الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشيخ أحمد حسين الأزهري يكتب: هل حقًا.. يغلب الدارس الفارس؟!

صدى البلد

نُشرت صورة كرسي شيخ العربية العلامة الشيخ محمود شاكر - رحمه الله- على فيسبوك مؤخرًا وتداولها المئات، وقد رأيتها قديمًا واستشكلت المكتوب فيها، ولم تمنعنى معرفة نسبتها حينئذ عن الاستشكال، والصورة مكتوب عليها (الدارس يغلب الفارس) . ولما أعيد نشرها قبل أيام على إحدى الصفحات رأيت من الضروري أن أدوِّن ما خطر في بالي حولها.

أولًا: هذه الجملة تحتمل معان صحيحة أو مقبولة، كالإشارة إلى علو منزلة العلماء، وتقدُّم رتبتهم على رتبة غيرهم، والإشارة إلى شرف العقل على الجسد، والإشارة إلى أن التغيير بالكلمة أبلغ من التغيير باليد لاستمرار أثرها؛ إلى غير ذلك. والظن أن الأستاذ شاكر أراد بذوقه الأدبي معنى كهذا، إلا أن نفي «الحمولات» الأخرى للجملة، التي تدور في أذهان البعض، خصوصًا من الشباب، وإن كانت غائبة عن ذهن كاتبها رحمة الله عليه، أمر عسير.
ثانيًا: قد تفهم عبارة «الدارس يغلب الفارس» المصادمة بين الاثنين، والحقيقة أن الدارس يحتاج الفارس، والفارس يحتاج الدارس، إذ الحق لا ينتصر إلا بهما، وقد وقعت الإشارة الإلهية إلى هذا المعنى في القرآن العظيم: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: «قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد». واستشهد له بقول السلف رحمهم الله: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء». ولا ينفي هذا التكامل أن مرتبة العلماء مقدَّمة على مرتبة الملوك، كما قال الإمام الرازي رحمه الله في «مفاتيح الغيب»، بدلالة تقديم ذكر إنزال الكتب على إنزال الحديد. وهذا المعنى ثابت مقرر في مواضع عديدة في كتاب الله تعالى، وقد أشرت إليه في النقطة السابقة، ولكن التفاضل في الرتب لا يستلزم التصادم والمنافرة.

ثم إن الدارس مجاله الدرس، والفارس مجاله الفروسية. فنعم، الدارس يغلب الفارس في الدرس، ولكن لا يغلبه في الفروسية إلا إذا كان دارسًا وفارسًا، ويغلبه في الفروسية من حيث هو فارس لا من حيث هو دارس. وكذلك الفارس يغلب الدارس في الفروسية، ولا يغلبه في الدرس إلا إذا كان فارسًا دارسًا، وحينئذ يغلبه في الدرس من حيث هو دارس لا من حيث هو فارس. وعمومًا الدارس يغلب الفارس في الدرس، كما يغلب أيضًا المحامي والطبيب والسمكري والجزار والتاجر؛ فكان ماذا؟! والفارس كذلك يغلب الدارس في الفروسية، كما يغلب المحامي والطبيب والسمكري والجزار والتاجر! ما الجديد؟!

ثالثًا: ظاهر العبارة، أو أخذها بالمعنى الحرفي، يؤكد وهمًا خطيرًا راح ضحيته كثير من الشباب، وهو أن الحق ينتصر لذاته بذاته. وهذا قول يناقض القوانين الطبيعية الكلية التي لا نتخرم إلا بالمعجزات النبوية، وقد انقضى زمانها، ونحن كمسلمين مأمورون برعاية السنن الكونية، فهي نظام الله تعالى المقدَّر في أرضه، وبه تقع المقدورات التي قضاها الله تعالى بحكمته. وإذا عُلم هذا، عُلم أن الحق لا ينتصر إلا بقوة. والمقصود قوة حقيقية، وليس توهم القوة. ونحن شهدنا وما زلنا نشهد للأسف دغدغة حماس الشباب بمشاريع واهية لتحرير المسجد الأقصى ونُصرة المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وهذه المشاريع الزائفة تستخدم مثل هذه الشعارات الرنانة: الدارس يغلب الفارس! فهل غلب الدارسُ الفارسَ حينما اقتحم جنود الاحتلال المسجد الأقصى؟! 

رابعًا: كلامي السابق مبني على أن الألف واللام في «الدارس» و«الفارس» للجنس، أي أن جنس الدارس يغلب جنس الفارس، أما إذا كان الألف واللام للعهد، فيكون المقصود دارسًا بعينه وفارسًا بعينه، فهذا جائز، بشرط أن يكون الدارس فارسًا أيضًا، وإلا فالدارس لا يغلب الفارس في مجال الفروسية إلا من حيث هو فارس أيضًا، أما مجرد الدراسة فلا تفيد إذا كانت المغالبة في الفروسية. وعليه، فهذا الدارس الذي غلب الفارس، كان دارسًا وفارسًا. فالمغالبة كانت بين فارسين، أحدهما دارس والآخر لا. ولا أظن هذا المعنى خطر في أذهان الحالمين أصحاب الشعارات الوهمية.

خامسًا: هذه العبارة كما أنه من السهل حملها على المعاني الصحيحة المذكورة أولًا إذا وضعت في سياق مناسب، أو إذا تذوقها الإنسان تذوقًا أدبيًا، فهو من الصعب حملها عليها إذا نشرها أصحاب توجه سياسي وفكري متماهٍ مع مواقف وآراء جماعة الإخوان الإرهابية. 

والله الهادي لا رب سواه.