الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر بين حريقين!



عفوا، لو كان المقال طويلا بعض الشئ ، ، لكن صبرا ، فهو مخصص للمقارنة بين يومين أسودين في تاريخ مصر الحديث، لعبا فيهما الإخوان "صهاينة الإسلام" دورا خائنا كبيرا جدا، مستغلين مشاعر وطنية لشعب عانى، ما لبثت أن حولوها لفوضى وخراب!

اليومان هما ٢٦ يناير ١٩٥٢, و٢٨ يناير ٢٠١١، وللأسف سأضطر لترديد عبارة "التاريخ يعيد نفسه" ، التى تقال فقط لمن لا يقرأ التاريخ، فلو كنا عرفنا تاريخنا ما كنا ضربنا بنفس السلاح مرتين، من هؤلاء الخونة الأغبياء وحلفائهم!

البداية ليست من ٢٦ ولا ٢٨ ، بل كما كان هناك حادث القديسين الإرهابي الدامى في نهايات ديسمبر ٢٠١٠, كانت هناك مذبحة  للأقباط وحرق لكنيسة بالسويس في ٤ يناير ١٩٥٢، على يد الإخوان وبرعاية مباشرة من الإنجليز، الذين كانوا يحتلون القناة وقتها، بعدما خرجوا من الفاهرة، عقب الإلغاء الرسمى النهائي لمعاهدة ٣٦!

تصوروا، هذه الأحداث الإرهابية في ٤ يناير ١٩٥٢, حينما حرض إخوان السويس علي أقباط المدينة, ونشروا اتهامات مثل التى سمعناها كثيرا على الإخوان والمتأسلمين عموما عن عمالة الأقباط واخفائهم للأسلحة، وكان للإنجليز في تلك الواقعة دورا كبيرا فروجوا لقصص عن أقباط يقفون معهم في صفوفهم ويطلقون النار علي المسلمين، وبعد التحريض الإنجليزي قامت جماعة أسمت نفسها "إخوان الحرية"  بالهجوم علي أقباط المدينة وسحلوا عددا منهم بعد قتلهم والتمثيل بالجثث وتعليق خطافات الجزارة في أجسادهم، وبعد ذلك ذهبوا بهم الي كنيسة السويس ثم حرقوا الكنيسة!

  وقتها قامت الدنيا في مصر وتوقفت الكنائس عن احتفالات عيد الميلاد المجيد ، نفس أجواء حادث القديسين ، الذي روجت شائعات عن دور الداخلية ثم حبيب العادلى ثم مبارك فيه، وعودة لحادث كنيسة السويس في في ٥٢', والمشهدان لا يختلفان أبدا ، وذهب النحاس باشا لمقابلة البابا يوساب الثاني ورفضت الكنيسة تعويض الحكومة لبناء الكنيسة المحترقة، وانتهي الموضوع دونما متهم ودونما تحقيق عادل، ظلت الأحداث تتفاقم بسبب تأجيج الإنجليز للمشهد بتحريض العملاء الإخوان وحلفائهم من متطرفي اليسار، مستغلين حالة الضبابية السياسية وصراعات الأجنحة المشتعلة، وفي هذا التوصيفات لا خلاف واحد بين يناير ٥٢ ويناير ٢٠١١!.. إلا بالكاد في جنسيات المخابرات الداعمة الفوضي!
   
وكالعادة، يستغل الخونة والفوضويون المشاعر الوطنية التى أحيانا ما يعميها الغضب، حيث خرجت المظاهرات بتدافع كبير اعتراضا على المجزرة التى ارتكبها الاحتلال الانجليزى في حق جنود الشرطة البواسل بالإسماعيلية، وكان الاحتلال يخطط لهذا الغليان بأية طريقة، وكانت البيئة الاجتماعية والاجواء السياسية مؤهلة لذلك بصراعات حكومة النحاس والملك، من ناحية ، والحكومة والانجليز من ناحية
،وزحف المتظاهرون تجاه الجامعة وانجرف معهم الطلبة ، واتجهوا إلي مبني رئيس الوزراء مطالبين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا و إعلان الحرب عليها ، فأجابهم عبد الفتاح حسن وزير الشئون الإجتماعية بأن الوفد يرغب في ذلك و لكن الملك يرفض ، فقصد المتظاهرون قصر عابدين و إنضم إليهم طلبة الأزهر وتجمعت حشود المتظاهرين الساخطين علي الملك و أعوانه و الإنجليز .

و ما أن إنتصف اليوم حتي بدأت الشرارة الأولي للحريق من ميدان الأوبرا بإشعال النيران في كازينو أوبرا ، وانتشرت النيران في فندق شبرد ونادي السيارات وبنك بركليز ، وغيرها من المتاجر و مكاتب الشركات ودور السينما والفنادق والبنوك ، وكان التركيز علي الأماكن والملاهي الليلية، التي ارتبطت بارتياد فاروق لها و المؤسسات ذات العلاقة بالمصالح البريطانية .

و طالت الحرائق أيضاً أحياء الفجالة و الظاهر و القلعة و ميدان التحرير و ميدان محطة مصر ، وسادت الفوضي و أعمال السلب و النهب ، حتي نزلت فرق الجيش إلي الشوارع قبيل الغروب ، فعاد الهدوء إلي العاصمة وإختفت عصابات السلب و النهب ، و أعلنت الحكومة الأحكام العرفية ، و لكن لم يتم القبض علي أي شخص في هذه اليوم .

اختلفت الروايات في عدد من قتل في ذلك اليوم نتيجة الحرائق و الشغب ، و لكن جمال حماد في كتابه "أسرار ثورة 23 يوليو" يقول أن 26 شخص قتلوا في ذلك اليوم ، 13 في بنك باركليز ، 9 في الترف كلوب ، و الباقي داخل بعض المباني و الشوارع ، كما دمرت النيران ما يزيد عن 700 منشأة موزعة بين محلات وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة ، أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك ٣٣ مكتبًا لشركات كبرى و117 مكتب أعمال وشقق سكنية و13 فندقًا كبيرًا مثل شبرد ومتروبوليتان وفيكتوريا و40 دار سينما منها ريفولي وراديو ومترو وديانا وميامي و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات و10 متاجر للسلاح و73 مقهى ومطعم وصالة و92 حانة و16 ناديًا ، أي أن النيران أحرقت كل المظاهر الحضارية للقاهرة وشلت كل مراكز التجارة بها !

ويظل حريق القاهرة واحدا من الأحداث المصرية الأكثر غموضا في التاريخ المصري الحديث، لكن يبدو أن قائمة الأحداث الغامضة تطول بالذات بما حدث في ٢٨ يناير ٢٠١١, وسأضطر في هذا الصدد للجوء لوثيقة فرنسية لغياب وثائقنا للأسف حتى الآن، كلها شهادات عيان متروكة الاجتهادات دون تحقيقات رسمية، وتفيد الوثيقة التى تعود لصحفي بالفيجارو ، يقول إنه كان حاضرا للمظاهرات، ويصفها بدقة ، وكأنها مظاهرات ٢٨ يناير ٢٠١١، التى تحولت لفوضي في نهايتها، مع اختفاء الشرطة، الذي حدث في الحالتين بالمناسبة، لكن هناك اختلاف بالطبع، بين مظاهرات كان محركها الأساسى دعم الشرطة ، ومظاهرات محركها الأساسي دحر الشرطة!

العنصر المشترك في الحالتين ، الإخوان صهاينة الإسلام ، هذا الجماعة الإرهابية التى دنستنا بها المخابرات البريطانية، كجماعة تهييجية تستغل الدين في إلهاب شعور الناس بإسم السياسة، بالإضافة حلفائهم من متطرفي اليسار!

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن المصطلحات التي استخدمت بعد 28 يناير 2011، هي تقريباً نفس المصطلحات التي تم استخدامها فيما قبل وبعد يناير 1952، فكلمة «فلول» التي طاردت بقايا الحزب الوطنى بعد يناير، هي نفس الوصف الذي أطلقه قادة «الطليعة الوفدية» على أحزاب الأقلية المجابهة للوفد!

تقارير البوليس السياسى كشفت الدور الذي قام به الشيخ محمد فرغلى، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان ، يوم السبت 26 يناير عام 1952، «عندما شوهد ومعهم عناصر من الجماعة، وهم يحرضون المتظاهرين الغاضبين على أعمال الفوضى وإحراق المنشآت التجارية والملاهى»، وهو نفس السيناريو الذي تكرر في جمعة الغضب يوم 28 يناير 2011.

في الحالتين كانت الإدارة الأمريكية شريكاً في الحادثين بشكل أو بآخر، ففى «حريق القاهرة»، كانت المخابرات الأمريكية شريكاً أصيلاً للمخابرات البريطانية في الإعداد لهذا المخطط، فأمريكا لم تكن راضية عن سياسة حكومة الوفد برئاسة مصطفى النحاس باشا، وشاركت في كل العمليات التي مورست على الحكومة «شهادة إبراهيم فرج وزير الشؤون البلدية والقروية بحكومة الوفد عام 1952 في حديثه لجمال الشرقاوى»، التى أشارت لها "المصري اليوم"!

وعودة للوثيقة الصحفية الفرنسية التى قال فيها چان ميرلى ، في صباح يوم 26 يناير قامت مظاهرات إثر اعتداءات الإنجليز على الشرطة بالإسماعيلية، وطلب المتظاهرون إرسال حملة تأديبية للقنال، ولام مواطنون وزير الداخلية، فؤاد سراج الدين، لتسببه في اغتيال  ٥٠ من بوليس القنال بإصداره الأمر لهم بمقاومة البريطانيين رغم تفوقهم في العدد، ومع حلول الظهر تبدّل الجو فاعتدى بعض المتظاهرين على كازينو بديعة وأشعلوا النيران فيه، بغية الانتقام من المتمتعين والباشوات والإقطاعيين الذين كانوا يلهون بينما تسيل دماء الأبطال في مدينة الإسماعيلية.

وبعد نصف ساعة، توجه المتظاهرون وغيرهم إلى شارع فؤاد الأول قاصدين سينما ريفولى وعندئذ اختفى البوليس ورأيت ثلاثين شاباً يهجمون على دار السينما وكنت أشاهد كيف أشعلوا النيران في السينما بصورة فنية احترافية، وكأنهم متدربون، وهذا ليس بالصدفة، خاصة لتواجد كميات كبيرة من المواد الحارقة مع متظاهرين بأعينهم، واستمر إشعال الحرائق حتى المساء في أكثر من مائة وخمسين محلاً مختلفاً، و استعمل البعض مضخات لرش البنزين على المبانى، وفى بضع دقائق تبخرت ثروات المدينة، وتحولت إلى دخان أسود.

واستكمالا للمخطط، توجه سفير الولايات المتحدة فى المساء إلى السراى الملكية لإبلاغ الملك بأن القوات البريطانية بالقنال ستصل إلى القاهرة بعد ساعة لحماية الرعايا البريطانيين وغيرهم من الأجانب ما لم يتدخل الجيش المصرى ويحفظ النظام، وهناك مصادر تقول أن الملك هو الذي استدعى السفير الأمريكى لأنه أدرك حرج مركزه لو لم يتدخل الجيش المصرى، فيما كانت قوى بالجيش ترقب المشهد وترفض ما يحدث، وكان واضحا هذا حتى قبل شهرة تنظيم "الضباط الأحرار" ، وكان الشارع راغبا في ذلك، بحمله ضباط جيش خلال المظاهرات، والاحتفال بالجيش حينما نزل بدورياته!


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط