الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الأخوة الإنسانية.. المصل المضاد للإرهاب


حينما وقع فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في شهر فبراير الماضي، استبشرنا جميعًا بمأسسة الجهود الرامية إلى نشر التعايش والتسامح وتعزيز الجهود العالمية الرامية للتعريف بالتعاليم الصحيحة للأديان بعيدًا عن نزعات الغلو والتطرف والتشدد والعنف والإرهاب.

وهذه الوثيقة بما تضمنت من إرساء لقيم ومبادئ واضحة مثل التأكيد على حرية المعتقد، فكرًا وتعبيرًا وممارسة، وأن التعددية والاختلاف في الدين واللون والجنس والعرق واللغة خلقت لمشيئة إلهية، وأن الإرهاب البغيض، سواء في الشرق أو الغرب، وفي الشمال والجنوب، ويلاحقهم بالفزع والرعب وترقب الأسوأ، ليس نتاجًا للدين - حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته ولبسوا شاراته - بل هو نتيجة لتراكمات المفهوم الخاطئة لنصوص الأديان وسياسات الجوع والفقر والظلم والبطش والتعالي.

وهذه الوثيقة التاريخية، التي تحظى باهتمام عالمي متزايد، ووصفها أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بأنها شهادة مؤثرة على الاحترام المتبادل، تحظى باهتمام كبير من جانب بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر على حد سواء، حيث ناقشا في لقاء ثنائي عقد مؤخرًا خطط التعاون المشترك بين الأزهر والفاتيكان لتحقيق الإخاء الإنساني، وقال البابا فرنسيس إن "المؤسسات الدينية الكبرى تقع على عاتقها مسئولية كبيرة في نشر مبادئ الخير وقيم المحبة والسلام"، مضيفا أن "وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية حملت بين طياتها دليلا يقود البشرية نحو السلام العالمي والعيش المشترك، ومرجعية عالمية لكل المؤمنين بالإنسانية، ونداء لأصحاب الضمائر الحية لنبذ العنف والتطرف". وأكد أن "وثيقة الأخوة الإنسانية كانت حلما بعيدا ولكن بمشيئة الرب أصبحت حقيقة وواقعا".

ومن جانبه، أكد شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أن "هذا اللقاء يعد ترجمة فعلية ودعوة حقيقية لأتباع الديانات حول العالم بضرورة التمسك بالإخاء الإنساني، ونبذ مشاعر البغض والكراهية، وطرق كل الأبواب التي من شأنها تهيئة الرأي العام العالمي لنشر قيم الأخوة والتعايش المشترك".

ما تحتاجه البشرية الآن هو أن يترجم هذا الاهتمام من جانب أكبر مؤسستين في العالم الإسلامي والمسيحي بنشر التعايش والاعتدال، إلى تشريعات وقوانين ومبادرات تجسد ما انطوت عليه هذه الوثيقة التاريخية من قيم ومبادئ.
الواقع يقول إن الأخوة الإنسانية تتطلب عملاْ مؤسسيًا يؤطر هذا المنهج ويحمي المجتمعات من أي تجاوزات أو انحرافات عن السلوك الإنساني القويم، ولدينا في دولة الإمارات قانون مكافحة التمييز والكراهية مثالًا للأسس والمبادئ التشريعية الضامنة لترسيخ التعايش والتسامح في المجتمع.

صحيح أن الجهود الأمنية قد لعبت ولا تزال دورًا مؤثرًا للغاية في التصدي للإرهاب والتطرف والتشدد، كما يلعب الخطاب الديني دورًا كبيرًا ضبط الفكر والحد من نزعات الغلو، ولكن يبقى العمل على ترجمة القيم والمبادئ المجتمعية إلى قوانين تتضمن روادع وكوابح صارمة تحد من التجاوزات وتتصدى لأي شطط يؤثر سلبًا في الاستقرار الاجتماعي، مسألة بالغة الأهمية على المدى البعيد لأن مثل هذه القوانين تمثل المصل الحقيقي للمجتمعات في مواجهة أي فكر متشدد يقود إلى الإرهاب ويمهد له.

ولا شك أن وجود قامتين بمكانة الإمام د. أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان بما يمتلكان من احترام وتقدير ورغبة مشتركة في إرساء التعاون الديني للحد من التطرف والعنف، يمثل فرصة كبيرة لإعطاء دفعة قوية للتعاون العالمي للأخذ بمبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية وترجمتها إلى تشريعات وقوانين وطنية تحصن المجتمعات والشعوب ضد العنف والإرهاب، انطلاقًا من أنه لا سبيل لضمان الامن والاستقرار العالمي سوى من خلال ترسيخ التعايش والتسامح بين مكونات الفسيفساء المجتمعي في أي بلد مهما كان حجم التنوع العرقي والديني والمذهبي.

ومن ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط يجد أن أحد أخطر أسباب الصراع والأزمات في هذه المنطقة الحيوية من العالم يكمن في ضعف ثقافة التعايش وقبول الآخر حتى بين مكونات الشعب الواحد في هذه المنطقة، ومن ثم توجد ثغرات تتسرب منها تنظيمات الإرهاب تارة، والدول الطامعة التي تقوم بتوظيف عوامل الاحتقان الطائفية والعرقية تارة أخرى.

ومن ثم فإن العالم بحاجة إلى منظومة متكاملة من الحلول والبدائل والمعالجات للحد من خطر العنف والإرهاب وتفادي نشوب صراعات عالمية على أساس ديني أو طائفي في الحقب والفترات المقبلة، وتفويت الفرصة على دعاة الصراع بين الحضارات والثقافات والأديان، ومروجي هذه النظريات البائسة التي يمكن أن تقود العالم إلى الهاوية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط