الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيد مندور يكتب: حكاية بلد الشهداء

سيد مندور
سيد مندور

فى ذكرى انتصار السادس من أكتوبر، العاشر من رمضان، ونحن نتكلم عن الشهداء وما بذلوه بأرواحهم وهم يدافعون عن تراب وطنهم، ماتوا لكى تحيا بلادهم، لكى تحيا مصر. فجال بخاطرى أن أتناول أسم الشهداء وهو مركز من مراكز محافظة المنوفية. ولعل البعض يتساءل ما هي العلاقة بين شهداء النصر والشهداء؟

أقول لكم بأن العلاقة واحدة فشهداء الوطن ضحوا بأرواحهم من أجل حماية تراب مصر وشهداء موقعة الشهداء بالمنوفية ضحوا بأرواحهم من أجل حماية مصر من غزو الرومان، فمن هو أمير الجيوش وما هى قصة الشهداء التى سمى المركز بأسمائهم إنهم هم آل البيت ياسادة إنه شبل الأسود.

سيدنا محمد بن الفضل بن العباس عم سيدنا النبي، جمع بين النسب القرشي الشريف لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته العطرة فهو أحـد أشجع وأجرأ فرسان مكة وأحـد كبار محاربيها وأشهرهم جرأة وأكثرهم قوة وإقدام.

وكان سيدنا النبي قد وكل سيدنا الفضل بن العباس بالسفر بتجارة بعض المسلمين إلى أرض الحبشة يتاجر بها ويعود إلى المدينة مرة أخرى فذهب وأصاب فيها إصابة حسنة وحينما هم بالعودة استوقفه رجال الحكم فى الحبشة وأمروه بدفع حق التجارة على الأراضي الحبشية الضرائب فرفض. وقال لهم أنه ليس صاحبا لها، ولذا لا يملك دفع أموال عنها ورفض الدفع فاقتادوه إلى ملك الحبشة وكان يسمى بالنعمان ودخلا فى نقاش كبير إنتهى بحبس الفضل فى السجن دون طعام أو شراب حتى يهلك ويموت.

ولكن الفضل استعان بذكر الله فغلب الجوع والعطش ومر على مكوثه فى محبسه أكثر من أربعين يوما وفى هذه الأثناء مرض الملك النعمان مرضا إحتار فيه الأطباء وعجز عن علاجه الكهان، وكان للملك كاهنا بمثابة الوزير منه فطلب منه النصح والشورى فقال له الكاهن أننى أعتقد أنك مرضت بسبب ذلك العربى الرافض لدفع الضريبة فهو منذ رأيته وفيه أمر غريب.

فقال له النعمان: وهل تظن أنه لايزال على قيد الحياة كل هذه المدة دون طعام أو شراب فلما دخلوا عليه السجن وجدوه سليما معافا فإندهشوا وأحضروه للملك الذي سأله عن سر بقائه حيا فأخبره بمداومته على ذكر الله فدار بينهما حوار طويل حتى طلب منه الملك البحث عن طريقة لعلاجه فدعى الفضل بن العباس رب العزة له بالشفاء فشفى الملك وأسلم وجعل كل من فى مملكته يسلم لله رب العالمين فوهبه الملك جارية حسناء اسمها ميمونة وعاش بينهم يعلمهم دين الله ورسالته على نبيه المختار صلوات الله عليه.

وكان رسول الله قد بعث بوفد للاطمئنان عليه بعد غيبته وعلى رأسهم معاذ بن جبل والمقداد بن الأسود وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم أجمعين فوصلوا الحبشة يوم زواجه عليها فطلب من المقداد أن يكتب له عليها فتم عقد النكاح وولد منها ولدا فى السنة التاسعة من الهجرة فأخذ الفضل ابنه وزوجته وسافر الى المدينة للقاء رسول الله وأهله هناك والصحابة وحينما قابله رسول الله أعطاه الفضل ابنه فسأله رسول الله عن إسمه فقال له الفضل هو بين يدي رسول الله فسميه يا نبي الله فقال له نبينا المعظم إسمه من أسمى وسعيد فسماه أبوه محمد وقيل إن الحسن والحسين ريحانتا رسول الله قد حملاه إلى السيدة فاطمة الزهراء.

فأرضعته فصار للإماميين أخـا فى الرضاعة، والبتول صارت له أمـا فى الرضاعة، مما زاده شرفا على شرفه وأصبح محسوبا على آل البيت إضافة إلى قرابته من سيدنا رسول الله وأعقبه سبع بنات لسيدنا الفضل من ميمونة وهن ( زمزم ، حليمة، رضا، عاتكة، أم السعد، أم الخير، زكية ) وأنهن ظللن أبكارا حتى وفاتهن بمصر .

