الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

استقرار الوضع الداخلي والعلاقات مع باكستان والصين.. أبرز تحديات الهند في أزمة كشمير

صدى البلد

أحدث القرار الهندي الأخير في إقليم كشمير، والمرتبط بنزع الوضعية الخاصة التي يتمتع بها إقليم جامو وكشمير، ارتدادات سياسية ودبلوماسية على مختلف الأصعدة، وباتت نيودلهي تواجه عدة تحديات دبلوماسية على الصعيد الدولي، وخاصة في علاقاتها مع باكستان والصين، فضلًا عن التحديات الداخلية والمتمثلة في حالة عدم الاستقرار الداخلي بولاية جامو وكشمير، حيث تواجه الحكومة معارضة شديدة.

ولا تزال الأوضاع في كشمير ملتهبة، وتنذر بمزيد من التدهور، وقد كانت تعد تاريخيًا من أكثر المناطق التي تفتقر للاستقرار بسبب النزاعات الإقليمية بين الهند وباكستان، وبين الهند والصين، المستمرة على مدى العقود القليلة الماضية.

وخلال الأسبوع الماضي، جاء رد فعل باكستان والصين للقرار الهندي قويًا، تمثل خاصة في رفع القضية إلى الأمم المتحدة من طرف إسلام آباد، لكن الهند حاولت صد المحاولات الأممية القوية، التي دفعت مجلس الأمن إلى اعتزام اتخاذ قرار بشأن الأوضاع الراهنة في جامو وكشمير.

يقول بعض المحللين إن أي تصعيد في أعمال العنف، مع إشعال الأوضاع المدنية، قد يجر المنطقة إلى دوامة لا تنتهي من العنف والعنف المضاد، فالحكمة تقتضي من نيودلهي وإسلام آباد أن يجلسا إلى طاولة الحوار، خاصة أن أزمة كشمير عواقبها وخيمة على مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة.

تحدي العلاقات مع باكستان والصين

لعل من أبرز التحديات التي تواجه حكومة الهند، هجوم المحور الاستراتيجي الباكستاني - الصيني، فلا يمكن تجاهل نيات إسلام آباد بمواصلة طرق أبواب مجلس الأمن بدعم مباشر من الصين، وكيفية استجابة مجلس الأمن في المرة المقبلة ستتوقف على الأوضاع القائمة على الأرض في إقليم كشمير، وأي انهيار للنظام والقانون في كشمير، مع استخدام نيودلهي القوة المفرطة ضد المدنيين، سوف يسفر عن إضعاف موقف الهند على الصعيد الدولي.

كما أن أي تصعيد للتوترات العسكرية مع القوات الباكستانية على حدود الإقليم، سيُعتبر تهديدًا صريحًا للسلام والأمن الدوليين، وسيوفر ذريعة للتدخل السياسي من قبل مجلس الأمن في الشؤون الهندية، وبالتالي، ستواجه الهند تحديات عصيبة في محاولة تقديم موقفها من قضية جامو وكشمير، وفق المعايير الدولية، وتحت الضغوط المحلية والدولية المتنامية.

ومن ناحية أخرى، فإن الشاغل الرئيسي لدى الصين لا يتمثل في كشمير بقدر ما يتمثل في إقليم لاداخ، الواقع على الحدود مع إقليم التبت الصيني (شرق)، ومع الركن الجنوبي الغربي لإقليم شينجيانغ، وكلاهما من الأقاليم التي تشهد وجودًا عسكريًا صينيًا كبيرًا.

كما أن التنافس الإقليمي بين الهند والصين ومزاحمة الأخيرة لمناطق نفوذ الأولى يعتبر من أبرز التحديات، وثمة عوامل كثيرة للتوتر في العلاقات، منها إدراكهما أن كلا منهما منافس إقليمي للطرف الآخر، فكلاهما مندفعان لتأمين مصادر الطاقة، وكلاهما لديه مصالح متضاربة في آسيا الوسطى والمحيط الهندي، ويُلقي العامل الباكستاني بتأثيره أيضا من خلال الدعم الذي تحصل عليه باكستان من الصين خاصة في مجال التكنولوجيا النووية، أضف إلى ذلك تفاقم مخاوف الهند من احتمالات نقل الغواصات التي شرعت الصين في بنائها إلى مياه المحيط الهندي بما يُهدد مصالحها الحيوية هناك بشكل مباشر.

