هل يحاسبني الله على البكاء كثيرا على زوجي المتوفى ؟ الإفتاء ترد

توفى زوجى وأبكي عليه كثيرًا فهل يحاسبني الله على هذا البكاء ؟.. سؤال أجاب عنه الشيخ محمد عبدالسميع أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وذلك خلال البث المباشر لصفحة دار الإفتاء المذاع عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وأوضح قائلًا: " ان الله عز وجل لم يحاسبنا على البكاء، فالبكاء مشروع وهو تنفيس عن النفس الإنسانية، والتنفيس هذا من رحمة الله تعالى، فالبكاء لا يعاب وهو من نعم الله عز وجل على الإنسان.
وأشار الى ان كثرة البكاء ربما تكون مؤشرا على المرض النفسي فبعض الناس يبكون بشكل غير طبيعي فهناك من يتذكر أباه أو أمه أو حبيبا له أو أحد أبنائه الذين ماتوا ويبكي عليه لفترة وينطلق لحياته لكن أن يعيش هذا فى شكل مستمر، فهذا دليل على وجود الاكتئاب أو مرض نفسي، والمسلم لا ينبغي عليه أن يسلم نفسه لهذه الأمراض وإنما يجب عليه ان يتداوى والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا ويقول تداووا عباد الله فإن الله ما انزل داءً إلا وأنزل له دواء .
وتابع قائلًا: كثير من الأمراض النفسية تزول بسهولة إذا ذهبنا للأطباء، والبكاء على الاموات ليس معناه انتهاء الحياة ولكن على الإنسان رسالة أن يكملها ولو كنت أحب المتوفى هذا فمن الإخلاص له ان أؤدي الرسالة التى كان يؤديها فى حياته.
هل البكاء على الميت يضايقه؟
قال الشيخ عمرو الورداني أمين الفتوى بدار الإفتاء، إن الميت يسمع ويشعر بما حوله، وورد في الأحاديث أن كسر عظم الميت ككسر عظمه حيا، فالأمر ليس "ميت وانتهى".
وأضاف أمين الفتوى خلال لقائه على فضائية" ام بي سي مصر" أن الميت يشعر ويستأنس ويفرح بمن يزوره، ويرد عليه السلام، موضحا أن الميت لا يعذب ببكاء أهله.
وأوضح أن البكاء في حد ذاته مباح شرعا، بل هو رحمة، ولا يعذب به الميت، وأما ما يصاحبه من ندب أو نياحة أو أي مخالفة كشق الثياب مثلا فهو الممنوع.
هل البكاء على الميت عند القبر يعذبه؟
من جانبه قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إنه صحت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وليس هذا من عقوبة الميت بذنب غيره، مؤكدًا أن العلماء اتفقوا على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق البكاء، بل المراد بالبكاء هنا النياحة ورفع الصوت.
وأضاف الجندي لـ«صدى البلد»، أن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنكرت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الأحاديث، لظنها أنها تتعارض مع قوله تعالى: «وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» فاطر: 18.
وذكر الأحاديث الواردة في عذاب الميت ببكاء أهله، منها ما روى البخاري (1291) ومسلم (933) عَنْ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» زاد مسلم: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وروى البخاري (1292) ومسلم (927) عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ»، وروى مسلم (927) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر أَنَّ حَفْصَةَ بَكَتْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّةُ! أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟».
وأشار إلى أن النواح ولطم الخدود وشق الجيوب كان من شأن أهل الجاهلية، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء، والنوح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وموجودًا في أشعارهم كثيرًا، ونهي الإسلام عن ذلك كما في حديث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ».
وأفاد بأن الموت مصيبة لا مفر منها وهي امتحان لنا لنعمل الصالحات ونحسن أعمالنا لننال جزاءنا فيرضى الله تعالى عنا، والحزن والبكاء على فقد قريب أمر جائز، إذا كان على وجه العادة، ولم يصحب بنياحة أو تسخط، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على موت ابنه إبراهيم، وقال: «إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» راوه البخاري (1220) ومسلم (4279).
وعن كيفية عذاب الميت ببكاء أهله، أوضح المفكر الإسلامي، أن العلماء اختلفوا في الإجابة عن هذا الحديث على ثمانية أقوال، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول: ما ذهب إليه الجمهور، وهو محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوصِ بتركه، مع علمه بأن الناس يفعلونه عادةً، ولهذا قال عبدالله بن المبارك: «إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئًا من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيءٌ»، والعذاب عندهم بمعنى العقاب.
وتابع: والثاني: أن معنى «يُعَذَّبُ» أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة؛ وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري، وابن القيم؛ وقالوا:( وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -:«الْسَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ »، وليس هذا عقابًا على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم».
وأكد عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المصائب في الدنيا تكفر الذنوب، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري (5210) ومسلم (4670).