الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحقيق مخيف من مخيم عائلات داعش.. كيف يرعى العالم عودة التنظيم الإرهابي؟ ..فيديو

صدى البلد

تمر اللحظات سريعا، لكن هناك بعضها يظل عالقاً في الأذهان وتقشعر لها الأبدان. فتى لا يتجاوز عمره 10 سنوات، حليق الرأس، بأسنان بارزة وعينين بنيتين، يقف في وجه المراسل ويقول له "تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ". ثم يعقب الآية بوعيد مخيف ومحزن، وقال بهدوء:"راح نقتلكم ذبح"، ثم صمت وظلت عيناه محدقتين في ثبات إلى الكاميرا.

جاء ذلك خلال تحقيق ميداني أجرته شبكة "سكاي نيوز" البريطانية من داخل مخيم عائلات داعش في سوريا، والذي يضم الآلاف من الأسر.

كشف التحقيق عن حقيقة مرعبة، مفادها أن معظم المتواجدين داخل المخيم لا يزالوا يدينون بالولاء لفكرة الخلافة الداعشية، وأنه عبارة عن نموذج مصغر من دولته، وأن الوضع بات بالفعل خارج عن السيطرة.

يقول المراسل مارك ستون:"شاهدت اللقطة مرارا وتكرارا. هل يعرف ماذا يقول؟ هل يصدق ذلك؟ هل رأى الآخرين يذبحون؟ كيف تشفي عقلا صغيرا مُدمرا للغاية كهذا؟".

من حوله، كان العشرات من الأولاد من جميع الأعمار والجنسيات، يعيثون في القذارة ويلعبون في الغبار.

هؤلاء الأطفال في هذا المكان لديهم دليل واحد ومعلم هو، يتمثل في أمهاتهم، النساء اللواتي يرتدين ملابس سوداء، نساء الخلافة الداعشية.

على سهول شمال شرقي سوريا، يعد مخيم الهول مكانا يجب أن يثير ذعر حكومات العالم، فخلف هذا السور، هناك الآلاف ممن هم على استعداد لإعادة بناء دولة داعش، التي يعتبروها جزءا أصيلا من عبادتهم، إذا أمكنهم ذلك.

يحرس هذا المخيم مجموعة صغيرة من الرجال والنساء الأكراد، الذين يبذلون قصارى جهدهم. هذا المخيم هو مركز احتجاز النساء والأطفال الذين خرجوا من خلافة داعش بعد سقوطها في مارس.

وضع عناصر داعش الناجين من الذكور البالغين في عدة سجون، لكنهم ليسوا مؤمَنين بشكل كاف، وليسوا ببعيدين.

كان من المفترض ان يكون الهول مكانا مؤقتا لتلك الأسر، لكنه لا يزال متواجدا ويحتضنهم، إنه أمر مزعج وغير آمن، وليس هناك أي خطة حول ما يجب فعله مع من بداخله، ولاذين يبلغ عددهم 70 ألف شخص.

ويواصل المراسل سرده:"للدخول يطلب منا اتخاذ كافة الاحتياطات، لن نكون موضع ترحيب، نرتدي الدروع الواقية من الرصاص وحراس المعسكر يرافقوننا حاملين البنادق..حوادث الطعن متكررة، وكانت هناك عدة جرائم قتل".

الجزء الجنوبي من المخيم، هو المكان الذي يحتجز فيه الأجانب، أي أولئك الذين ليسوا سوريين أو عراقيين. قال أحد الحراس الأكراد إن هناك 10 آلاف منهم في هذا المكان. ويشار إلى أن الأرقام تقديرية، حيث لا يوجد قوائم دقيقة.

ويضيف ستون:"منطقة السوق المؤقتة هي المكان الوحيد الذي يشعر فيه الموظفون بالراحة عند اصطحابنا في هذا الجزء من المخيم...إنها فرصة لبعض المحادثات الخاطفة".

في مقطع الفيديو يسأل ستون امرأة منتقبة:"هل يمكننا الحديث معك؟"، لكنها تجيب أن:"لا، أنا حقا لا أريد التحدث إليك، آسفة".

ويتابع:"بالقرب منها ، لاحظت صبيًا صغيرًا لديه شعر أشقر. من غير المريح الاقتراب والتحدث مع طفل صغير باستخدام الكاميرا. لكن من المهم جمع الشهادات التي يمكننا تقديمها، مهما كانت مختصرة ، من هذا المكان المريع".

التقى ستون طفلا من فنلندا، ويقول إنه كان في سن السادسة، واستقبلته امرأة، والتي ربما تكون أمه وربما لا. التقى كذلك أطفلا من روسيا والبوسنة وفرنسا والصين وأوزبكستان.

وصف ستون الهول بالمكان المزعج للغاية، حيث الأمهات المتطرفات وأطفالهن، الذين لم يروا حياة أخرى غير هذه.

ويقول:"من الرأس وحتى أخمص القدمين في نقابهن الأسود، حيث تدعي زوجات داعش أنهن يقدمن أنقى شكل للإسلام، لكن الدولة الإسلامية المزعومة التي انضموا إليها كانت عكس ذلك، طائفة شريرة مشوهة،جرائمها وهجماتها الإرهابية على الصعيد العالمي منقطعة النظير".

سأل إحدى زوجات داعش عما إذا كانت لا تزال مؤمنة بأيديولوجية داعش لتجيب أن:"نعم، بالطبع، لما يجب أن نتغير؟ إنهم يعاملوننا تماما مثل الحيوانات. تماما مثل الكلاب" في إشارة إلى محيطها في المخيم.

ورد عليها قائلا:"لقد عاملتم الآخرين مثل الحيوانات. لقد قطعتوا رؤوس الناس، وأحرقتم الناس أحياء. هل هذا غير صحيح؟". وردت قائلة:"إن ذلك موجود في القرآن".

وأشار إلى أنهم غاضبون من نبأ مقتل أبو بكر البغدادي، إلا أنهم ليسوا بيائسين.

تقول امراة منهن من باريس:"لقد آمنا به، لذا جئنا..وها نحن ذا، على كل حال هو ميت، أنت تعلم أن في الإسلام هناك حياة بعد الموت، سيعود مرة أخرى..إن شاء الله ستعود الخلافة".

هناك عدد من الأطفال يسيرون بمساعدة عكازين، غهم ضحايا حرب، على الرغم من أنهم لم يبلغوا سن الراهقة حتى.

سأل امراة أخرى:"هل رأيتِ الأعمال الوحشية التي كانت تنفذ؟". وقالت:"نعم رأيت أعمالا وحشية، قليلا من كل شئ. ما رأيتموه على التفلزيون رأيناه واقعا، قطع الرؤوس. نعم قليلا. كل شئ".

الغريب، أن المراسل لم يتبين بسبب النقاب الكامل إذا كانت تقول ذلك الكلام بتفاخر أم بأسف.

لا يوجد في المخيم مدرسة، وكالات الإعانة تكافح للعمل بسبب الظروف الأمنية، والرعاية الصحية ف أكثر صورها بداءة. وتقول سلطات المعسكر إن التطرف لا يزال يتزايد بينهم طوال الوقت.

جزء من المخيم كان عبارة عن مخيم للاجئين قائم للهاربين من خلافة داعش.الآن، يشارك هؤلاء الأشخاص نفس المعسكر مع نساء داعش.

يؤكد ستون أن المخيم هو الحاضنة المثالية لإعادة داعش إلى الحياة، فهو يمثل في الأساس دولة خلافة صغيرة.

وقالت امراة إيطالية ندمت على انضمامها لداعش، سونيا خضيرة إنها تعلم لماذا تعتبرها حكومتها خطرا ولا تريد استعادتها، ببساطة لأنها انضمت إلى داعش، ولمدة 3 سنوات، مؤكدة أنها لم تعد تؤمن بأيديولوجية داعش.

ولفت ستون إلى أن نبرة صوتها بدت مقنعة، وبالتأكيد هناك الكثير ممن يشعرون بالندم الحقيق على الانضمام إلى داعش، لكن المشكلة من يستطيع تحديد صدق هذا الشعور من كذبه؟

وتساءل:"كم عدد الضحايا؟ كم عدد الجناة؟ النقطة المهمة هنا هي أنه لا يوجد أحد يصدر الحكم..مع استثناءات قليلة - السويد وفنلندا وهولندا - الدول غير مستعدة لإعادة مواطنيها إلى الوطن، ستكون الملاحقات القضائية في بلدانهم الأصلية معقدة ويرى العديد من الحكومات أن سياسة العودة هذه سامة من الناحية السياسية".

ويوضح:"عودة الأطفال معقدة للغاية لأن أمهاتهم الراديكاليات لن يتخلوا عنها. جردت المملكة المتحدة بعض مواطني المملكة المتحدة الذين انضموا إلى داعش من جنسيتهم".

ويحكي:"عندما غادرنا المخيم ، اقتربت من امرأة أخرى سالتها من أين أنتِ، قالت من دولة الإسلام..سألتها من أي بلد كنتِ قبل ذلك، قالت أنا من الدولة الإسلامية".

وعندما سألها عن رأيها في مقتل البغدادي هتفت:"الدولة الإسلامية باقية..الدولة الإسلامية باقية".