انتاج الأفلام الحربية مرة أخري ولكن لأنه أعطي أملًا كبيراِ لقاعدة عريضة من الجمهور فقدت الأمل في السينما المصرية. سمعت عن أصدقاء وأهالي لم يشاهدوا أفلاما مصرية منذ سنوات أجبرهم فيلم الممر على الخروج من المقاطعة وعن امتناعهم.


نشكر شريف عرفه علي مسيرته الفنية المشرفة كمصري وكمخرج يمثل السينما المصرية. لأنه ظل المخرج المصري الذي أبقى عينه على جمهوره وأعطاه كل ما يملك تحت كل الظروف مهما كانت ضاغطه عليه. عينه علي مصر وجمهوره في مصر. ثم أعطاه جمهوره ولم يتأخر لحظة عن قرار التصفيق في كل مشهد بذل فيه شريف عرفه مجهودا ليصل إلينا بهذا الجمال في دور العرض.

لقد بذل شريف عرفه كل جهده ليسعد جمهوره بأفلامه وأكررها ليسعد جمهوره ولم أر شريف عرفه يتملق أحدا غير جمهوره المصري بأعماله المتميزة الناجحة. لم يلهث قط وراء أوهام في أماكن بعيد حلمه كان دائما تحت أرجله في بلده مصر يعلم جيدًا قدر التاريخ السينمائي الذي يأتي منه. وإيمانه طوال هذه السنوات الطويلة بعمله وبنفسه وقدره ومكانته وعدم اقتران اسمه بأحداث عابرة أو اعمال تُخدم على اجندات مشبوهة في مهرجانات التمويل كما حدث في العشر سنوات الماضية ومهرجانات ليس لها علاقة بتوجه وطن أو جمهور كبير.


أعد المشهد لفرصة شكر جمهوره له عندما خرج الممر للنور وعندما حانت الفرصة صفق له هذا الجمهور الذي كان يراقبه ويراقب أعماله وربما في صمت ولكن عندما حانت الفرصة رفعه على الأعناق لسابع سماء في دور العرض.

شكرآ شريف عرفه على تاريخك المشرف وعلى اسمك الذي حافظت عليه في زمن لم يتوانَ فيه الملوثون الزاحفون عن سحق تاريخ السينما المصرية العريقة بضآلتهم .. جمهور شريف عرفه الذي عمل من أجله كل هذه السنوات خرج في مظاهرة تقدير واحترام بحق لفيلم الممر الذي نتمنى أن يمر بنا وبسينما مصر الغالية لممر صناعة السينما وصناعة الفن الذي ستتوارثه أجيال وأجيال.