الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

قانون الأحوال الشخصية.. راعى أبعادا إنسانية غابت عن المُنتقدين.. مادة زواج القاصرات تؤكد وعي الأزهر بالواقع

قانون الأحوال الشخصية
قانون الأحوال الشخصية

  • عباس شومان:
    مادة زواج القاصرات راعت بعدًا إنسانيًا مجتمعيًا واقعيًا خفي على منتقديها
    الزواج قبل الـ 18 مخالف للقانون ويعرض عاقده للمساءلة القانونية
    من حق القاضي تزويج الفتاة اليتمية التي لم تبلغ 18 عاما حفاظا عليها من التشرد
    تزويج مرتكب جريمة الزنا قبل بلوغها 18 عاما بيد القاضي

أثار قانون الأحوال الشخصية جدلاً بين كثير من الناس، خاصة المادة المتعلقة بزواج القاصرات، حيث أعطى الأزهر الشريف الأحقية للقاضي على تزويج الفتاة قبل سن 18 عامًا، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل راعي الأزهر في هذه المادة بُعدًا إنسانيًا لم يدركه البعض؟، فالإجابة: نعم.  

قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر سابقًا، إن البعض يرى أن المشروع يفتح الباب لـ تزويج القاصرات، حيث أعطى الحق للقاضي في الإذن بتزويج الصغير أو الصغيرة.

وأوضح «شومان» تعليقًا على -المعترضين- أن مقترح قانون الأحوال الشخصية يفتح الباب لـ تزويج القاصرات حيث أعطى قانون الأحوال الشخصية الحق للقاضي في الإذن بتزويج من لم تلبغ الثامنة عشرة، حيث جاء نص المادة (18): «أهلية الرجل والمرأة للزواج بتمام ثماني عشرة سنة ميلادية، والزواج قبل بلوغ هذه السن لا يكون إلا بإذن القاضي للولي أو الوصي في حالات الضرورة تحقيقا لمصلحة الصغير والصغيرة».

وأضاف أن النظرة الظاهرية لهذه المادة في قانون الأحوال الشخصية دون الوقوف على فلسفتها يعطي بعض العذر للقائلين بأنها تفتح الباب لتزويج الصغار والصغيرات، ولكن الوقوف على فلسفتها قد يجعلها مقبولة عند رافضيها، حيث راعت المادة بعدًا إنسانيًا مجتمعيًا واقعيًا خفي على منتقديها، حيث صيغت المادة بهذا الشكل لبيان أن سن التزويج هو الثامنة عشرة إذ به ينتهي سن الطفولة، ومعنى هذا أن الزواج قبل هذه السن يكون مخالفًا للقانون ويعرض عاقده للمساءلة القانونية، ولكن بالنظر إلى الواقع العملي.

وتساءَل: "فماذا لو وجدنا فتاة بلغت السابعة عشرة أو أكثر ولكنها لم تبلغ الثامنة عشرة، وقد فقدت أسرتها بالكامل في حادث سير أو أي كارثة جماعية وأصبحت بلا عائل ولا مأوى أو مع عائل يحتاج لعائل يعوله، ووجدت شابًا على استعداد أن يتزوجها ويحفظها من الضياع والتشرد، وحيث إنها لم تبلغ سن التزويج قانونًا، وحيث تريد هذا الزواج لتحمي نفسها شر الضياع والانحراف ألا يكون من المناسب رفع أمرها إلى القاضي، فإن رأى الزواج هو الحل الوحيد لحفظ هذه الفتاة من الضياع أذن في تزويجها إن كان لها ولي فإن لم يكن زوجها هو أو جهة تحددها الدولة".

وذكر وكيل الأزهر السابق، حالة أخرى، لفتاة اقتضت ضرورة الستر لجريمة وقعت فيها وربما ترتب عليها حمل أن تتزوج من شريكها في الجريمة، وإلا فلربما تعرضت ليس للفضيحة وفقط بل وربما للقتل من قبل أهلها، فإذا كان تزويجها سيدمجها في الحياة من جديد ألا يكون من المناسب تمكين القاضي من الإذن في تزويجها؟ ولا يقال إن هذا ربما يشجع على فساد الأخلاق، لأن الجريمة كبيرة موجبة للعقاب بذاتها، ولا علاقة لهذا العقاب بمسألة التزويج، فطريق الخلاص من الإثم إما العقاب وإما التوبة المقبولة.

