الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجوكر .. في محاضرة عن النفس البشرية


"لو إنني مت فوق الرصيف لمشيتم فوقي"! هكذا يختصر "الجوكر " حجم معاناته مع المجتمع في حوار المشهد الأخير مع مقدم البرامج "موراي".

ربما لن ينال الفيلم إعجابك ولكن في نفس الوقت تجد حالة من الاهتمام والدهشه تسيطر عليك وإعجاب ما يشغل بالك كثيرا عن فيلم "الجوكر"، والسبب هو "غوص" الفيلم في أعماق النفس البشرية وتحليل شخصية "الجوكر" معها وهذا يحدث لأول مرة مع تلك الشخصية الشهيرة التي شغلت بال عشرات الملايين من الجمهور من خلال الأفلام التي سبق وظهرت بها وأصبحت من أشهر شخصيات هوليوود.

وبخلاف "الشر" تجد القاسم المشترك هو النجاح الكبير لجميع الممثلين الذين لعبوها، وتتذكرهم جميعا ولكن ما فعله "خواكين فينيكس" أحدث أبطال تلك الشخصية يزيد الأمر صعوبة على من يفكر في تمثيل الشخصية في المستقبل بعد أداء وصف بأنه "مذهل".

ممكن القول هو أحد أهم أسباب نجاح الفيلم حول العالم حيث يستحوذ عليك منذ المشهد الأول وحتى النهاية والمفاجأة سيغلب عليك التعاطف معه أيضا رغم كم الشر والجرائم التي يرتكبها، بعد ان أكتشف ان القتل هو حل سريع وسهل للتعامل مع مشاكله!

الفيلم يبدأ بالحديث عن الحالة المرضية التي يعاني منها الجوكر "بضحكته الشهيرة" وهي حالة من عدم الثبات العاطفي، يفقد فيها المريض السيطرة على أعصابه وانفعالاته، فيبكي أو يضحك "لا إراديا" في مواقف غير مناسبة ولا تعكس حالته النفسية الحقيقية!

‏أي موقف بسيط يحرك مشاعر المريض سواء كان غضبا، حزنا، أو حتى فرحا، قد يثير نوبات مبالغا فيها من الضحك أو البكاء، ولكن المجتمع للاسف يتعامل معه بقسوة وتأتي جملة يقولها لتوضيح ذلك "أسوأ ما في الإصابة بمرض عقلي، تعامل الناس معك وكأنك غير مصاب به"!

المخرج تيد فيلبس اهتم بمعظم العناصر الفنية وإن كان هناك إجماع على الموسيقى الرائعة ودورها الذي شعرت أحيانا إنه ينوب عن الحوار فهناك أكثر من مشهد كان أداء الجوكر مع الموسيقى فقط بدون حوار ولكنك تنصت وتنتبه وتشعر بما يريد أن يقوله الجوكر!

الفيلم جاء مفاجئا للجمهور، عكس ما قدمته هوليوود عن الشخصية طوال السنوات الماضية يعود "الجوكر" هذه المرة بشكل صادم أقرب من إعادة اكتشاف للشخصية الإنسانية وكيف أصبحت تحمل هذا الشر الكبير بداخلها وهو في نفس الوقت "يقوم بتشريح" النفس البشرية سواء للجوكر او من حوله ولذلك كان الفيلم أشبه بمحاضرة سينمائية يقدمها الجوكر لجمهوره حول العالم، ولكن كنت أنتظر أن يكون بعد هذا العناء العصبي والذهني طوال الفيلم أن يكون مشهد الحوار بين الجوكر و موراي "دي نيرو" أقوى مما جاء عليه "على مستوى "الحوار" فالجميع كان يحبس أنفاسه ليستمع للجوكر ومبرراته عما ارتكبه، ولكن النهاية كانت صاخبة وسط جمهور في الشوارع يحملون الجوكر فوق الأعناق، هي أشبه بالوضع العالمي الصاخب الآن وليس الماضي!

الفساد السياسي والبيروقراطية الحكومية حاضرة في أحداث الفيلم، وبشكل مباشر يلقي الفيلم مسؤولية كبيرة على "المجتمع" المحيط وقسوته في التعامل مع من هم مثل "الجوكر"، مع هؤلاء الذين ينتظرون من السياسيين والأغنياء أن يوفوا بتعهداتهم لإنقاذ الجميع، لكن يحدث العكس مثل أي مكان في العالم لا يهتم أحد بالمهمشين أو المرضى العقليين من أبناء المجتمع رغم صراخهم.

فيقول الجوكر لمقدم البرامج الشهير موراي "لو إنني مت فوق الرصيف لمشيتم فوقي"! ليدلل على عدم وجود أدنى اهتمام مع من هم مثله، من جانب المسؤولين ويمثل هذا النموذج في الفيلم عمدة المدينة.

تصل لسؤال يجعلك تقف في منطقة وسطى هل المجتمع ظلم هؤلاء ؟ سيناريو الفيلم يميل للتعاطف أكثر فتجد حتى التمويل الحكومي للمصحة التي يعالج فيها الجوكر، تخبره طبيبته انه توقف فيقول لها "مع من سأتكلم بعد الآن!" حتى العلاج يكاد يكون غير موجود لهؤلاء المرضى، ولذلك الفوضى التي تعم المدينة في مشهد النهاية هي نتيجة لذلك، بعد أن أصبح الجوكر بطلا لهؤلاء المهمشين، وهي أيضا إشارة لثقافة العنف الموجودة حاليا بالولايات المتحدة، من خلال البؤس الاجتماعي والعنف الذي صوره الفيلم في نيويورك.

عنصر التمثيل استحوذ عليه خواكين فينيكس بمفرده فلا تتذكر أداء بجواره، سوى ظهور روبيرت دي نيرو في عدة مشاهد، وممكن القول فقط أداء خواكين يكفي لأنك تشاهد الفيلم.

التصوير مع الألوان شكلا عنصرا رائعا وكأنها لوحات رسمها فيلبس بكاميرته، تأمل مشاهد الجوكر وهو يصعد أو يهبط السلالم، مع سيناريو جيد جدا جعلنا منتبهين لمتابعة تطورات حالة "الجوكر" مع مفاجأت وتشويق في الأحداث خاصة في النهاية ومشهد مقتل "موراي".

أخيرا ربما سيقدم خواكين فيلما آخر عن " الجوكر" حسب تصريحه ! ولكن هل يستطيع أن يقدم أداء أفضل مما قدم ؟!

الجوكر بالتأكيد سيكون له نصيب من جوائز الأوسكار القادمة على الأقل أفضل ممثل للمبدع خواكين فينيكس.
--
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط