الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تقدير موقف كامل عن الاحتلال الإسرائيلي الجديد


لاستعراض حقيقة الاحتلال الإسرائيلي الجديد، أو ملف الضم الإسرائيلى لأراضي من الضفة الغربية، وفقا للخطة السياسية الأمريكية، يجب أن نهتم بأسئلة محددة، هى، هل تغيرت خريطة الضم بشكل أو آخر؟!، هل سيتم الضم كليا أم جزئيا أم يؤجل ولماذا؟!، وما هى المواقف الدولية المؤثرة على القرار الإسرائيلي، وآلا يكفي الدعم الأمريكى؟!، وهل الخلاف بين نتنياهو وجانتس حقيقي أم تمويهى؟!، وهل من الممكن أن نصل لانتخابات مبكرة جديدة، ينفرد من خلالها الليكود بالحكم؟!، وهل أثرت أزمة الكورونا بإسرائيل على الضم؟!، وأين العرب من كل الأزمة؟!، وماذا سيفعل الفلسطينيون، السلطة والشعب والفصائل؟!

أسئلة كلها معقدة، لكن يجب الإجابة عليها،لرسم صورة كاملة عن الواقع والقادم، ولنبدأ ب:

١- الخريطة الحقيقية للضم وهل تغيرت بسبب الضغوط الدولية والداخلية؟!
تفيد كل المصادر المعلنة على الأقل،أنه بعد الخرائط الأمريكية التى تم الترويج لها من قبل واشنطن إبان الإعلان عما يسمى بصفقة القرن، دارت أحاديث إعلامية وسياسية ودبلوماسية إسرائيلية وعربية ودولية حول وجود نسخ من خرائط تنفيذية إسرائيلية، أخفاها نتنياهو عن أقرب المقربين منه، وطبعا عن حلفاءه في الإئتلاف الهش مع جانتس، وراجت أنباء حول تغيير في الخرائط ما بين توسع عن الخرائط الأمريكية، ثم تراجع عن الخرائط الأمريكية بعد التخبط الأمريكى والضغوط الدولية والخلافات الداخلية، لكن إجمالا لا يبدو أى تغيير جوهرى بين الخرائط الأمريكية والإسرائيلية المعلنة، فالخلاف الإجرائى بين الأمريكان والإسرائيليين حول خرائط المستوطنات التى ستضمها إسرائيل، ثم تجاوزت أمريكا عن ذلك، مقابل أن تبطئ تل أبيب في إجراءات الضم، لأن الأجواء غير مواتية بالنسبة للأمريكان من الكورونا وتداعيات أزمة فويلد واقتراب الانتخابات.

٢-هل يتم الضم كليا أو جزئيا أم يؤجل، ولماذا ؟
في هذه النقطة يجب أن نتعرض بتفصيلات عن الخلافات الداخلية والضغوط الدولية حول الضم، والتى تشكل بصورة أو أخرى أجواء التنفيذ، فالواضح بشكل كبير أن الفجوة تتسع بين نتنياهو وحليفه جانتس خلال الأيام الأخيرة، لدرجة إنه أصبح من الاعتيادى أن يقوم نتنياهو ويترك الاجتماع غاضبا، أو لا يحضر جانتس آخر، ويتبادلان التهديدات علنية في الصحف والسوشيال ميديا على حساباتهم الخاصة، ووصل الأمر إلى أن أنباء استطلاعات الرأى أصبحت ثابتة في الصحف الإسرائيلية، وكلها بالطبع في صالح الليكود ونتنياهو وضد أزرق أبيض وجانتس، بما ينبئ بنهايته السياسية قبل أن يبدأ أساسا بشكل حقيقي، وأحدث إستطلاعات الرأى أشارت إلى إنه لن يحقق أزرق أبيض أكثر من عشرة مقاعد وسيكون في المركز الرابع، بينما حزب الليكود بزعامة نتنياهو 38 مقعداً، الأول، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لابيد، المرتبة الثانية بـ 17 مقعدًا، والقائمة المشتركة 15 مقعداً.

 وهذا بالطبع عنصر مؤثر في القرار، حتى إنه من غير المستبعد أن يذهب نتنياهو للانتخابات للتخلص من جانتس والانهاء عليه، والسيطرة الكاملة على المشهد السياسي الإسرائيلي، ووقتها يفعل ما يحلو له، لكن هل يستطيع إقناع أنصاره من أقصي اليمين في الليكود وخارجه بهذا التكتيك، أتصوره ليس صعبا، فتأجيل الضم عام، مقابل ضم وسيطرة كاملة على الحكم في إسرائيل، سيكون سببا مقنعا للتأجيل، رغم التحذيرات من إحتمالية تأثير عدم بقاء ترامب في البيت الأبيض لولاية ثانية، على ذلك، وهذا هو العامل المربك الوحيد.
وبعيدا عن هذا السياق، فإن نتنياهو مهد الأرضية الإسرائيلية بكل جوانبها السياسية والإعلامية والأمنية لتنفيذ كامل للضم، حتى لو لم يتم كليا للتأجيل، كما أشرنا، أو تنفيذه جزئيا لإرضاء جميع الأطراف داخليا وإقليميا ودوليا، وبالذات لو كان من ضمن المؤجلات غور الأردن، وبالأخص الجزء الأقرب من الأردن.

٣- أين العرب من كل ذلك؟!
جلبنا السياق لاستعراض المواقف العربية، والتى تختلف وفق المكان والمصالح، فهناك معسكر ما يسمى بالسنى المعتدل، والذي يضم مصر والأردن والسعودية والإمارات، ومن الممكن ضم البحرين له، وهؤلاء جميعا أكدوا على رفضهم لأى إجراء إحادى وأى إحتلال جديد، محذرين من وقف العلاقات والاتصالات مع إسرائيل، رغم سخونتها مع عدد منهم بشكل علنى، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية كاملة معلنة حتى الآن، وبالذات الإمارات والبحرين.

وبالطبع، يجب التعرض لموقف الأردن في نقطة منفصلة، لأنه أكثر المتضررين مع الفلسطينيين، استراتيجيا بكل معنى الكلمة، ولذلك كان الموقف الأردنى واضحا ومباشرا، ووصل حتى أن الإعلام الإسرائيلي صعد ضد عمان، وهدد بالتصعيد العسكرى، خاصة بعد مواقف العاهل الأردنى وتصريحاته، والتى منها إنه رفض التواصل مع نتنياهو أو الالتقاء به، وسط مطالبات مستمرة بوقف إمداد الأردنيين بالغاز الإسرائيلي.

وكالعادة خلال الربع قرن الأخير، كان الموقف القطرى مباغت ومتلون، حيث أعلنوا شيئا وكانوا يفعلوا غيره، وكان هذا واضحا في سياق تصريحهم بوقف المساعدات المالية لحماس التى تهدأ من تعاملها مع إسرائيل ردا على إصرار تل أبيب على الضم، لكنه في الواقع كان قد تم إرسال المساعدات فعليا!

فيما كان الموقفان المصري والسعودي بارزان برفض الضم، وكانت قد تعرضت أطراف عربية بالانتقاد لمصر بحجة إنشغالها بأزماتها الداخلية عن إتخاذ موقف حقيقي ضد الضم، ويتم ترويج معلومات في الكواليس عن فتور مصري فلسطينى بل ومصري أردنى، تسبب في تأخر الدعم الأردنى لمصر في موقفها ضد إخوان ليبيا، وأرجع ذلك لعدم مشاركة مصر في اجتماع وزيرى الخارجية الفلسطينى والأردني برام الله، لإعلان موقف ضد الضم، كما كان مقررا، وفق قول مصادر فلسطينية وأردنية روج لها الإعلام الإسرائيلي للوقيعة .

وفي نفس الإطار روج الإعلام الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة لجولات وإتصالات يقوم بها وزير المخابرات الإسرائيلية يوسي كوهين، بالتواصل مع كل الأطراف العربية المؤثرة لإقناعها بالضم، أو على الأقل تمريره بردود الفعل المعتادة من الشجب والإدانة، بل وروج الإعلام الإسرائيلي تقارير ضد المخابرات المصرية، بأنها قبلت ذلك، وبدا موقف مصر فاترا من الضم، بل ويروجون لأخبار تطور التعاون الغازى بين القاهرة وتل أبيب، وبدء ضخ الغاز من حقل تمارا لأول مرة، بعد الانتهاء من الأمور اللوجستية المتعلقة بذلك.

وأرى إنه من الضرورى أن تكون هناك حملة مصرية عربية دبلوماسية وإعلامية عبر الوسائل التقليدية وغير التقليدية، لتمرير رسائل تعبر عن الموقفين المصري والعربي، دون الدخول في حالة رد مباشر على حملات الإعلام الإسرائيلي، لأنها مؤثرة داخليا وخارجيا، خاصة لأنه لا يوجد موقف حقيقي من الجامعة العربية حيال ذلك، وبالتأكيد لا نستطيع أن نغيب تأثير جائحة الكورونا على ذلك، وإسرائيل تجيد بشكل كبير، استغلال هذه الأجواء.

٤- ما هى المواقف الدولية المؤثرة على القرار الإسرائيلي بالضم، وآلا يكفي الدعم الأمريكى؟!

على غير المتوقع للبعض، تتعاظم المواقف الدولية من القوى المؤثرة عالميا ضد الضم، حتى إنه هناك مواقف مباشرة مقلقة لإسرائيل من حليفات لها كبريطانيا وفرنسا وهولندا والڤاتيكان وصلت لحد التهديد بتأثير كبير في العلاقات وعدم الاعتراف بالضم واعتباره احتلالا مباشراً، بالإضافة لموقف الأمين العام للأمم المتحدة الرافض تماما، بل وطالب نواب من الكونجرس الأمريكى ومسئولون أوربيون، بمعاقبة إسرائيل بوقف مساعداتها وخلافه، لو نفذت الضم جزئيا أو كليا.

وهناك موقف مشابه من الصين وروسيا، لكنه ليس في نفس القوة، لكن هناك قوى إقليمية ودولية لاتزال صامتة، بالإضافة للصمت الإفريقي واللاتينى والأسيوى، ولم يصل الملف بشكل مباشر لمجلس الأمن حتى الآن، رغم إنه كان المقرر تنفيذه في الأول من يوليو، والحديث الآن عن تنفيذ خلال أيام، لكن هذا أمر غير مؤكد بالطبع لعدم توفر الأجواء الداخلية والإقليمية والدولية اللازمة.

وعموما، يرسل نتنياهو رسائل تهدئة لحلفائه الدوليين الغاضبين، رغم بعض رسائله المعلنة التى تضرب بهذه المواقف عرض الحائط، ليثبت لمؤيديه إنه حاسم أمره لتنفيذ الضم، مهما كانت الضغوط.

٥- ما هو الموقف الفلسطينى ، شعب وسلطة وفصائل ؟!
وأخيرا، وبعد استعراض كل الأجواء، بقي المتضرر الأكبر "الفلسطينيون"، ولديهم الأمور واضحة بشكل ما، خاصة خلال الفترة الأخيرة أكثر من الإسرائيليين، وخاصة بعد التقرب من الفصائل بل وعرب ٤٨, الذين إتهموا بخيانة إسرائيل بسبب حضور ممثلين لهم ومنهم النائب أيمن عودة رئيس القائمة العربية المشتركة، اجتماع بين فتح وحماس، لترتيب أوراق مواجهة الضم.

بالإضافة للحصول على دعم كامل من مصر والأردن، وأطراف عربية وإقليمية ودولية أخرى، بما فيها المعادين لأغلب العرب من نوعية تركيا وإيران.