وأضاف: "فقد علمنا من شرعنا الفصل بين الأحكام، وأن مساعدة من وقع في جريمة على الخروج منها وتخفيف آثارها ورعاية البعد الإنساني موافق لمقاصد شريعتنا، ولذا شرعت الدية إنقاذا للقاتل من القصاص متى رضي بها أولياء الدم مع أنه مرتكب لجريمة متناهية في القبح والاستنكار من شريعتنا توجب قتله قصاصا مالم تقبل الدية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (سورة البقرة: 178)".

وواصل: "ووجب معاملة من ارتكبوا جرائم عقوباتها القتل معاملة إنسانية فحرم منعهم الطعام أو الشراب أو تعذيبهم حتى يحين وقت تنفيذ الحكم فيهم، ومما لاشك فيه أن التوبة من جميع الذنوب مقبولة إن كانت حقوقًا خالصة لله ومنها جريمة الزنا، ولا يختلف أحد حول مشروعية بل واستحباب الستر على الفاعلين ومساعدتهم لتخفيف آثار جريمتهم وعودتهم أسوياء في مجتمعهم، وبكل تأكيد تمكين هذه الفتاة من الزواج باب لذلك، ولذا مكنت المادة منه، مع جعله للقاضي حتى لا يتوسع فيه في غير ضرورة أو حاجة شديدة". 

وأكمل: "وبهذا يظهر أن هذه المادة من قانون الأحوال الشخصية راعت بُعدًا إنسانيًا مهمًا لا يختلف عليه إلا إذا كان يرى هذا البعض إهدار هذا البعد تقديسًا لقوالب قانونية هي من اجتهاد البشر وليست معصومة، ولقد علمنا من شرعنا أن الأحكام الثابتة بالنصوص الشرعية القطعية يمكن أن تعطل إذا عارضها عارض إنساني قوي، ومن ذلك مافعله – رسولنا الأعظم- حين أخر إقامة الحد على الغامدية التي زنت حتى تضع حملها ويستغني عنها وعن لبنها فقد روي أن الغامدية جاءته – صلى الله عليه وسلم - : «فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ طَهِّرْنِى. فَقَالَ «وَيْحَكِ ارْجِعِى فَاسْتَغْفِرِى اللهَ وَتُوبِى إِلَيْهِ». فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِى كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ. قَالَ «وَمَا ذَاكِ». قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنَ الزِّنَا. فَقَالَ «آنْتِ». قَالَتْ نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا «حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ». قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتِ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ «إِذًا لاَ نَرْجُمَهَا وَنَدَعَ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَىَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا»".

واستطرد: "مع أن النص القرآن نص على العقوبة فقط «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ» (سورة النور: 2)"، موضحًا أن النص النبوي الذي بين عقوبة الزنا للمحصن ولغيره اكتفى بذكر العقوبة دون تعرض لمسألة التأجيل: «خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا، البِكرُ بالبِكرِ؛ جَلدُ مِائةٍ، ونَفْيُ سَنةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جَلدُ مائةٍ والرَّجْمُ».

وأردف: "ثم نسخ الجلد عن المحصن وبقي الرجم، ومعلوم أن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أوقف قطع السارق في عام الرمادة لشبهة الجوع الذي حل بالناس مع أن النص أوجب القطع للسارقك «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (سورة المائدة: 38)، وبكل تأكيد رفض رسولنا رجم الغامدية حتى تلد ويستغني عنها ولدها، وتعطيل أمير المؤمنين قطع السارق في عام الرمادة هو بعد إنساني يفصل بين العقاب لمستحقه وحق الحياة وسلامة الأعضاء لمستحقها حتى ولو لشبهة".

