الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكايات من زمن فات.. محمد مستجاب تعايش مع الصعيد واستخدم مفرداته في كتاباته

صدى البلد

اهتم الأديب الكبير محمد مستجاب، الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، باللغة العربية وقواعدها، وكان مدركا جدا لها ومحترفا في العمل بها، بل كان أيضا يحب أن يلاحظ اللغة في كل شيء من حوله ويتأمله ويقومه بالتصحيح أو التعليق عليها أو إعراب الكلمات.
وتميزت أعمال مستجاب بالاستخدام الراقي لمفردات اللغة وصياغة إبداعاته في جو يختلط فيه الحلم مع الأسطورة في واقعية ساخرة، وكتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي.

ولد محمد مستجاب عام 1938 في مركز ديروط بمحافظة أسيوط، وعمل في الستينات في مشروع بناء "السد العالي" في مدينة أسوان وثقف نفسه بنفسه بعد أن توقف دراسيا عند مستوى شهادة الثانوية، ثم التحق بمعهد الفنون الجميلة ولكن لم يكمل دراسته بالمعهد، عمل بضعة أشهر في العراق وبعد عودته إلى مصر عمل في مجمع اللغة العربية وأحيل إلى التقاعد بعد بلوغه سن الستين عام 1998.

ونشر مستجاب أول قصة قصيرة وكانت بعنوان "الوصية الحادية عشرة" في مجلة الهلال في أغسطس 1969، وقد جذب إليه الأنظار بقوة، وأخذ بعد ذلك ينشر قصصه المتميزة في مجلات عدة، وصدرت روايته الأولى "من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ" عام 1983 التي حصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية عام 1984 وترجمت إلى أكثر من لغة، تلتها مجموعته القصصية الأولى "ديروط الشريف" عام 1984، ثم أصدر عدة مجموعات قصصية منها "القصص الأخرى" عام 1995 ثم "قصص قصيرة" عام 1999، ثم "قيام وانهيار آل مستجاب" عام 1999 التي أعيد طبعها ثلاث مرات بعد ذلك، ثم "الحزن يميل للممازحة" عام 1998 وأعيد طبعها أيضًا عدة مرات، ثم أصدر روايتين هما "إنه الرابع من آل مستجاب" عام 2002 و"اللهو الخفي" التي صدرت قبل شهرين من وفاته.

وحولت إحدى قصصه إلى فيلم سينمائي عنوانه "الفاس في الراس" بطولة عزت العلايلي وليلى علوي، واشترك مع المخرج وحيد مخيمر في كتابة السيناريو والحوار لهذا الفيلم الذي ساعد رضوان الكاشف في إخراجه وتم عرضه في 27 ديسمبر.

ولعل ما يميز سرد الروائي والقاص الكبير الراحل محمد مستجاب، ما اجتمع عليه نقاد أدبه، من أنه كان سرد مكتوب على جلسات المقاهي، والمنتديات، تماما كمنشدي السيرة الشعبية في ريف مصر.

يستمد إبداع محمد مستجاب بهائه وجماله وفتنته من استخدامه لمفردات البيئة، وسخاء خياله الكبير، ومن ذلك يقول في مستهل قصته المعنونة بـ"الصحراء" إحدى قصص كتابه "الحزن يميل للممازحة: هالني أن القمر جاء في غير موعده، منحني فطائر ومشروبات ونقودا، وعندها جاهد مخترقا النافذة ليعود إلى سمائه".

 ويعد مستجاب من جيل صاحب تجربة، قد تكون مختلفة عن كاتب آخر في الستينيات، فكان مقتنعا أن الكتابة يجب أن يكون لها طعم لذا اهتم كثيرا بالتفاصيل، واهتم بفكرة التعايش لذا كتاباته عن الصعيد نابعة من معايشته لحياة الصعيد، لأن الكاتب الجيد هو من يذهب إلى المكان ويعيش به ويتعايش مع أهله.

ولم يكن محمد مستجاب كاتبا فقط بل كان مثقفا ومهتما بالفن والفنون بأشكالها من السينما إلى الرسم والتصوير والموسيقى، وكان عندما يتأمل عملا فنيا يجب أن يتأمله تأملا كاملا، ويدرس تفاصيله ويبحث عن المعانى من خلفه، فينظر للوحة بألوانها وتفاصيلها وطريقة الرسم أو التصوير بها وما تحمله من معانٍ، وكذا السينما، فكان يتأمل العمل السينمائى ويدرك المعانى وراء الأشياء ويبحث عما يريد المؤلف أو المخرج يريد أن يقوله.