المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، عرف بالقائد المتدين، ورفض العلاج على نفقة الدولة.. وعفى عن السائق الذى قتل نجله.. استنكر ترشيح الإخوان لخوضه انتخابات الرئاسة ٢٠٠٥م، قائلاً: أنا غير مستعد أن أخدم سوى مصر فقط.
محافظة البحيرة إحدى محافظات مصر الكبرى، وهى مسقط رأس الكثير من الشخصيات العامة والمهمة فى جميع المجالات "العسكرية، والعلمية، والأدبية، والفنية، والثقافية، والطبية، الرياضية.. وغيرها" من الذين ذاع صيتهم حتى اصبحوا حديث العالم أجمع وجميعهم حصلوا على شهاداتهم العلمية بالتعليم المجانى، وكان لهم دورا بارزا فى النهوض بمصر وحمايتها وأصبحوا قدوة ونموذجا يحتذى به فى جميع المحافل بالعالم العربى والغربى.
موقع "صدى البلد" الإخبارى يلقى الضوء على السيرة الذاتية وبعض الجوانب السياسية والاجتماعية والإنسانية للمشير محمد عبدالحليم أبو غزالة إحدى قيادات الجيش المصرى ابن قرية زهور الأمراء بمركز الدلنجات بمحافظة البحيرة والبار بأهله وأهالى قريته ومحافظته.
ولد "المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة والذي يناديه أفراد عائلته وأقرباءه باسم "ثروت" في 15 يناير عام 1930 بقرية قبور الأمراء مركز الدلنجات بمحافظة البحيرة، والذى أصبح اسمها الآن قرية "زهور الأمراء" وترجع أصول عائلته إلى قبائل "أولاد علي" صاحبة التقاليد العربية والمبادئ الأصيلة.
ووالده "عبدالحليم" كان يعمل في مصلحة التليفونات، ووصل إلى منصب مدير المصلحة في الإسكندرية، ووالدته اسمها السيدة «مبروكة» وكانت ربة منزل.
أبو غزالة كان تلميذاً متفوقاً، ويحب لعب الكرة جداً وكان أهلاوياً صميماً، حصل على الابتدائية من الدلنجات وكان يمتاز بالتفوق والذكاء في مراحل التعليم الأولى، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة "عمر مكرم" في دمنهور عام 1946، وجاء ترتيبه الـ13 على مستوى مصر.. وبعد دراسته الثانوية التحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1949 وكان الأول على دفعته التي ضمت مبارك، وحصل على إجازة القادة للتشكيلات المدفعية من أكاديمية ستالين بالاتحاد السوفيتي عام 1961.
وكانت هواية أبو غزالة الأولى كانت هى القراءة، وكان محباً للسهر، إلى جانب مشاهدته التليفزيون أحياناً، حتى إنه لم يكن ينام أكثر من 4 ساعاتٍ يومياً من الـ2 صباحاً إلى الـ6 صباحا.
تزوج المشير أبو غزالة من السيدة أشجان أحمد صبري، ابنة مفتش دوائر أملاك الأمير عمر طوسون، وحدث تبادل للزيارات بينهما، وتمت خطبتها، ورُزِقَ بـ3 أبناء هم "هشام، وطارق، وأشرف"، و3 بنات هن "ليلى، وحنان، وإيمان"وعندما ظهرت زوجته وهى ترتدي الحجاب، فمنحه المصريون صفة القائد المتدين وكان قائداً رياضيا لا يحب التدخين.
شارك أبو غزالة في حرب عام 1948 وهو طالب بالكلية الحربية وكان من الضباط الأحرار وشارك فى ثورة 23 يوليو عام 1952 وكان قائد المدفعية فى بالجيش الثانى فى حرب أكتوبر المجيدة، التي زلزلت حصون العدو بالتعاون مع سلاح الطيران.
تدرج أبو غزالة في المواقع القيادية العسكرية حتى عين مديرا لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ثم وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي وقائدا عاما للقوات المسلحة حتى ترقي إلي رتبة المشير، ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزير للدفاع والإنتاج الحربي وقائدا عاما للقوات المسلحة منذ عام 1983 ثم عين مساعدا لرئيس الجمهورية.
أشرف على التصنيع الحربي، وأنشأ مصانع وزارة الدفاع ومنها مصنع "200" الخاص بتجميع الدبابة "أبرامز أ1"، ومصنع "99" المتقدم، بالإضافة للمصانع الحربية والهيئة العربية للتصنيع، وازدهر الإنتاج الحربي لمصر في عهده لتتعدى صادرات مصر العسكرية بليون دولار عام 1984.
كان أول من فكر في إنشاء جهاز الخدمة الوطنية في القوات المسلحة وأنشأ مصانع المواد الغذائية لعمل الاكتفاء الذاتي للجيش والفائض يتم بيعه للجمهور بأسعار مخفضة.
ومن أفكاره تجنيد الشباب الذين يزيد عددهم على احتياجات القوات المسلحة في مشروعات الخدمة الوطنية للتخفيف من حجم البطالة، وأيضا لتعليم هؤلاء الشباب حرفة يستطيعون ممارستها بعد خروجهم من الخدمة العسكرية.
وكان صاحب فكرة إسكان الضباط فأنشأ العديد من المدن السكنية لخدمة الضباط وضباط الصف بالقوات المسلحة التي حذا حذوها باقي النقابات والهيئات مما قلل من حجم المضاربة في سوق العقارات.
أنشأ أبو غزالة مشروع الخدمة الوطنية بعد أن رفضت فرنسا إعطاء مصر بعض الطائرات إلا بعد سداد أموال كثيرة لم تستطع مصر سدادها في هذا الوقت فقام بإنشاء الجهاز لتوفير بعض المنتجات الزراعية وتصديرها لفرنسا مقابل الطائرات، وبعد ذلك أنشأ المخابز لخدمة المواطنين.
فتح أبو غزالة مستشفيات القوات المسلحة لمعالجة المدنيين، وأنشئت في عهده "الهيئة العربية للتصنيع" في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية والحرب بين روسيا وأفغانستان، حيث ازدهرت الصناعات الحربية المصرية وتصديرها للدول العربية والإفريقية.
كان أبو غزالة أول وزير مصري أقر مكافأة نهاية الخدمة ورفعها لتكون 40 شهرا، فضلا عن صفقات السيارات التي أمد بها ضباط القوات المسلحة.
عمل على تطوير مدرسة المدفعية في ألماظة وكان وقتها برتبة لواء ورئيساً لأركان المدفعية، وعرف عنه مشاركته الجنود في لعب كرة القدم.
قال كمال الجنزوري في مذكراته: "بعد أحداث الأمن المركزي ذهب إلى أبوغزالة 4 مسؤولين كبار وطلبوا منه تولى الحكم، ورد عليهم (أنا لا أطمع أن أكون رئيس جمهورية، وليس لدى هذا الطموح، كل طموحي أن تكون قوتنا المسلحة أقوى قوة بالشرق الأوسط)، وصرفهم أبو غزالة من مكتبه بهدوء، ورفض هذا الكلام مطلقا".
وفى مذكراته قال اللواء محمد فريد حجاج صديق "أبو غزالة" إن جماعة الإخوان الإهاربية حاولت الاتصال بأبو غزالة عن طريق اللواء الراحل منير شاش، وكان من أقرب أصدقاء المشير، ونقل له رغبة الإخوان أن يترشح "أبوغزالة" على منصب رئيس الجمهورية عام ٢٠٠٥م ضد مبارك وعزمهم مساندته لهم في تلك الحالة، و أوصل الإخوان رسالتهم لـ"أبوغزالة" للمرة الثانية عن طريق شخص آخر وأكدوا له أنهم يضمنون أن يحصلوا على توقيعات من 85 عضوا من مجلس الشعب لتأييده، وكان رد أبو غزالة الرفض التام والمطلق، وقال (لو جئت رئيسا بتأييد الإخوان لازم أنفذ كلامهم، إذا ساعدت جهة مرشحا يصل للحكم لازم يدفع لتلك الجهة، وأنا غير مستعد أن أخدم سوى مصر فقط".
عرف أبو غزالة بتدينه وتأديته فريضة الحج 7 مرات، كما تفقه في الدين الإسلامى، وقال عنه صديقه "اللواء حجاج" إنه "كان يمقت التطرف والإرهاب، وكان يقول الإخوان من حقهم العمل السياسى. لكن حيكحمونا إزاي؟".
من المواقف الإنسانية لـ"أبو غزالة" أن أحد المجندين في مركز الاستطلاع بجوار مقر وزير الدفاع بحلمية الزيتون كان مضربًا عن الطعام ومصرًّا على مقابلة وزير الدفاع، وبالفعل قابله "أبوغزالة" واستمع إليه وعلم منه أنه يعاني من ظروف مادية صعبة، وأن المرتب الحكومي لا يكفي، فأمر قائد المركز بصرف 300 جنيه له وإعطائه إجازة أسبوعية وأعطاه 500 جنيه من جيبه الخاص.
توفي ابنه "أشرف" عندما كان يلعب بدراجته أمام منزله في حلمية الزيتون وصدمته سيارة نقل، فضرب رجال الأمن سائقها، ولم ينقذه منهم سوي المشير شخصياً، وقام بتهدئة السائق، وقال له إن أشرف هو المخطئ، وعفا عن السائق وتركه ينصرف.
رفض أبو غزالة العلاج علي نفقة الدولة عندما كان مريضا لأنه مقتدر مادياً، وقال اتركوا العلاج على نفقة الدولة للمحتاجين.
وجاءت وفاته بعد صراع طويل مع مرض سرطان الحنجرة، حيث اشتكى في أيامه الأخيرة من ألم في الفك وبعد إجراء فحوصات له تبين أنه مصاب بمرض السرطان، وتم نقله بعدها إلى فرنسا لإجراء عملية تركيب وفك وتمت بنجاح حيث اختفى المرض..وبعد فترة من شفائه أشتكى من ألم في القدم و بإجراء الفحوصات تبين أنه أصيب بسرطان العظام خلال أسبوعين انتشر المرض ووصل إلى الرئة، حتى دخل في غيبوبة ليفارق الحياة في مستشفى الجلاء العسكري بمصر الجديدة وكان ذلك في شهر رمضان 6 سبتمبر 2008، عن عمر ناهز 78 عاما.
شيعت جنازته في 7 سبتمبر في جنازة عسكرية من مسجد آل رشدان حضرها مبارك ورئيس الوزراء وعدد من المسئولين وكان عدد المشاركين في الجنازة أقل من 200 شخص بسبب إغلاق الطرق المؤدية للمكان وقد استغرقت الجنازة أقل من 10 دقائق.