وعاد سيدنا الفضل إلى بلاد الحبشة مرة أخرى وظل يتردد على المدينة من فترة إلى أخرى و بين الطهر والنقاء والعلم والعبادة والزهد وحب الجهاد فى سبيل الله وإعلاء كلمة الله فى الأرض نشأ سيدنا محمد بن الفضل بن العباس عم رسول الله والمكنى بـ شبل الأسود كناية عن لون بشرته التي ورثها من أمه ميمونة الحبشية .

وصارت بينه وبين الأمير مقبل بن النعمان صداقة قوية وعلاقة أخوية رباطها الإيمان ومدادها حب رسول الله .

ومرت الأيام والسنون وفى كل يوم يزداد سيدي شبل الأسود قوة وجسارة وإيمانا وعرفه الناس فصار شجاعا تخشاه الوحوش وتفر منه الجيوش حتى جاء اليوم المعهود وأرسله سيدنا على بن أبى طالب على رأس قيادة الجيوش إلى مصر لتأديب المنشقين ومحاربة المرتدين ورد الرومان أعداء الدين فجهز شبل الأسود جيشا من الأحباش والعرب قوامه 52 ألف مقاتل وصحبه أخوته البنات السبع فى جيشه وقمن بما يعرف فى العصر الحديث بالفرق المعاونة ( الإسعاف والطبيب وإعداد المؤن) ولقد حاولت السيدة ميمونة جاهدة أن تستبقي إحدى بناتها تستأنس بها فى وحدتها بعيدة عن أبنائها ولكنهن رفضن وطلبن منه السماح لهن بالجهاد لنيل شرف الاستشهاد من أجل دين الله.

وقبل سير الجيش التقى سيدنا الفضل بن العباس بابنه وطلب منه وسيلة لتصله بها أخباره فقال الابن لأبيه كل يوم تأتي ما بين المنبر والمقام بعد صلاة الفجر بالمسجد النبوي الحرام وتجلس بجوار المقام فتسمع أخبارى بإذن الله وانطلقت الجيوش وبقى سيدنا الفضل كل يوم يجلس بجوار المقام النبوي الشريف بعد صلاة الفجر ولا يعرف أحد لماذا تطول جلسته يوميا بعد صلاة الفجر واستمر الحال هكذا حتى آتاه خبر الاستشهاد.

ومن انتصار الى انتصار يتقدم جيش المسلمين حتى كانت الموقعة الظافرة بسرسنة حيث وجد سيدى شبل جموع المرتدين والمنشقين والكفار مجتمعون على قتال الجيش الإسلامي فى محاولة يائسة لوقف زحفهم نحو بقية البلاد فأمر ابن الفضل الجيش بالاستعداد وخاضوا حربا شرسة استطاع سيدنا شبل أن يقتل ( ترسا) صاحب قلعة سرسنا وأثناء إقدامه على النيل من الكافر ليج المسماة إحدى القرى على إسمه سماليج لأنه بنى بها بناءً عاليا ولما انتهت الموقعة وانتصر المسلمون وجدوا أميرهم مستشهدا وبصحبته مجموعة من أمراء الجيش فدفنوهم بجوار قائدهم في مقام واحد.

وقيل أن عددهم 40 شهيدا من الأمراء وبجوارهم سيـدى شـبل في مقام منفصل وبعد أيام قليلة توفيت شقيقاته البنات السبع فتم دفنهن فى ضريح مجاور وبنى على الجميع المسجد المعروف الآن بمسجد سيدي شبل الأسود. وأطلق على المدينة مركز الشهداء لكثرة عدد المسلمين المستشهدين والمدفونين فى ترابها وتحت قبة مسجدها.

وفى يوم إستشهاد إبنه أسـد الأسود كان منتظرا الأخبار بجوار مقام النبى الكريم فسمع هاتفا من المقام يقول له عوضا خيرا يا ولد العم فى إستشهاد من أنارت بطلعته الديار المصرية فوالذى نفسى بيده إن جميع الصحابة حزنت عليه وجميع أهل بيتي فلما سمع الفضل هذا الخطاب أغشى عليه.

ولما أفاقوه نادى وقال يا أهل الحرم صلوا على ولدى الإمام محمد شبـل الأسود فبكى الحاضرون وأخذوا بخاطره وتلقى الفضل العزاء فى ابنه الذي استشهد بعد عصر الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول فى السنة الأربعين من هجرة المصطفى .

هذه من فضائل ال البيت الشهداء في سبيل الله .. فكان فضل آل البيت على مصر كبيرا.. إنهم آل البيت ياسادة.. أحبوا مصر فملئت قلوب المصريين بحبهم .