وهناك حالة اصطفاف شعبي وسياسي كبير وراء الرئيس الفلسطينى محمود عباس بشكل أو بأخر، بسبب مواقفه الحاسمة والرافضة للخطة السياسية الأمريكية والتى منها الضم، ووصلت حتى التهديد بالاستقالة بعد وقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل وقطع العلاقات مع الأمريكان.

وفي هذا السياق تروج إسرائيل لسيناريوهات مقلقة للداخل والخارج من انتفاضة جديدة، وحرب مع حماس والفصائل في غزة، وبالفعل حماس تقوم بأعمال عسكرية نوعية، تزامنا مع حديث دعم من إيران وتركيا وحزب الله، وبالطبع كل هذه الأجواء مرفوضة داخليا وإقليميا ودوليا.

وواقعيا، لا يمكن للقيادة الفلسطينية السيطرة على الشعب الفلسطينى حتى لا يخرجوا في إنتفاضة، رغم تأكيدها على ذلك عدة مرات، فالضم لو تم ستخرج الأمور عن السيطرة، لكن لن تشارك القيادة الفلسطينية بأسلحتها في الانتفاضة، لأنه لا مقارنة في القوى بالمرة، ومن غير المستبعد أن تتسع الدائرة وقتها بأعمال من حزب الله أو حتى إيران من سوريا بالتنسيق مع حماس، وهذا يوضع في الاعتبار.

ووفق رصد الاهتمامات الإقليمية والدولية، فالمجتمع الدولى مهتم أكثر بتطورات الأزمة الليبية بسبب تأثير النفط الليبي في السوق العالمية، ورفض قوى كبري إقليمية ودولية، في مقدمتها مصر وفرنسا التدخل التركى في ليبيا، بالإضافة إلى استمرار تصدر أزمة البرنامج النووى الإيرانى بضغوط أمريكية وإسرائيلية، ولا ننسي الأزمة السورية وقانون قيصر وعواقبه المرتقبة داخل سوريا وخارجها.

 ولا يمكن تغييب دور جائحة الكورونا، في تعطيل الضم، إما بتأثيره على إسرائيل أو أمريكا أو العالم أجمع، خاصة أن الفيروس تعاظمت أضراره خلال الأيام الأخيرة بالذات في تل أبيب وواشنطن، ويلقي هذا بظلاله داخليا.

المحصلة والتوصيات:
* ليس من المتوقع تنفيذ الضم، رغم الإصرار المعلن على الأقل من قبل نتنياهو، وكل السيناريوهات مفيدة لنتنياهو بما فيها الذهاب للإنتخابات، رغم التحذيرات من عدم استمرار ترامب في الحكم، لكن بايدن لن يختلف كثيرا في هذا الإطار على الأقل .

*نرجو الدولة المصرية أن تتعامل أكثر مباشرة مع الملف دون تأثير على التقارب المصري الإسرائيلي المفيد في هذه الآونة في العديد من الملفات، منها الغازى ومكافحة الإرهاب، ولو احتجنا لهم في ملف السد الإثيوبي.

*من المهم الرد على الحملة الصحفية والإعلامية الموجهة ضد المخابرات المصرية بالترويج إلى أن هناك إتفاق سرى، تم التوصل إليه، بين المخابرات الإسرائيلية والمخابرات المصرية خلال زيارة مزعومة لرئيس الموساد للقاهرة مؤخرا، لتمرير مصر للضم، مقابل سكوت إسرائيل على مواقف مصرية مضادة في إطار الرفض والشجب والإدانة.

*نحتاج للإستفادة من حالة الرفض الدولى للضم، لتدعيم موقف الثوابت المصرية والعربية في الحقوق الفلسطينية ورفض تام للضم وعدم الاكتفاء ببعض التأجيل، وتسريع إقامة دولة فلسطينية والتسهيل على الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ورفع فلسطين من مستوى مراقب لعضو في الأمم المتحدة.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط