اشتهر بأديب الحب والحرية المثير للجدل والإعجاب والحب والرومانسية، إنه الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذي تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ101، والذى كانت حياته ثرية بالأحداث والإبداع، اجتمع فيها الفكر والسياسة والصحافة والحب والسجن والفن.
يظل إحسان عبد القدوس، من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم أشكال متنوعة من الحب، وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية، ويمثل أدبه نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات متعددة، وهو ابن السيدة روز اليوسف اللبنانية المولد وتركية الأصل وهي مؤسسة مجلة روز اليوسف ومجلة صباح الخير، أما والده فهو محمد عبد القدوس كان ممثلًا ومؤلفًا مصريًا.
نشأ إحسان عبد القدوس في بيت جده لوالده الشيخ رضوان، والذي تعود جذوره إلى قرية السيدة ميمونة زفتا الغربية، وكان من خريجي الجامع الأزهر ويعمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جدًا وكان يفرض على جميع العائلة الالتزام والتمسك بأوامر الدين وأداء فروضه والمحافظة على التقاليد، بحيث كان يُحرّم على جميع النساء في عائلته الخروج إلى الشرفة بدون حجاب.
وفي الوقت نفسه كانت والدته الفنانة والصحفية السيدة روز، سيدة متحررة تفتح بيتها لعقد ندوات ثقافية وسياسية يشترك فيها كبار الشعراء والأدباء والسياسيين ورجال الفن، وكان ينتقل وهو طفل من ندوة جده حيث يلتقي بزملائه من علماء الأزهر ويأخذ الدروس الدينية التي ارتضاها له جده. وقبل أن يهضمها يجد نفسه في أحضان ندوة أخرى على النقيض تمامًا لما كان عليه.. إنها ندوة روز اليوسف.
ويتحدث إحسان عن تأثير هذين الجانبين المتناقضين عليه فيقول: "كان الانتقال بين هذين المكانين المتناقضين يصيبني في البداية بما يشبه الدوار الذهني حتى اعتدت عليه بالتدريج واستطعت أن أعد نفسي لتقبله كأمر واقع في حياتي لا مفر منه .
درس إحسان في مدرسة خليل آغا بالقاهرة 1927-1931م، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج إحسان في كلية الحقوق عام 1942م، وفشل في أن يكون محاميًا. ويتحدث عن فشله هذا فيقول: "كنت محاميًا فاشلًا لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محاميًا لامعًا.
تولى إحسان رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، وكان عمره وقتها 26 عامًا، وهي المجلة التي أسستها والدته، وقد استلم رئاسة تحريرها بعد ما نضج في حياته، ولكن لم يمكث طويلًا في مجلة روز اليوسف ليقدم استقالته بعد ذلك، ويترك رئاسة المجلة لأحمد بهاء الدين، ويتولى بعدها رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم من عام 1966 إلى عام 1968، ومن ثم عين في منصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير في الفترة بين 1971 إلى 1974، وكانت لإحسان مقالات سياسية تعرض للسجن والاعتقالات بسببها. ومن أهم القضايا التي طرحها قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع. وقد تعرض إحسان لمحاولات اغتيال عدة مرات، كما سجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي وأصدرت مراكز القوى قرارًا بإعدامه.
بالرغم من موقفه تجاه اتفاقية كامب ديفيد إلا أنه في قصصه كان متعاطفًا مع اليهود كما في قصص : "كانت صعبة ومغرورة" و"لا تتركوني هنا وحدي".
لقد كتب إحسان عبد القدوس أكثر من ستمائة رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عددًا كبيرًا منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى أن 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية، وقد كانت معظم رواياته تصور فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، ومن هذه الروايات "النظارة السوداء" و"بائع الحب" و"صانع الحب" والتي أنتجت قبيل ثورة 23 يوليو 1952.
ويتحدث إحسان عن نفسه ككاتب عن الجنس فيقول: "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" وتوفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس عليّ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب، ونجيب محفوظ أيضًا يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية، لذلك فالقارئ يحس كأنه يتفرج على ناس من عالم آخر غير عالمه ولا يحس أن القصة تمسه أو تعالج الواقع الذي يعيش فيه، لذلك لا ينتقد ولا يثور، أما أنا فقد كنت واضحًا وصريحًا وجريئًا فكتبت عن الجنس حين أحسست أن عندي ما أكتبه عنه سواء عند الطبقة المتوسطة أو الطبقات الشعبية – دون أن أسعى لمجاملة طبقة على حساب طبقة أخرى".
وكذلك في روايته "شي في صدري" والتى صاحبتها ضجة كبيرة في العام 1958، والتي رسم فيها صورة الصراع بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشعبي وكذلك المعركة الدائرة بين الجشع الفردي والإحساس بالمجتمع ككل.
كما أن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر قد اعترض على روايته البنات والصيف، والتي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، ولكنه لم يهتم لذلك بل وأرسل رسالة إلى جمال عبد الناصر يبين له فيها أن قصصه هذه من وحي الواقع بل أن الواقع أقبح من ذلك، وهو يكتب هذه القصص أملًا في ايجاد حلول لها.
كان لإحسان عبد القدوس دورًا بارزًا في صناعة السينما ليس فقط عن طريق الأفلام التي أعدت عن قصصه ورواياته ولكن بالتي شارك في كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، فقد كان على النقيض من الأديب نجيب محفوظ، فهو لم يكن يؤمن بأن صاحب العمل الأدبي الأصلي لا علاقة له بالفيلم أو المسرحية التي تعد من عمله الأدبي. فقد شارك في صياغه وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم (لا تطفئ الشمس) للمخرج صلاح أبو سيف الذي كتب نص الحوار فيه، كما كتب الحوار أيضًا لفيلم (إمبراطورية ميم) الذي كانت قصته مكتوبة على أربعة أوراق فقط والذى أخرجه حسين كمال، كما شارك كذلك الكاتبين سعدالدين وهبة ويوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم (أبي فوق الشجرة).
وقد وصلت عدد رواياته التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات قرابة الـ 70 فيلما ومسلسلا سينمائيا وتلفزيونيا، منها ما عرض ومنها ما لم يعرض ليتربع بذلك على عرش أكثر كاتب وروائي له أفلام ومسلسلات في تاريخ السينما والتلفزيون المصرية، ولا ينافسه في ذلك إلا الأديب نجيب محفوظ. وقد أخرج لإحسان عبد القدوس عدد محدود من المخرجين وصل إلى 16 مخرجًا، وقد كان نصيب الأسد منها للمخرجين حسين كمال وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وأحمد يحيى، ولم يكن يتعامل مع أي مخرج يعرض عليه إخراج أعماله، بل يتعامل فقط مع من يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله بصورة جدية وجيدة.
وقد قام المخرج حسين كمال بإخراج 9 أفلام من روايات إحسان عبد القدوس أولها فيلم "أبي فوق الشجرة" الذي اعتبر في وقته نقله جديدة في السينما الاستعراضية، ومن ثم اتبعهم بفيلم "أنف وثلاث عيون" من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين، وتلاها بتقديم فيلم "إمبراطورية ميم" الذي كان نقلة نوعيه جديدة في السينما المصرية، وقد شهد فيه عودة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وليخرج بعدها فيلم "دمي ودموعي وابتسامتي" من بطولة نجلاء فتحي ونور الشريف، وكذلك فيلم "بعيدا عن الأرض"، ومن ثم قدم فيلمين للنجمة نبيلة عبيد هما "العذراء والشعر الأبيض" والذي كان انطلاقه كبيرة للفنانة نبيلة عبيد في عالم النجومية و"أرجوك أعطني هذا الدواء"، وآخر ما قدم المخرح حسين كمال من أعمال إحسان عبد القدوس كان فيلم "أيام في الحلال".
وبالرغم من كمية الأفلام التي انتجت من رواياته إلا أن هنالك جزء منها نجح نجاحًا باهرًا في السينما المصرية مثل أفلام "لا أنام" وهو من بطولة فاتن حمامة وإخراج صلاح أبو سيف و "في بيتنا رجل" من بطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف وغيرها من الأفلام التي أثرت السينما المصرية، ولكن كذلك هنالك بعض الأفلام التي كتبها لم تنجح كما كان متوقع لها بل وصفها بعض النقاد بأنها فشلت فشل ذريعًا.
ويقول إحسان عبد القدوس:" أما الممثلات اللاتي استطعن أن يجدن تمثيل شخصيات قصصي في مقدمتهن كانت فاتن حمامة، فقد استطاعت أن تصور خيالي عندما مثلت دور (نادية) في فيلم (لا أنام)، وعندما جسدت دور (فايزة) في فيلم (الطريق المسدود)، وأذكر اني ذهبت يوما أنا ويوسف السباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من فيلم (لا أنام) ووقفت أنا ويوسف السباعي مشدودين ونحن ننظر إلى فاتن حمامة فقد كانت تشبه البطلة الحقيقية للقصة التي كتبتها، كذلك من أفضل اللواتي جسدن شخصياتي هن نبيلة عبيد ونادية لطفي ولبنى عبد العزيز وسعاد حسني".
فالممثلة نبيلة عبيد أدت له العديد من الأعمال، فوصفها النقاد بأنها كانت نقلة كبيرة في مشوارها الفني، حيث قالت نبيلة عن إحسان:" لقد كان سببًا في وجودي في عالم السينما، فلولاه لما كانت نبيلة عبيد فقد كان ينتقي لي أدواري، ويعطيني العديد من النصائح لذا فأنا ممتنة له.