الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

داليا مكرم تكتب: طفل الفرض ضحية العصر

داليا مكرم
داليا مكرم

انتهت جلستي مع ذلك الطفل الشارد، لم أشك في ذكائه لكني لم أكن أتوصل إلى سبب رفضه للتواصل حتى الآن.. 
أثبتت الفحوصات أنه لا يوجد أي مشكلة عضوية أو وراثية أو عقلية، تقول والدته أنه يعاني من عدم الثقة بالنفس، ولا يحب التواصل مع أشقائه وزملائه ومنعزل.

أردت أن أري المشاهد التي يكون جزءا منها من بعيد، يأتي الأب أحيانا بذلك الوجه المتهجم و اللهجة العصبية مع عادته بالبدأ في البحث في شنطة الطفل أولا ترديد السلام، يريد أن يطمئن إن كان قد نسى شيئا من أدواته أم لا وأحيانا يوبخه على مسمع من الجميع!، وأيام أخرى تأتي والدته في عجاله لأخذه مع ثرثرتها المستمرة في لفت الانتباه حول ما تعانيه مع ذلك الطفل العنيد، وتستوقفني لتتلو علي قائمة مهامها اليومية والمنزلية التي لا تنتهي، ومهام عملها الذي يأخذ من وقتها الكثير و التزامها بالفروض اليوميه الزوجيه و مشقة دور الأمومة.

نعم أعلم أن هذا عبأ لا يحتمل ولكن لماذا وافقتي على الاشتراك في هذا العبء؟! هل أجبرتي؟، نظرت لي في صمت وقالت لا لكنها فروض الحياة، التفتت إليها قائلة وهل الإنجاب فرض!، هل تعتقدين أن الإنسان منا يمكن أن يحب ويخلص لشئ مفروض عليه!، هذا الطفل إن لم يأت بحب لن يستطيع أن يكون سليما معافى نفسيا وإذا كنا نعتقد أنه لا يشعر أن وجوده مجرد فرض فيجب أن نشك في ذكائنا وفطرتنا، فإذا كنا نعتقد أننا قمنا بواجبنا نحو أبنائنا عندما أطعمناهم وعلمناهم وفي مقابل ذلك يجب أن يكونوا رهنا لنا، سعداء، أسوياء محبين لنا وللحياة، ربما إذا توقفنا للحظات قبل إطلاق هذا القرار لنسأل أنفسنا هل نحن أسوياء نفسيا و لدينا شريك سوى لنأتي بطفل إلى هذه الحياة؟!، هل تحررنا من مشاكلنا النفسية؟

وإذا كانت الإجابة لا فهل نرغب أن نتغير لنقوم بذلك الدور علي أكمل وجه؟، هل تربينا بشكل صحيح ولدينا الثقافة التي تجعلنا نستطيع التفاهم مع ذلك الإنسان الجديد؟!، هل نحن في مكان آمن؟! هل نحن في أمان مادي؟!، هل نحب بعضنا بالقدر الكافي الذي يجعل منا أسرة تستطيع العطاء والعطف والمحبة دون شروط؟!.. بحر من الأسئلة يجب علينا التعمق فيها لنقرر ما إذا كنا نستطيع أم لا.

فالأمومة ليست فرض والأبوة ليست التزامات، وإنجاب الأبناء ليس ببطولة، أعتقد أن وجود إنسان جديد لا يحتاج منا سوى أن يشعر أنه ليس فرضا من فروض حياة أبوية، ليس عبئا لا بد منه، فليس عيبا أن نعترف أننا غير مستعدين للإنجاب أو للزواج حتى العيب أن ننجب ونحن غير أهل لذلك. 

تعلمنا من تقاليدنا أن الزواج فرض والإنجاب فرض فتزوجنا أشخاصا لا نحبهم وأنجبنا أبناء لم نعرف كيف نحبهم حبا سويا.. نحن من نفرض أنفسنا على أبنائنا عندما نقرر مجيئهم إلى هذه الحياة ونعتقد أننا نمن عليهم بذلك وفي الحقيقة لسنا مستعدين لحبهم بالقدر الكافي وتقديس وجودهم وإشعارهم بأن وجودهم مرغوب وليس فرضا من فروض الحياة، فكيف تفرض أعباءك على إنسان. وتدعي أن الحياة هي التي فرضته عليك؟.

فإذا لم نواجه أنفسنا أبدا فكيف نصر على استمرار هذه المهزلة الأبدية وتقديم ضحايا جديدة للحياة، فرض الحياة على طفل وتشويهه نفسيا أسهل وأسوأ ما يمكن فعله وهم مرض هذا العصر، لا أعبر عن نظرة تشاؤمية لكني أعتقد أنها واقعية فبعد كل جلسة لي مع طفل أكون على يقين أن الأولى بالعلاج هم الآباء، ترى هل يمكن أن يطبق فحص نفسي إجباري لمن يرغبون في الحمل أو حتى الزواج مثل الفحوصات الصحية!؟، وهل يمكن أن يحسن ذلك من مستقبل الأطفال والمجتمعات أيضا؟.

عليك أن تخبر طفلك بمشاعرك الصادقة كل يوم أنصت لطفلك، فكم من طفل محبط عصبي المزاج انطوائي لأن لا أحد يسمع داخله وينصت له، طفلك هو انعكاس لما في داخلك إذا كان إيجابيا أو سلبيا، ليس عيبا أن تقرر إصلاح ما بداخلك أولا ثم تضيف إنسانا سويا محبا لهذا العالم.