واختتم: "فما بالنا إذا كنا بصدد مادة زواج القاصرات في قانون الأحوال الشخصية، التي تحفظ حق الحياة ودرء العار المطلوبين شرعًا ولو كان على حساب مادة قانونية من وضع البشر جعلت سن الزواج محددًا بهذه السن الاجتهادية غير الثابتة أو المقطوع بها بدليل رفع سن الطفولة إليها بعد أن كان أقل منها، أم أن قدسية النصوص البشرية أكثر تقديسًا من نصوص الكتاب والسنة القطعية؟!".


تعليق شيخ الأزهر على الانتقادات
نبه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على أن اتهام الأزهر باتخاذ موقف متحيز مع المرأة ضد الرجل، هو شهادة على أن الأزهر يقف إلى جانب الضعيف انطلاقًا من أن موضوع الأسرة محوري في الإسلام وأساسه هو المرأة بمعنى الزوجة والأم.

وشدد الإمام الطيب لجريدة صوت الأزهر على أنه: «بنظرة سريعة شاملة هل نستطيع بأن نقول أن المرأة في مجتمعاتنا الشرقية وعلى وجه الخصوص مجتمعاتنا العربية تحصل على كل حقوقها الشرعية أو أنها منقوصة، أعتقد أن الحياة الحياتية اليومية تقول إن المرأة بنسب متفاوتة مظلومة، والأزهر حين يبدأ نظرته إلى تصحيح هذا الوضع يظهر أنه يقف إلى جانب المرأة لتكتمل لها حقوقها أولًا»، مؤكدًا أن مشروع قانون الأحوال الشخصية حاول تحقيق التوازن قدر الإمكان بين الأطراف كافة، ووضع نصب عينيه مصلحة الأسرة مجتمعه في المقام الأول ومصلحة الطفل.

وأكد الإمام الأكبر: «المشوار يبدأ من الخطوة الصحيحة لأننا مهما عدلنا ومهما أضفنا إلى قانون الأسرة دون أن يكون تحت نظرنا هذا العوار في التعامل مع المرأة لا تجدي هذه المشروعات شيئًا. وقد باشر الأزهر إعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية للأسرة انطلاقًا من واجبه الشرعي، وحقه الذي يخصه وحده في هذا الأمر. وهنا أتوقَّف في قول بعض الناس، يقولون مال الأزهر؟ الأزهر ليس جهة تشريع قوانين عامة، ونحن نعلن ذلك: لسنا جهة تشريع ولا إقرار قوانين، ولا دخل لنا بالتشريعات العامة، ولا دخل لنا بالأمور السياسية أو البرلمانية إلى آخره، لكن حين يكون الوضع متعلقًا بقوانين مصدرها القرآن والسُّنَّة والشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الوحيد الذى يمكن أن تنطلق منه هذه الأحكام وأعني بها الأحوال الشخصية للأسرة من زواج ومن طلاق ومن ميراث… إلخ، حين يكون الأمر ذلك لا يصح أبدًا ولا يُقبَل أن يترك الحديث فيها لمَن هَبَّ ودَبَّ، ويجب عُرفًا ودستورًا وقانونًا أن يُترك الأمر للعلماء الشرفاء الذين لا تغريهم الأضواء أو البحث عن أعراض الدنيا الزائلة، وقد أرسلنا هذا المشروع للدراسة والمناقشة، لكن أن يقال أيها الأزهر كُف يدك لا تشارك في قانون الأحوال الشخصية.. فهذا عبث لا يليق لمَن يحترم نفسه ويحترم غيره».

ولفت الإمام الأكبر، إلى أن الأزهر الشريف هو جهة الاختصاص الوحيدة التي تتناول القضيَّة أو الموضوع من الجانب العلمي والعلوم الشرعيَّة الإسلاميَّة، والمتخصِّصين سواء كانوا أساتذة الأحوال الشخصيَّة في الجامعات أو أساتذة كلية الشريعة أو علماء الأزهر الذين درسوا الشريعة منذ طفولتهم في الابتدائي وحتى المرحلة الجامعية.

واستطرد: "حين يتصدى الأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية كمشروع قانون فهو يزاول عمله أو واجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة، لأن العامَّة لا تقبل أن يقن لها مَن لا علم له بشريعته أو بأمور الأسرة من زواج وطلاق وميراث وغيرها".