الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رشـا شـكر تكتب: ترشيحات الأوسكار تأتي مبكرًا مع فيلم المخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو

صدى البلد

شاهدت مؤخرًا فيلم المخرج الأمريكي الشهير كوينتن تارانتيو "في يوم من الأيام في هوليوود" والذي اجتاح دور العرض في العالم هذا الشهر.
 المخرج تارانتيو حاصل على جائزتين أوسكار عامي ٢٠١٣ و١٩٩٥ والجائزتين عن كتابته لفيلمين قام بكتابهما وإخراجهما وهو من المخرجين الأمريكيين المعروف عنهم كتابة أفلامهم. وفيلمه الأخير هذا هو أحد أفلامه التي قام بكتابتها أيضًا وإخراجها وقد بدء كتابته منذ خمس سنوات ويقوم ببطولة الفيلم النجمين الحاصلين على جائزة الأوسكار ليوناردو دي كابريو وبراد بيت في أول تجربة عمل مشترك لهما مع فريق كبير من الممثلين لا يستهان به. كما يشترك معهما أيضًا في بعض المشاهد الفنان المخضرم والحاصل على جائزة الأوسكار آل باتشينو. أما البطولة النسائية فكانت للنجمة الاسترالية مارجو روبي. فريق كبير من الممثلين والكل يؤدي أدواره بإحترافية شديدة حتى لو كانت لبضع دقائق على الشاشة.

والفيلم من نوعية النوستالجيا أو الحنين إلى حقبة معنية وهي الحقبة الستنينة في مجتمع وحياة هوليودد. الفيلم طويل ومدته تقريبًا ١٦٠ دقيقة أي ثلاث ساعات إلا ثلث وتغطي أحداثه فترة الستنيات في هوليوود فنيًا واجتماعيًا الفيلم من نوعية الدراما مع لمحات من الكوميديا الملطفة للأحداث. ووبالرغم من إنه دراما إلا أن المخرج تارانتيو لم ينسى أن يترك بصمته الشهيرة في تنفيذ أحد مشاهد العنف في واحد من أجمل مشاهد العنف في ختام أحداث الفيلم حيث أطلق عنان الخيال كعادته في تنفيذ مشهد العنف والتي تميز بها طوال مشواره الفني.

الفيلم مغاير لطبيعة الأفلام السائدة والتي تحتل أعلي الإيرادات والتي يطلق عليها الفرانشيز أو أفلام السلاسل والأجزاء والتي يكون اليد العليا فيها للجهة المنتجة للحفاظ على هوية الأجزاء والشخصيات الثابتة. أفلام المخرج كوينتن تارانتيو من الأفلام الهوليودية التي يضع فيها بصمته وبقوة بداية من الكتابة وحتى الإخراج فافيلم "في أحد الأيام في هوليوود" بنكهة تارانتيويه من الدرجة الأولي وهذه البصمة الإخراجية دائمًا ما تترك مساحة كبيرة للإبداع وللأفكار ولتغيير سير الأحداث كما حدث في نهاية الفيلم.

أحداث الفيلم مستوحاة من أحداث حقيقة وحقبة زمنية هامة ليس على المستوى السينمائي ولكن على مستوى المجتمع الأمريكي وتشكيله وتطوره وهنا ظهرت بصمة تارانتيو وتحيزاته الفكرية للأوضاع التي أحبها في فترة الستنيات و ما رفضه من أفكار وانتقم منه في نهاية الفيلم بطريقته.

الفيلم يتناول جزء من حياة النجمة الأمريكية الراحلة شارون تات ونهاية حياتها المأساوية التي تتعانق مع قصة أبطال الفيلم ليوناردو دي كابريو وبراد بيت بشكل رائع وهما أيضًا جزء من حياة هوليوود في هذا الوقت حيث يقوم ليونارديو دي كابريو بشخصية ريك دالتون و هو أحد نجوم هوليوود في مرحلة زوال نجومية يلازمه شريك مشواره الفني النجم براد بيت في دور كليف بوث والذي كان يقوم بدور الدوبلير له في جميع أدواره وانتهي به الأمر لأن أصبح معاونًا له وأحد أدوات دعمه المعنوي في الحياة طوال الفيلم.

وبالرغم من أحداث الفيلم كلها تدور حول شخصيتي ريك دالتون وكليف بوث إلا أن نهاية الفيلم تُوحي بإنه تم استخدامهما لصالح معركة صراع نفسي لكاتب ومخرج الفيلم تارانتيو مع حقبة زمنية وجريمة مقتل النجمة الأمريكية شارون تات التي ارتبط مقتلها بوجود وظهور بعض الحركات الاجتماعية التي كانت تأخذ صبغة دينية أو صبغة مجموعات الهيبي مثل عائلة مانسون والتي كانت تعيش في مزرعة سبان في الحقيقة وفي الفيلم والتي قادها تشارلز مانسون وكان معظم أعضائها من سيدات الطبقة المتوسطة متعاطي المخدرات ومرتكبي الجرائم ويقطنون منطقة قرب الصحراء. جسدها تارانتيو في الفيلم بأشبه بمجموعات ومناطق المشردين المنعزلين عن المجتمع الهوليوددي في لوس أنجلوس بإسلوبه. أراد المخرج أن يعيد إخراج الأحداث وكتابة تاريخ الأحداث انتصارًا لغضب ما بداخله أو ربما تمني لها شكل نهاية أخر غير المأساوي أو ربما لأنه كان معجب بهذه الحقبة الستنية وأراد أن يتغلب علي بعض مظاهر قبحها بالانتقام منه في مشاهد النهاية والتغلب على مظاهر القبح. وهنا تكمن بصمة تارانتيو القوية فكرًا وتنفيذًا لنهاية الفيلم. انتصر لوجهة نظره وما أرادأ أن يراه بعيدًا عن الواقع وتغلب على أحداث تاريخية بنهاية سعيدة مريحة. عبر عن رأيه في القبح ورفضه له بانتصاره عليه.

ظهرت النجمة مارجو روبي والتي لعبت دور النجمة الراحلة شارون تات في الفيلم علي هيئة شخصية تقترب إلى الملائكية في خفة حضورها وأسلوب حياتها وكأنها بالفعل في حياة أخري بعيدة الصخب الواقعي للحياة فهي قريبة وبعيدة في الفيلم. مشاهدها تقترب إلى قفاعة رشيقة مرحة جميلة داخل الحياة المعقدة وفي حياتها كثير من جمال حقبة الستنيات وأنوثة السيدات في الملبس والرشاقة وحب الحياة والتي جسدته مارجو روبي بمنتهي البراعة. لم تُكتب شخصيتها لتكون جزء من الأحداث حتي ما يُروى عن حياتها الزوجية والعاطفية يحكي من خلال سارد للأحداث وكأنها بالفعل أصبحت بعيدة عن الحياة. ظهرت في مشاهد عديدة ترقص على انغام الموسيقي في العالم الخاص بها حتى يبعدها عن الواقع. قصتها الحقيقة مؤسفة جدا حيث قٌتلت شارون تات وهي حامل وقبل أن تلد بأسبوعين مع بعض أصدقائها في منزلها وكان زوجها المخرج الشهير رومان بولانسكي في لندن في رحلة عمل، ظهرت شخصيتها في نهاية مشاهد الفيلم وهي حامل صامته وتعبيرات وجههالا تُوحي باتجاه ولكننا بصدد شئ ما. نحن لا نعلم هل يعدنا المخرج لمشهد نهايتها الواقعية ولا مفاجأته بصنع نهاية من صياغته. لا نعلم حتي نصل للنهاية. ولكن مما لا شك فيه إنه بالرغم من عدم ظهور شخصية شارون تات كثيرًا إلا أنه من الواضح إنها احتلت كثير من تفكير مخرج وكاتب الفيلم والتفت معظم أحداثه حول هذه الجريمة والنهاية المؤسفه لها والتي حاول بها إعادة كتابة التاريخ أو ما أراده.