إن قضية التشبيك في العلاقات بين الهند مع كل من باكستان والصين، لها ارتدادات سلبية ولكنها محكومة بالمصالح الاستراتيجية بعيدة المدى وبالقضايا العالمية الأخرى، وعلى الرغم من متانة العلاقات بين بكين وإسلام آباد؛ إلا أن الصين ليس في مصلحتها أن يتطور الصراع إلى مواجهة مسلحة وأن تقوم الدولتان باللجوء للعنف، وذلك لأن الصين تُعد من أكبر الشركاء التجاريين للهند، ويصعب على بكين التضحية بالمكاسب الاقتصادية مع دولة تتمتع بسوق ضخمة كالهند.

ولن تستطيع الصين التدخل بشكل مباشر أكثر من ذلك لدعم باكستان، وذلك تجنبا لقيام الهند بالتصعيد مع بكين، واعتبار ذلك تدخلا منها في الشئون الداخلية الهندية، وهي نفس الحجة التي تلجأ إليها الصين في معالجة أي انتقاد دولي لها لأي موضوعات متعلقة بالتبت، إقليم شينجيانج، والمظاهرات التي تجتاح هونج كونج الآن، فضلًا عن أن رؤية الهند لمبادرة "الحزام والطريق"، وهو مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، يمثل تحديًا كبيرًا لنيودلهي، كون إنشاء هذا الممر سوف يعزز الوضع الاقتصادي لباكستان، وهو ما تخشاه الهند بدون شك.

دعم استقرار الداخل

يمثل دعم الحكومة الهندية لاستقرار الأوضاع الداخلية في كشمير والابتعاد عن استخدام العنف ضد المحتجين، أبرز التحديات على المستوى الداخلي، خاصة بعدما منعت سلطات كشمير قادة المعارضة الهندية من زيارة إقليم سرينجار، بحجة أن الزيارة قد تؤدي إلى إذكاء التوتر في الإقليم.

ويقول بعض الخبراء إنه يتعين على الحكومة الهندية الآن تلمُّس خطواتها بكل عناية وحذر لموازنة مصالح الأمن في المنطقة، مع الخطوات المعنية بالحيلولة دون قمع حقوق السكان، وفي هذا الصدد، يقول براكاش مينون المسؤول الأسبق لدى مجلس الأمن القومي الهندي "يسود مزاج عام من الخوف في وادي كشمير في ظل الخطاب العام، المتمحور حول استعانة الهند بأدوات القوة المعهودة في إخضاع سكان كشمير، وذلك من خلال اغتصاب مزيد من الأراضي ونزع الهويات".

ووفقًا لمراقبين فقد أسفر إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي عن تغييرات جذرية في قضية كشمير، ذات الأبعاد الداخلية والخارجية، وتغيرت لغة الخطاب السياسي الهندي تجاه المحتجين، إذ تعتبرهم نيودلهي انفصاليين في كشمير، وباتت القضية مفادها أن مسألة كشمير ليست مسألة تنموية، بل تتعلق بتلبية تطلعات السكان السياسية وهي "الحرية".

ووفقًا للمحلل الأمني الهندي كانوال سيبال، فإنه "يجب على الحكومة الهندية بالأساس تصور ما تريد فعله، بدلا من تصور ما لا تريد فعله، حتى تتمكن من كسر حلقة عدم الثقة الراهنة، كما تحتاج إلى تضميد جراح كشمير بأسلوب سياسي، وبطريقة عملية وصريحة، وتتمثل الخطوة الأولى على هذا المسار في الانخراط في حوار إيجابي.. أما على الصعيد الاقتصادي، فلابد من وجود خطة للتنمية، تتعلق بإحياء طرق التجارة التقليدية في كشمير، ما يمكن أن يدفع في اتجاه تغيير الأوضاع الراهنة على الأرض".

يبقى القول أن إزمة كشمير تعد من الأزمات الخطيرة التي يمكن أن تفجر الوضع في المنطقة وهناك تماس حدودي مع دول كبرى كالصين وهناك الحرب الأهلية في أفغانستان، وهنالك العلاقات الأمريكية الأفغانية ومسألة طالبان، وهناك توتر في منطقة الخليج، هذا الامتداد الجغرافي يشكل خطورة على اندلاع أي صراع عسكري في المنطقة.

لاريب أن الغموض الذي يكتنف أزمة كشمير يمثل تحديًا كبيرًا لكل من الهند وباكستان والصين وبقية دول المنطقة، وليس ثمة مصلحة لنيودلهي وإسلام آباد في التدخل الإقليمي، أو التدخل الدولي، بل إن الحوار المباشر هو الآلية المناسبة لتجنب أي صدام مسلح محتمل، خاصة أن أزمة كشمير من الأزمات المعقدة والحساسة التي تسبب إشكاليات كبيرة في العلاقات الدولية وتترك آثارها السلبية على منطقة الشرق الأوسط برمتها.