الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التواد بين الماضى والحاضر


أتذكر زمان شكل العلاقات الاجتماعية فى مصر عندما كنا أطفالا صغارا ، كانت هناك علاقات اجتماعيه تقوم على التواد بين الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء. كانت هناك رغبة حقيقيه فى إقامة علاقات وثيقة والحفاظ عليها مع الأخرين كخاصية بشرية أصيلة لدى الشعب المصرى.
 
كانت هناك رغبة فى إقامة علاقات دافئة بالأخرين بدافعية التواد من خلال الارتباط والتفاعل مع الآخرين بالبيئة المحيطه بنا، علاقات تتسم بالدفء والانسجام والرغبة فى الوجود بصحبة الأهل والأحباب والأصدقاء والرغبة فى التفاعل الاجتماعى مع الآخرين ، كنا نشعر أن الكل يسعى الى إقامة ظروف مهيئة للحصول على علاقات أكثر إرضاء لجميع المحيطين بنا ، هناك رغبة حقيقية فى إقامة علاقة تسعد أطرافها وتتسم بالاستمرار والتعاون بانسجام مع الآخرين.
 
أتذكر أبواب الشقق السكنية لا تغلق طوال اليوم الا عند النوم ، كل الشقق السكنيه ملك لنا ونحن أطفال صغار نتنقل بين جميع الشقق دون حواجز أو خصوصية، كل أمهات المنزل أمهات لنا ، نحترم الجميع كبار السن من الرجال يعاملوا معاملة الوالد ويسمع وينفذ ما يقال منهم فى وجود الأب أو غيابه ، أذكر أيضًا أن الرحلات والمصايف تتم برفقة الجيران وأيضًا الزيارات العائليه الكل يعرف أقارب الجيران ونتبادل الزيارات معهم بشكل دائم، كنا نتبادل بشكل منتظم الطعام فهناك الفكر الجمعى والمشاركه الجماعيه فى جميع الأنشطه والمناسبات
كنا نشارك بعضنا البعض فى إقامة أعياد الميلاد ، حفلات ميلاد طفل جديد المناسبات والأفراح للجيران وأقارب الجيران أيضًا ، كانت الأمهات يشاركن بعضهن البعض عمل الأصناف الشهية من الطعام وفى الأعياد والمناسبات نتبادل الهدايا والأطعمة، كان الأهالى يتشاركون فى عمل الجمعيات لشراء لوازم البيت واحتياجات الأسره فى شكل تكافل اجتماعى مترابط بشكل من الود والمحبة والمصلحة المشتركة.
 
كانت تلك جوانب جوهرية فى الشخصية المصريه تقوم على القوة من خلال التلاحم الاجتماعى والتواصل الجيد مع البيئة المحيطه به ، كانت الشخصية المصرية تقوم على تأكيد وحماية الذات والتحكم فى البيئة من خلال الإنجاز والقوه والدوافع المؤكدة.

كانت الشخصية المصرية الأصيلة تسعى للتعاطف مع الاخوة من البشر من خلال الشعور المتبادل بالاستمتاع بالاتصال بالأفراد والاحساس بالتعاطف والاهتمام والرغبة فى التعاون من خلال دافعية التواد والحميمية أحد مكونات الشخصية الجوهرية لبعد التواصل الاجتماعى الجيد.
 
لذا نجد أن الشعوب التى تتمتع كما كنا نحن بدرجة عالية من التواد والتواصل الجيد مع الآخرين تحصل على الصحة النفسية والحياة السليمة حيث يمثل التواد والتواصل بعضهما بعضًا قوة موازنة للآخر.
 
ونجد أن هناك علاقة وثيقة بين الدافعية للتواد والدافعية للإنجاز كأوجه رئيسية للشخصية الإنسانية ، حيث يسعى البشر دائمًا للحصول على التقدير والقبول الاجتماعى وكسب المكافآت الاجتماعيه كالمديح والاعتراف بما يقومون به من أجل الآخرين.
 
أما الوضع الحالى فنجد أننا اقتربنا من ان نصبح غرباء بعضنا عن البعض ، أصبحنا فى تعداد المتنمرين بعضنا البعض ، أصبحنا نطلق على الجار ، ساكن بالعمارة، أصبحنا لا نعرف الجار ولا من يسكن فى نفس الشارع الذى نسكن به ، لا نتبادل سوى التحية بعضنا لبعض لا تجمعنا أى أعمال مشتركه ، تخلصنا من شراكة الجار من خلال حارس العماره هو المنوط بمهمة التواصل بين أفراد العمارة الواحدة، الأطفال أصبحوا حبيسي الجدران الخرسانيه لا يتعلمون كيفية التواصل الجيد مع الكبار ولا من هم فى سنهم ، أصبح انتقال التراث الثقافى والعادات والتقاليد المنوط بها المدرسه ، وأصبحت المدرسه بدون معلم قدوة للتلاميذ ، فأصبحنا جميعًا نسعى لمن يعلمنا القيم والأخلاق والمبادئ، أصبحنا حقًا نتلاشي الأخر ونتلاشى العلاقات القائمة على التواد ، أصبح لدينا هاجس المؤامره من الأخر تسيطر على عقولنا وتصرفاتنا ، أصبحت الأفكار المشوهه تسيطر على أذهاننا من سحر وحسد، أصبحنا نبنى حوائط نفسية فى تعاملنا مع الآخر نشك فيه وفى نواياه ، لانريد أن يعلم عنا الآخر شيئا، أصبحنا لانعرف قيمة الجماعه والعمل الجماعى ، فأصبحنا غرباء بعضنا البعض.
 
أصبحنا أمة فى خطر ، وبالتالى ينعكس كل هذا على سلوكياتنا فى تربية الأولاد ، فى المدرسه فى النادى فى الكلية فى وسائل الاعلام فى دور العبادة ، نحتاج حقًا الى وقفه على المستوى القومى لاستعادة روح التواد والتراحم بيننا من جديد ، وللحديث بقية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط