حكم تربية
الحمام..اهتمّ الإسلام بالحيوانات جميعها، وجعل لها أحكامًا خاصّة ومنها حكم تربية الحمام؛ لذلك ينبغي للمسلم
إذا أراد أن يتعامل مع الحيوانات مهما كان نوع التعامل الحرص على انتهاج ما يتّفق مع
أحكام الشريعة الإسلاميّة ومن بينها حكم تربية الحمام والبعد عمّا حرّمته أو نهت عنه.
ومن الحيوانات التي نصّت الشريعة الإسلاميّة على
بعض الأحكام الخاصّة بها وبتربيتها الحمام والطيور، حيث إنّ العادة جرت عند البعض على
حبّ الاهتمام بالحمام وتربيته، و ربما التكسُّب منه بالبيع والشراء وغير ذلك، ويتساءل البعض منهم عن حكم تربية الحمام.
حكم تربية الحمام
لم يرِد نصٌّ شرعيٌّ في كتاب الله - سبحانه وتعالى-
أو سُنّة رسوله المصطفى - صلّى الله عليه وسلّم- يُشير إلى حكم تربية الحمام؛ سواءً
بالجواز أو المنع، لذلك يبقى حكم في تربية الحمام على ما جرى فيه الأصل في جميع
الأشياء التي لم يرد فيها نصٌ شرعي وهو الإباحة، وذلك في حال كون المقصود من تربيتها
مجرّد الإستئناس بها، والابتهاج من وجودها في المنزل، أو كان القصد من تربيتها ادّخارها
للأكل، أو بقصد استغلال ما ينتج منها كالفضلات، أو الاستفادة من إنتاجها في التجارة
والبيع والشّراء.
وإن كان في تربية
الحمام ضررٌ عامٌّ أو خاصٌّ على أحدٍ من الناس، فإنّ ذلك يكون من الأمور المنهيّ عنها؛
لثبوت الضّرر على الغير، عملًا بالقاعدة الفقهيّة القائلة:« لا ضَرر ولا ضِرار»؛ فلا
ينبغي للمسلم أن يُلحِق الضَّرر بغيره، ومن الإضرار بالغير أن تجورَ
على زرع الغير فتأكل منه أو تُتلِفه، أو تجُرَّ حمامًا ليس لصاحبها، فيستولي عليه الآخر
دونَ وجه حقّ.
حكم تربية الحمام
وجهت متصلة سؤالا إلى الدكتور مجدى عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، تقول فيه "ما حكم تربية الحمام فيالمنزل؟".
وأجاب « عاشور» قائلًا " تربية الحمام كتربية أى شيء آخر، فالحمام الأصل فيه الطيران ولكننا نقوم بحبسه فيجب إطعامه، والفرق بينه وبين الحيوانات الأخرى أنهاداجنة أى تأكل من المكان الذى تقيم فيها".
وتابع: " أما الحمام فيريد أن يطير فنكون بتربيته منعناه من أخذ حريته، فالأحسن أن يجعله يطير ويأكل طعامه من الخارج، ويجب على من يقوم بتربية الحمام أن لا يحبسه ولو حبسه فلا يكون كل الوقت حتى لا يقيد حريته".
ما ذكره الفُقَهاء
في تربية الحمام:
ممّا ذكره الفقهاء في تربية الحمام، ما يأتي:
١- ورد عن ابن قدامة
المقدسيّ أنّه قال: (واللّاعب بالحمام يُطيّرها لا شهادة له؛ لأنَّه سفاهة ودناءة وقلَّة
مروءة، ويتضمَّن أذى الجيران بطيْره، وإشرافه على دورِهم، ورمْيه إيَّاها بالحجارة).
٢- قال السرخسيّ صاحب
المبسوط: (فأمَّا إذا كان يُمسِك الحمام في بيتِه يستأنس بها ولا يطيّرها عادةً، فهو
عدْلٌ مقبول الشَّهادة؛ لأنَّ إمساك الحمام في البيوت مباح، ألا ترى أنَّ النَّاس يتَّخذون
بروج الحمامات، ولم يمنع من ذلك أحد).
٣- قيل في الآداب الشرعيَّة: (يُكْرَهُ اتِّخَاذُ
طُيورٍ طيَّارَةٍ تَأكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ، وتُكْرَهُ فِرَاخُهَا وبَيْضُها، ولا تُكْرَهُ
المُتَّخَذَةُ لِتَبْلِيغِ الأخْبَارِ فَقَط)، قالَ المَرُّوذِيُّ: قُلْت لأبِي عبد
اللَّه: ما تَقُولُ في طَيْر أُنْثَى جَاءَتْ إلى قَوْمٍ فأزْوَجَتْ عِنْدَهُمْ وفَرَّخَتْ،
لِمَن الفِرَاخُ؟ قالَ: يَتْبَعُونَ الأُمَّ، وأظُنُّ أنِّي سَمِعْته يَقُولُ في الحَمَامِ
الَّذِي يَرْعَى الصَّحْرَاءَ: أكْرَهُ أكْلَ فِرَاخِها، وَكَرِهَ أنْ تَرْعَى في الصَّحْرَاء،
وقَالَ: تَأْكُلُ طَعَامَ النَّاس).
٤- قالَ حَرْبٌ: (سَمِعْتُ أحْمَدَ قال: لا بَأْسَ
أنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ الطَّيْرَ في مَنْزِلِه إذَا كَانَتْ مَقْصُوصَةً؛ لِيَسْتَأْنِسَ
إلَيْها، فَإنْ تَلَهَّى بها فإنِّي أكْرَهُهُ، قُلْت لأحْمَدَ: إن اتَّخَذَ قَطِيعًا
مِن الحَمَامِ تَطِيرُ؟ فكَرِهَ ذَلِكَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، ولم يُرَخِّصْ فِيه إذا
كَانَتْ تَطِيرُ؛ وذَلِكَ أنَّهَا تَأْكُلُ أمْوَالَ النَّاس وزُرُوعَهُمْ).
شروط جواز تربية الحمام:
عدم تربية أنواع الحمام التي يكون من طبعها جذب الحمام الذي في ملك الغير، حتّى لا تنقلب الغاية من تربية الحمام إلى سرقته بطُرُق غير مباشرة.
شهادة مُربّي الحمام
ما يظهر من نصوص الفقهاء الواردة في كتُبهم أنّ عدم قبول شهادة مُربّي الحمام ليست مُطلقةً، إنّما تُردّ شهادته وفق حالات معيّنة، فإن خرج حال مربّي الحمام عنها كانت شهادته مقبولةً جائزةً، أمّا ما يجعل شهادة مربّي الحمام غير مقبولة فهو ما يأتي:
١- ألّا يتّخذ مُربّي الحمام تربيته للحمام في مقاصد مُحرَّمة أو منهيٍّ عنها، ممّا يؤدّي إلى إلحاق الضرر بالغير، فإن كان اتّخاذه لها وفق مقاصد صحيحة، ولم يكن في تربيته لها ضررٌ على الآخرين، فإنّ شهادته مقبولةٌ لا شيء عليها، قال ابن قدامة: (وإن اتّخذ الحمام لطلب فراخها، أو لحمل الكتب، أو للأنس بها من غير أذىً يتعدّى إلى الناس، لم تُرَدّ شهادته).
٢- إذا كانت تربيته للحمام على سبيل السَّفه، وتضييع الوقت، وقلّة المروءة، لم تُقبَل شهادته.
٣- إن تضمّنت تربيته للحمام إلحاق أذىً بالآخرين، مثل: الاطّلاع على دُورِهم، أو رميه إيّاها بالحجارة، فإنّ شهادته لا تُقبَل؛ لعدم تورُّعه في الكفِّ عن بيوت الناس، وتعمُّد إيذائهم.
إقرأ أيضاً:
حكم تربية الكلاب للحراسة.. الإفتاء تجيب
حكم تربية كلب في المنزل لرغبة الأبناء
حكم تربية طيور الزينة
حكم تربية الحيوانات
حكم إخراج الزكاة على «تربية الدواجن»
حكم تربية القطط.. تعرف على ضوابط الاحتفاظ بها وبما شبهها النبي
تربية القطط ليست من الأمور المحرمة على المسلم، حيث أجاز علماء الفقه الإسلامي للإنسان المسلم أن يتملّك المباحات ما لم يسبقه إلى تملّكها أحدٌ، كأن يأخذ شيئًا من الحطب أو الأخشاب من الشجر ونحوها، أو أن يأخذ قطةً ويربيها لديه، ويدخل ذلك الشيء في ملكه بوضع يده عليه ما لم يكن ملكًا لأحدٍ، وبناءً على ذلك فلا بأس في أن يربي الإنسان قطةً.
كما يباح له الاحتفاظ بها بشرط أن يُحسن معاملتها فلا يؤذيها، ويشترط له أن يطعمها أو يتركها تأكل من خشاش الأرض إن كان غير قادرٍ على توفير الطعام لها، لكن إذا ثبت ضررها؛ كأن تكون مصابةً بمرضٍ يمكن أن ينتقل للإنسان فلا ينبغي له حينها الاحتفاظ بها؛ لأنّ القاعدة الشرعية تقضي بأنّه: لا ضرر ولا ضرار.
واستدلّ العلماء لجواز الاحتفاظ بالقطة بقول النبي - صلّى الله عليه وسلّم-: (إنها لَيْسَتْ بِنَجَسٍ؛ إنها مِنَ الطَّوَّافينَ عليكم والطَّوَّافاتِ)؛ فقد شبّه الرسول القطط في الحديث السابق بالخدم الذين يقومون بخدمة الناس، فهي مع الناس في بيوتهم وعند أمتعتهم فيصعب عليهم الاحتراز منها.
وأمّا فيما يتعلق بأكل القطة من الطعام أو شربها من الشراب؛ فذلك لا ينجّس الطعام أو الشراب؛ لما ورد عن السيدة عائشة – رضى اللهعنها- في سنن أبي داوود من أنّ امرأة أرسلت إليها بهريسةٍ، فوجدتها تصلّي، فأشارت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن تضعها حتى تُنهي صلاتها، فجاءت هرة، وأكلّت من الهريسة، ثمّ أنهت السيدة عائشة صلاتها، وأكلت من حيث أكلت القطة، وقالت: «قد رأيتُ رسولَ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يتوضَّأُ بفضلِها»، وهكذا يظهر أنّ القطة إذا أكلت أو شربت من إناءٍ فلا ينجس، وللإنسان الخيار في أن يأكل أو يشرب منه إن طابت نفسه لذلك ولم يتبيّن ضرره، أو أن يتركه إن لم تطب نفسه لذلك.
وضع الإسلام أحكامًا عديدةً تبيّن حدود وضوابط التعامل مع الحيوانات، ويأتي ذلك في إطار شموليته وكماله، وتتفق مع صفة الرحمة التي تتصف بها الشريعة الإسلامية، وفيما يأتي بيان جانبٍ من تلك الأحكام:
1- وجوب القيام على الحيوان بما يصلح حاله ويناسبه، فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه مرّ بجمل قد التصق ظهره ببطنه من شدّة الجوع، فقال:« اتَّقوا اللَّهَ في هذهِ البَهائمِ المعجَمةِ فاركَبوها صالِحةً وَكُلوها صالحةً».
2- وجوب قيام مالك الحيوان بالإنفاق عليه.
3- جعل الإسلام الإحسان إلى الحيوان بإطعامه وسقايته سببًا في مغفرة الذنوب.
4- أمر الإسلام بالرحمة في التعامل مع الحيوان، واستخدامه في شؤون الإنسان.
5- نهى الإسلام عن التحريش بين الحيوانات؛ أي تهييج بعضها على البعض؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى إيلامها وإتعابها بلا فائدةٍ، بل لمجرّد العبث واللهو.
القرآن الكريم ينصّ على تكريم الحيوانات، ومكانتها، ويحدّد موقعها إلى جانب الإنسان في هذه الحياة، ففي سورة النحل مثلًا أخبر الله - تعالى- عن قدرته في خلق السماوات والأرض، ثمّ أتبع ذلك بحديثه عن خلق الإنسان، وألحق ذلك بذكر الحيوانات، حيث قال: «وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ*وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ*وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ».
وقد استنبط العلماء من هذه الآيات الكريمة جملةً من الأمور المتعلّقة بالحيوانات، أولها أنّ الحيوانات مرتبطةٌ بالإنسان بشكلٍ كبيرٍ، كما أنّها قريبةٌ من موقعه، لذلك فلها عليه حُرمةٌ، كما استنبطوا أيضًا أنّ الحيوانات تأتي في المرتبة الثانية بعد الإنسان من حيث شرفها على سائر الخلق، وذلك لما تختصّ به من الحواس الظاهرة والباطنة والشهوة والغضب، كما أنّ في الآية إشارةٌ مهمةٌ إلى أنّ نظرة الإنسان إلى الحيوانات يجب ألّا تقتصر على نفعها المادي من مأكلٍ ومشربٍ وملبسٍ، بل تتعدّى ذلك إلى النظرة المعنوية لها؛ لما فيها من جمالٍ يقتضي الإحسان إليها، والرفق في التعامل معها.