الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تسونامي الكورونا الوهمى في جروبات الماميز!


معروف أن التليجرام من أهم البؤر ، التى يحتمى فيها الإرهابيون حول العالم ، وينقلون تواصلاتهم عليه منذ ظهوره ، ومعروف أن التويتر والفيس بوك أثرا في نتائج انتخابات حول العالم في دول عظمى ، بعد دورهما الكبير جدا في موجات الخريف العربي المتتالية .. لكن يبدو أن الواتس آب ، الشقيق الأصغر للفيس بوك ، قد سحب منه البساط في التحريك والتأثير بشكل كبير ، ولقد فطنت الصين لكل هذه التطبيقات وخطورتها منذ البداية ، وصنعت لشعبها تطبيقات خاصة بها أشهرها الويشات ، لذلك تحصنت بشكل أو آخر من هذه الفوضي التى تحرض عليها السوشيال ميديا ، إن كان تطبيقات إنترنتية أو تليفونية ، هذا إن إستثنينا أحداث هونج كونج بشكل أو آخر !


هذه الاستهلالة سيتصور البعض إنها بعيدة عن موضوع المقال المعلوماتى الأساسي ، لكن بالعكس هى في عقر داره ، فالفوضي التى تتبلور مع الوقت من خلال جروبات الواتس آب وجروبات الماميز ، لدرجة إنها تحولت لخطر على الأمن القومى للبلاد ، هى ظاهرة عالمية لمن لا ينتبه ، وتعانى منها عدة دول وليست مصر فقط ، لكننا تفوقنا بشكل كبير في هذه الساحة السلبية للغاية ، لأسباب عديدة منها ميلنا لتصديق السيئ ، وميلنا لمحاصرة أنفسنا بالمظلوميات ، بخلاف عدم الثقة بين الحكومات والشعب قبل وبعد يناير ويوينو ، وطبعا للبعد الثقافي ، ولن أقول الجهل أو عدم المعرفة دورا كبيرا .


لم أفضل البداية باستعراض الحالة المرصودة من البعض ، ودخلت في صلب الأجواء والأسباب ، فالكل يرصد حالة الفوضي على جروبات الواتس آب ، وبالذات جروبات "الماميز" .. إنه أمر في غاية الخطورة على كل الأصعدة ، بدأ في دوائر ضيقة من مجرد قلاقل في مجموعات حتى أسرية أو مصالح محدودة ، إلى فوضي في المدارس والجامعات والبرلمان والمؤسسات المختلفة ، حتى إشتكى منها مسئولون كبار منها وزير التعليم وعلق عليها رئيس البرلمان نفسه في أزمة الفيديو الجنسي ، وتوسع خطر جروبات الواتس آب وبالذات جروبات الماميز ، حتى إنتقل لمصاف الخطر الكبير المعقد على الأمن القومى.


 ولمن لا يعرف ف"جروبات الماميز"، التى أطلت علينا بظواهرها السلبية، رغم إنها وسيلة كانت من الممكن أن تحقق الكثير من الإيجابيات ، هى تلك الجروبات التى تنشأها الأمهات على تطبيق الواتس آب، لمتابعة أعمال وأنشطة أبنائهم وبناتهم في المدارس المختلفة .. واجبات ومواقف بين الطلبة والمدرسين وإدارات المدارس .. نالتها نصيبا من الفوضي بعدما كانت عنصر تأثير مهم جدا تحول للسلطوية في المدارس ، قوم أساليب المخطئين وواجه فسادات وتقصير الآخرين ، والجروبات مستمرة في هذه الإيجابيات بقوة ، لكنها تحتاج بعض التقويم والرصانة ، مع الوضع في الاعتبار إنها إنعكاس لتغييرات معقدة في المجتمع ، طوال العقد الأخير.


مارك زوكبرج الذي إقتنص هذا التطبيق بعدة مليارات من الدولارات من مبدعيه ، وكانوا طلبة مثله وهذا مشروع تخرجهم ، قبل أن يكمل منافسته لتطبيقه الأشهر فيس بوك ، ليضمه لإمبراطورية السوشيال ميديا الخاصة ، يبدو إنه لم يكن يدرك أن جروبات الماميز ستكون من أكثر المحركين لهذا التطبيق ، وبالذات الماميز المصريات ، لكن يبدو أيضا أن هناك جهات ما أدركت ذلك وتحركت لنشر تأثيراتهم من خلال هذه الساحة الجديدة ، فالمسامع الصوتية التى انتشرت بشكل بشع خلال الفترة الأخيرة، لتشيع معلومات غير صحيحة بالمرة عن انتشار الكورونا في مصر ، وأن هناك إصابات في المدارس ، وتلاميذ ماتوا ومدراسهم أغلقت أبوابها ، وسط تعتيم غير مبرر من الحكومة وجهات عليا ... ومع كل أوديو يزيد عدد الوفيات وتتعقد الدراما المزيفة وكأنها فيلم مقاولات رخيص مفضوح ، لكنه يتم تمريرها  بأصوات باكية وصراخ من أمهات مجهولات مع ترديد أسماء مدارس ، وأخرى بأصوات رجال وسيدات وكأنهم أطباء أو يعملون بوزارة الصحة وقطاع مكافحة العدوى ، حتى يضفون بعض المصداقية على أكاذيبهم !


وبالفعل ، للأسف هذه الترويجات المعمولة بإتقان مخابراتى عالى ، بعيدا عن نظريات المؤامرة طبعا ، أثرت جدا في المجتمع المصري ، رغم محاولات البعض الرد عليها في نفس الساحة ، حيث كان الضغط كبيرا ، بالذات إن الخوف مسيطر على كل البيوت والعقول من هذا المجهول ، ومع استمرار تزايد مبررات ما روجوه حول التعتيم الحكومى وتهديد من يتكلم ، في أجواء بوليسية وأكشن غريب ، إستلذه البعض بسادية غريبة ، فإنتشرت هذه الأوديوهات كالنار في الهشيم أو كالفيروس في السوفت وير ، لتكون تعبيراتنا في نفس سياق حديثنا التكنولوجى، ووصلت لأعلى الدوائر في الدولة ، حتى تدخل مجلس الوزراء ونفي كليا هذه المسامع ، التى تدارستها الجهات المختلفة فعلا ، ونشرت كل المدارس التى ذكرت أسماؤها في بعض المسامع نفيا معلوماتيا وبيانات على ما تردد كذبا !


لكن لإعتبارات كثيرة ومعقدة ، منها إعلام وصحافة ضعيفة ، وعدم وجود لجان إلكترونية قوية على السوشيال ميديا تدافع وترد وتبصر الناس ، في مقابل جروبات ولجان كبيرة وكثيرة من الجهات المعادية ، تنشر الفوضى والخوف والرعب في قلوب المصريين ... توسعت دائرة الأوديوهات المضروبة ، حتى وصلت إلى الخارج بقصد وبدون قصد ، حيث وصلت لمستويات قيادية في الخليج وإسرائيل وتركيا وبالتأكيد جهات أخرى لم تتعامل معها علنية ، وتلاعب كل الأعداء بكل الوسائل ضدنا لتشويه صورتنا وإرباك المشهد بقوة ، حتى إن الاصدقاء والحلفاء لم يراجعونا وإضطروا لمجارة الخائفين من ترديدات كاذبة .


فكل المستمسكات التى استخدمها أعداؤنا ضدنا في نشر شائعات وقوع مصر في الكورونا ، وسط إصرار من الحكومة على إخفاء الكارثة ، على شاكلة الإتهامات الموجهة لإيران .. كان المسامع المضروبة الموزعة على جروبات الماميز المصريات ، ووصلت لأيدى قيادات إخوانية وإسرائيلية وتركية "عايرونا" بها ، وكان الأبرز النائب الإخوانى الكويتى المطيرى ، الكاره لمصر ، والذي ضغط على السلطات الكويتية بإدعاء مفاد مسامع جروبات الماميز المصريين ، التى تروج إلى أن الكورونا متفشية في مصر لكن الحكومة تعتم عليها ، ويستدل بالحالات التى ظهرت في الصين وفرنسا وكندا وتايون ، وهى عائدة لبلادها من مصر !