لفت انتباهي مشهدين نسائيين متشابهين واحد لشارون تات والأخر لأخد شخصيات مزرعة سبان والتي التقى بها كليف بوث على الطريق وهو أن تارانتيو أظهر كلاهما في مشهدين وهما حفاة الأرجل واحد لشارون تات وهي في السينما تشاهد فيلمها وهي تضع أرجلها حافية على الكرسي الذي أمامها والمشهد الأخر في سيارة ريك دالتون بينما كان يعمل عليها كليف ديوث كسائق وركبت معه قاطنة مزرعة سبان ووضعت ارجلها حافية على زجاج السيارة الأمامي من الداخل. المشهدين يجمعان بين الإحساس بالراحة وعدم الأخذ في الاعتبار أشياء كثيرة. فالحقبة الستنينة في الغرب كانت بداية تحرر المرأة من قيود اجتماعية كثيرة ولكن التشابه بين المشهدين لا يعني أن التحرر يؤدي إلى نفس النتائج فواحدة قاتلة تعيش حياة المشردين على هامش المجتمع والأخرى قُتلت غدرًا ولم تؤذي أحدً وهي في طريقها للنجومية وزوجة مخرج كبير.

التكنيك والاسلوب السينمائي المستخدم في تنفيذ الفيلم يجب مشاهدته من خلال أحداث الفيلم فهنا نرى انفراد الاخراج والتصوير والموسيقي ويأتي دورنا كمشاهدين في التذوق الفني للمنتج الفني ككل. فنحن بصدد قماشة نسيج كبيرة جدًا نسجها المخرج تارانتيو على طريقته الخاصة جدًا بإبداع لك الحق أن تتذوقه أو ألا تتذوقه ولكن مما لا شك فيه أن المشاهد سُيقبل على تجربة الاستمتاع برؤية المخرج في حقبة الستنيات السينمائية التي أطلق عليها الذهبية وقد اختلف معه البعض في المسمى ولكن تبقي الحقب الذهبية تاريخ وأحداث بالطبع أولًا ولكن رؤية وتقييم للبعض أيضًا كما فعل تارانتيو. شخصيتي ليوناردو دي كابريو وبراد بيت تتكاملا في مباراة فنية لا تشبع منها العين مع حضور طاغي لهما وخبرة السهل الممتنع في التمثيل ولا وجه للمقارنه بينهما لتباعد تكوين الشخصيتين وتكاملهما نفسيًا في نفس الوقت. وبعد كل هذه السنوات من العمل اجتمعا النجمان في فيلم معًا ليظهر دويتو سينمائي جديد وناجح وله قبول عال ولا استبعد تكرار تجربتهما في أفلام أخرى.

الفيلم بانوراما سينمائية كبيرة من خلال رؤية وإخراج تارانتيو وضع فيها تفاصيل كثيرة جدًا ما بين صعود وهبوط نجوم هوليوود ووكلاء النجوم في ذلك الوقت وكواليس التصوير والحياة السينمائية بشكل عام وعلاقاتها وشوارع لوس انجلوس ومسارحها وحفلاتها الاجتماعية وبيوت فنانيها وأسلوب حياتهم وخرج خارج الدائرة الهووليودية ليجسد ما كان يحيط بها من مخاطر كما أبرز وضع المرأة في هوليوود في ذلك الوقت وطبيعة أدوارها وأيضًا توقعاته بمستقبلها وأمنياته الشخصية لها من خلال دور مبهر قامت به الطفلة جوليا بترز والتي كانت بمثابة إشارة إلى وضع المرأة في المستقبل وتطور حياتها المهنية والتي تستخدم فيها عقلها وثقافتها واتزانها بشكل متساو مع الرجل وقد أدت الطفلة جوليا دور مبهر مع ليوناردو دي كابريو في أحد مشاهد الفيلم يستحق التأمل والتفكير. وبه أطلعنا تارانتيو عن ما ستصل له المرأة الأمريكية من خلال دورها.

الفيلم له تفاصيل كثيرة جدا جدا تستحق المشاهدة وتعد بمثابة بانوراما ثقافية على الحياة الأمريكية في هذه الحقبة الستينية قد يستطيع المشاهد العربي التقاطها أو لا يستطيع ولكنها مما لا شك فيه نافذة على عالم مختلف عن الواقع الأمريكي الحالي وعن الحقبة السينمائية الأمريكية التي نعيشها أيضًا.