لكن المطيرى لم يكن وحده ، فكان هناك المحلل الإسرائيلي إيدى كوهين الذي يتباهى بإنه مقرب للموساد الإسرائيلي ، والذى حذر الخليج من المصريين وطالبهم بوقف الرحلات للمصريين ، حتى لا ينتشر الفيروس في بلادهم ، والغريب إن الخليج يستقبل الإسرائيليين ، رغم وجود إصابات في إسرائيل ، ورغم إن تل أبيب وقعت في نفس الخطأ ، وصدرت الكورونا لبلاد أخرى ، بعدما أعلنت كوريا الجنوبية عن تسع سياح كوريين مصابين عائدين من إسرائيل .


وهناك عدد كبير من الكتاب القطريين والإعلاميين العاملين بالجزيرة ، الذين شاركوا في هذه الترديدات ، وخلال ساعات كان الطيران الكويتى والطيران القطرى قد أصدر بيانات تعلن منع المصريين من الدخول لبلادهم ضمن إجراءات منع تفشي الكورونا في مفارقة غاية في الغرابة ، فالكويت وقطر تتعاظم فيهما الإصابات من إيران ، ولم توقفا الطيران من طهران بشكل تام ، فيما فعلوا ذلك مع مصر في موقف يظهر مدى التربص .


ولكن حتى لا نغوص في هذا البعد المعقد ، هو الآخر ، يجب آلا نغيب عن أدمغتنا إننا نحن الذين منحناهم الفرصة ، أو بالأحرى نسبة كبيرة جدا منا ، بهذا السعار المجنون من نشر الشائعات ، الذي تطور إلى الترويج للأوديوهات عن طريق "الفوروارد" المستفز بدون مراجعة لمصدر المعلومة .. فلو وقفت هذه الأوديوهات في نطاق ضيق وحاصرناها ، لم تكن لتنتشر بهذه الطريقة الملعونة التى ضرتنا على كل مستويات الآمن القومى الاقتصادية والسياسية والمخابراتية.

ولهذا أدعوكم ونفسي لبعض التفكر وإعمال العقل ، ومراجعة مصدر المسمع قبل أن أرسله لآخرين ، لأن من يرتكب هذه الجريمة يخرب بيت نفسه قبل أى أحد آخر .. الأزمة على تعقدها ووصولها العالمية ، إلا إن مواجهتها بسيطة جدا ، فقط بعض التعقل والمنطقية، حتى لا أمنح النار الأكسجين الذي تريده للإنتشار !


وحتى لا يكون كلامنا "هريا" ، وفق التعبير السوشيالى الشهير .. فعلى كل المراكز المختصة في علم الاجتماع والنفس السياسي أن تتعب نفسها قليلا ، لتحلل لنا مثل هذه الظواهر الخطيرة ، ذات البعد المخابراتى الأمنى الاستراتيجى ، لتطورها بشكل غاية في الخطورة ، وعلى الحكومة أن تجتهد بشكل أكبر من ذلك في مواجهة هذه الترويجات قبل تعاظمها ، فبيانات النفي لم تعد قادرة وحدها على المواجهة ، خاصة إن هناك أوديوهات تبرر النفي ، بحجة أن هناك جهات سيادية تأمر بالتعتيم ، والناس تصدق غالبا هذا التبرير بشكل أو آخر ، في غياب إعلام وصحافة مؤثرة وقانعة .


ويجب على كل مواطن مصري وطنى مسئول موجود في جروبات الماميز والبابيز ، أن يواجه ويرد ويبصر ، بردود منطقية وبنفس طويل دون خناقات ، لنرفع غطاء المصداقية الذي يخادعون به بعض غير العارفين والموتورين .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط